بصائر

كيف نحوّل الصعوبات سلّما الى النجاح؟

يواجه الإنسان في حياته مختلف الصعوبات، وهذه الصعوبات هي الامتحان لقدرات الإنسان وطاقاته، ونجاحه فيها يعني الوصول الى الحكمة في التعامل مع معطيات الحياة المختلفة.

وتلك الحكمة هي التي جاء بها الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، هي ضمن إطار الرسالة التي تتشعب الى شُعَب شتى ومن اعظم هذه الشعب مواجهة الصعوبات، فالإنسان الحكيم هو من يستطيع تحويل الصعوبات الى عِبر، بل قد يحولها الى معارج للوصول الى القمم المختلفة.

ويبيّن الله تعالى في آيات كثيرة في القرآن الكريم أن الدنيا دار ابتلاء ولا يمكن تغيير هذه المعادلة، و لا يمكن لأحد أن يغيّر حقيقة الدنيا، فلا هي جنة تحوي كل خير، ولا هي جهنم ينعدم فيها الخير، لكنها خليط بين الجنة والنار.

والإنسان هو الذي يُمتحنُ في هذه المعركة الكبرى، وهذا الإمتحان بالنسبة إليه ـ أي الإنسان ـ بلورة لشخصيته، واكتشاف لحقيقته، وتطوير لذاته، ولا يمكن له أن يتطور إلا عبر الامتحانات. فالعقيق الذي نلبسه لا يستخرج بسهولة من جبل العقيق، فهو متداخل مع الأحجار العادية، ولابد من نحت حتى يتم فصله عن الحجر العادي. فالاحتكاك هو الذي يصفي الاحجار الكريمة حتى نرى منها: العقيق اليماني، والفيروز والدر النجفي.

 

قد يكون الصبر في مواجهة المصيبة، وقد يكون في تحدي صعوبات الطاعة، وقد يكون ـ ايضا ـ حين مواجهة الأعداء، لكن الصبر المطلوب هو الصبر في كل الحالات، والصابر هو الذي يستطيع الصبر في كل الحالات؛ لأن رؤيته بعيدة، والتوكل على الله زاده في هذا الطريق الطويل

 

كذلك الإنسان فهو معدن بحاجة الى صقل والى استخراج يقول تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}، فالقلب فيه الكثير من السلبيات، وهذه السلبيات هي من آثار عصيان آدم عليه السلام، فنطفة البشر التي كانت في صلب آدم انتقلت في الأرحام جيلا بعد جيل، فخطيئة آدم معنا، ولذا فنحن نصوم في السنة ثلاثين يوما، لأن أبينا عليه السلام، أكل من الشجرة المنهية، ولا تزال آثار ذلك العمل موجودة فينا.

فنفوسنا ليست صافية ولذا فهي بحاجة الى امتحان، والله تعالى يبين في كتابه المجيد أنه سيبتلينا، يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الابتلاء شيء بسيط مقارنة بإبتلاء الآخرة، الذي كله خوف وجوع.

 

  • الإنسان وكابوس الخوف

حينماالإنسان يخاف لماذا يخاف؟

كل إنسان يحب نفسه ولهذا فهو يسعى الى درأ الأخطار عن نفسه، ولأن هذه الاخطار موجودة فهو يخاف منها، فهو يخاف من الحشرات ومن الحيوانات المفترسة وما اشبه.

أما كلمة (الجوع) في الآية الكريمة فتعني: أنه ما من إنسان إلا في حياته بفقر مدقع، والجوع هو آخر درجات الفقر، ففي أمريكا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم تشير التقارير أن اكثرمن عشرين مليون إنسان ينامون جائعين!

{وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، الفرق بين الأموال والثمرات، أن الثمرات تحولت الى شيء صامت كالعملة النقدية، او البيت وما اشبه، أما الثمرة فهي الانتاج من قبيل الفواكه، والمصانع، فكل ثروة تحت يد الإنسان تعد ثمرة. والإنسان قد تحصل لديه وفرة في الأموال، لكنه يبتلى بالنقص في أمواله وفي الانفس كذلك.

{وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ}: المراد من الصبر هو رؤية المستقبل، ولذا فإن مع أي ابتلاء وعسر هناك يسر يقول تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}، فالليل البهيم ينتهي بنهار بهي، والفقر يتحول الى غنى.

قد يكون الصبر في مواجهة المصيبة، وقد يكون في تحدي صعوبات الطاعة، وقد يكون ـ ايضا ـ حين مواجهة الأعداء، لكن الصبر المطلوب هو الصبر في كل الحالات، والصابر هو الذي يستطيع الصبر في كل الحالات؛ لأن رؤيته بعيدة، والتوكل على الله زاده في هذا الطريق الطويل.

 

الإنسان هو الذي يُمتحنُ في هذه المعركة الكبرى، وهذا الإمتحان بالنسبة إليه ـ أي الإنسان ـ بلورة لشخصيته، واكتشاف لحقيقته، وتطوير لذاته، ولا يمكن له أن يتطور إلا عبر الامتحانات

 

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} عندما يصاب المؤمن بمصيبة بما فإن يجعل ذلك بعين الله، لأن الأمور كلها بيده وله، فالله تعالى هو المدبر لعباده، فالمصائب سواء جاءت ام لم تجيء فهي بأمر الله جل شأنه.

{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، هذه الرؤية اذا تكاملت عند الانسان فإنه يصبح حكيما، وبتلك الحكمة يسيطر على المواقف المختلفة، والمواقف هي عبارة عن لحظات، وإذا سقط فيها ناله الخسران.

{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}، فماذا تعني (صلوات) وليس (صلاة)؟

هذه الصلوات كل واحد منها تكون لجزء في حياة الإنسان، فصلاة واحدة ترتبط بروحه ليصبح قويا قادرا على مواجهة التحديات، وصلاة أخرى ترتبط بعافية الجسم، ولذا نقرأ في دعاء يوم الأحد للإمام زين العابدين، عليه السلام: ” بِكَ أَسْتَجِيرُ يا ذَا الْعَفْوِ وَالرِّضْوانِ…وَتَواتُرِ الاَحْزانِ”، فماذا يعني (تواتر الأحزان)؟

عادة الافراح والاحزان لا تأتي مرة واحدة، وإنما تأتي متواترة اي متوالية، فمن يجزع بالمصيبة، تأتيه المصيبة الأخرى، وهكذا تتوالى عليه المصائب، بينما الإنسان الذي يصبر يمنع الله عنه المصيبة التالية.

وصلاة أخرى تكون الجنة، فالجنة تُشترى بثمن ولا تأتي مجانا، فالإنسان عندما يصلي ويصوم..، فإن ذلك يُكتب له، وهذا الجنة لا تُعطى لأحد إلا بعمل صالح، فعندما عرج رسول الله، صلى الله عليه وآله، ودخل الجنة، وجد الملائكة يبنون قصرا من الذهب والفضة، وهم ـ الملائكة ـ يعملون في بعض الأحيان يعملون وتارة يتوقفون، فسأل النبيُ جبريل عليه السلام: لماذا يتوقف هؤلاء عن العمل؟

فقال: إنهم يبنون القصر لرجل يذكُر الله، فلما توقف عن الذِّكر، توقفوا عن البناء.

{وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}، هذه الرحمة هي النتيجة النهائية لذلك الصبر والتحمل، وهذه الرحمة عامة بكل المصاديق، وقد تكون الانشراح الكامل لآفاق المستقبل الأفضل. واعظم من كل تلك النعم (نعمة الهداية) التي تؤله للتعرف على حقائق الدين، ومعرفة الله ـ تعالى ـ والأنبياء والأئمة، عليهم السلام.

إن أحد مقومات الشخصية ونجاحها يرتبط في فهم سنن الحياة، لأن ذلك الفهم يقود الى اتخاذ الموقف الأصوب، ولمواجهة صعاب الحياة فإن الإنسان بحاجة الى الصبر في النوائب، لأن سنن الله تقضي أن بعد كل عسر يسر.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا