حدیث الناس

ارحموا ابنائنا التلاميذ

يتاسبق التلاميذ الصغار ـ ذكوراً واناثا- على ابواب المدارس هروباً من الكسل والجهل الى رحاب العلم والتعلّم الذي حرموا منه بسبب جائحة كورونا، وهي مفارقة جديدة خلقتها هذه الجائحة بعد أن كانت الوصمة على التلاميذ انهم يأتون الى المدرس متكاسلين، ولدى الانصراف يتسابقون هرباً الى المنزل واللعب واللهو، وهذا يؤكد طبيعة الفطرة السليمة للاطفال المحبين للعلم، ولاحظنا هذا قبل الجائحة خلال “محاربة الدوام” من قبل جماعات مشبوهة تحركت تحت شعارات الاحتجاج ضد الفساد والنظام السياسي الفاشل التي عمّت مدن الوسط والجنوب عام 2020.

تأكيد الاطفال، الى جانب طلبة المدارس والجامعات، حبهم وشغفهم بالدراسة ومواصلة التعليم يحمّل المعنيين بأمر التعليم في العراق مسؤولية اخلاقية وقانونية كبرى لاحتساب هذه المشاعر الصادقة في أي قرار يتخذونه.

إن منظر تجمع الأمهات مع ابنائهم عند الابواب المغلقة لاحدى المدارس، وذلك بعد تجاوز الساعة الثامنة صباحاً، يستدعي شعوراً طيباً بحب العلم والتعليم، كما يستدعي شعوراً بالحزن والأسى على هذا الرد من قبل بعض المعنيين، فهل هذا ما يستحقه الأهالي وابنائهم، ولسان حالهم: أن “حسبنا الله ونعم الوكيل”؟

وقد جاء تبرير وزارة التربية على لسان وزيرها المحترم على تحديد موعد الامتحانات قبل ايام معدودة، بأن الوزارة سبق وأن اعلنت مواعيد للامتحانات في السادس، ثم العشرين من شباط الماضي، ثم حصل التأجيل بسبب المخاوف المستمرة من كورونا، وهو “يستغرب امتعاض بعض أولياء الأمور”!

كما لو ان عليهم ان يكونوا مع ابنائهم على أهبة الاستعداد كل يوم لتلقي أوامر الامتحانات شأنهم في ذلك شأن الجنود في خنادق القتال، ينتظرون أوامر الهجوم في كل لحظة! وليس الأمر بحاجة الى تهيئ واستعداد نفسي وذهني كاملين من قبل التلاميذ وأولياء الأمور، على الأقل قبل اسبوعين.

 

أن تكون الأسرة مسؤولة عن تعليم ابنائها وبهذا الشكل المتراكم وغير المسبوق، يفترض ان يكون شأنه شأن العيش في ظروف الكوارث الطبيعية، او النزوح بسبب الحروب وأمثال ذلك، لا أن يكون حالة مفتوحة مع الزمن

 

في الفترة الماضية كان الخبراء في أمر التربية والتعليم يقسّمون المسؤولية بين الأسرة والمدرسة، الى جانب بعض المؤثرات في المحيط الاجتماعي والثقافي، ولكن؛ الامر اختلف تماماً وخلق وضعاً جديداً تماماً بعد أن غابت  المدرسة والمعلم والدوام المنتظم عن تلميذ الابتدائية وطالب الاعدادية، و حبست كورونا هؤلاء في بيوتهم، لتجعل مسؤولية التعليم بنسبة كبيرة ملقاة على الأسرة، وليس كما السابق، حيث يساعد الابوين المعلم على إيصال المادة الطالب بشكل مفهوم، ثم انتقال ـ الى حدٍ بعيد – المدرسة داخل البيت، من خلال توفير انترنت مع جهاز خازن للطاقة وكافة المستلزمات الضرورية ليتلقى الطالب دروسه عن بعد بشكل مريح دون منغّصات.

المعلمون والمدرسون يبذلون –اكثرهم- جهودهم لايصال المادة عبر منصات تواصل اجتماعي، وهم مشكورون على ذلك، بيد أن العبرة بالنتائج عندما يكون الطالب قد أنهى مرحلته الدراسية مع اقتطاع فصول عديدة من المنهج، والتي لاشكّ سيحتاجها في المراحل الآتية من الدراسة، والمثير تبرير وزارة التربية أنها تحذف فصولاً من المواد الدراسية لمساعدة الطالب ومراعاة لجهود المعلم في ظل الاوضاع الراهنة.

 

المعلمون والمدرسون يبذلون –اكثرهم- جهودهم لايصال المادة عبر منصات تواصل اجتماعي، وهم مشكورون على ذلك، بيد أن العبرة بالنتائج عندما يكون الطالب قد أنهى مرحلته الدراسية مع اقتطاع فصول عديدة من المنهج، والتي لاشكّ سيحتاجها في المراحل الآتية من الدراسة

 

الحديث متشعب عن خلفية الازمة وابعادها ومناشئها، وطرق حلّها، لاسيما وانها تتعلق بملف غاية في الحساسية والخطورة، لا تستهين بها الدول المتقدمة والنامية بشكل جدّي في العالم، ولا مجال للخوض في اللوم والانتقاد في هذه الظروف الصعبة، انما المهم التفكير للمرحلة القادمة، وما يكون عليه مصير التلاميذ والطلبة مع الاجراءات الخاصة والاستثنائية المتبعة بشأنهم بحجة الوقاية من كورونا؟

أن تكون الأسرة مسؤولة عن تعليم ابنائها وبهذا الشكل المتراكم وغير المسبوق، يفترض ان يكون شأنه شأن العيش في ظروف الكوارث الطبيعية، او النزوح بسبب الحروب وأمثال ذلك، لا أن يكون حالة مفتوحة مع الزمن، وربما لسنوات قادمة، لاسيما واننا نلاحظ التركيز غير الطبيعي على المراكز التعليمية دون غيرها في الاجراءات الوقائية ضد هذا الوباء الغريب والمريب، وما يزال العلماء يتخبطون في حيرتهم منه، وعجزهم عن السيطرة عليه بشكل كامل مطمئن، بسبب تطوره المستمر مما يجعل انتاج اللقاح للوقاية منه، او أي عقار آخر يبدو مثل سباق بين أرنب وسلحفاة!

واذا كانت الحكومة تعلن حرصها على سلامة التلاميذ والطلاب، فان الخطير ايضاً تصدّع بنية التعليم في العراق، وهو بمنزلة الدماغ في الجسم، إن تعرض لخلل ما تعرضت جميع المؤسسات والمرافق الحيوية في الدولة للخطر، إن عاجلاً أو آجلاً.

وكما تكون حريصة على مسألة السلامة، على الحكومة وبشخص رئيس الحكومة الذي يرأس اللجنة العليا للصحة والسلامة في العراق، فانها مسؤولة ايضاً وبشكل مباشر عن كل تفاصيل المسيرة التعليمية، لاسيما فترة الامتحانات الراهنة التي تتأرجح بين أن تكون نصف سنة، أو نهائية، مع قرارات غير مدروسة منها؛ دمج الامتحان الشفهي مع التحريري، وهو أمر غير مسبوق بالمرة، وغير منطقي، فضلاً عن حذف مواد عدّة من بالكامل من الامتحان، مع اقتطاع فصول من الكتب، ومشاكل وتخبطات عديدة لا مجال لعدّها والخوض فيها؛ كلها تشكل معاول هدم لمعنويات التلاميذ الصغار، ولاعصاب وامكانات الاهالي في ظروف معيشية لا يُحسدون عليها.

الاموال يمكن تعويضها، فقد تقدمت شعوب ودول أشواط بعيدة بعد حروب ودمار وتخلف عاشته لعقود وقرون بفضل العلم والمعرفة، ولكن عندما يفتقد شعبٌ هذين الركيزتين لن يعوضهما شيء مطلقاً، ولن يرحم التاريخ والاجيال من يتسبب في حرمان جيل كامل حرية التعليم وبالشكل الصحيح، والتسبب في تخلف شعب بأكمله عن مسيرة التطور في العالم.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا