إضاءات تدبریة

هل نحن متقون حقاً؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.(سورة آل عمران /102)

في بداية الآية الكريمة يعطينا الرب المتعال وسام (الإيمان) ويخاطبنا بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، لأننا عندما نقرأ القرآن ونتدبر فيه وهو كتاب الله العزيز، يعني هذا اننا نؤمن بمن انزل القرآن، فنحن – بشكل عام – مؤمنون.

ولكن هذا الإيمان الأولي يشبه المواد الأولية لتصنيع جهازٍ ما، فهناك الكثير من المراحل ينبغي أن تمر بها المواد الأولية حتى تتحول الى الشيء المطلوب، كذلك إيماننا بالله – كعقيدة في القلب والعقل – هو مادة أولية ومهمة بالطبع، ولكن ينبغي آن تمر بمراحل التنمية والتجذير والإثمار حتى يكون إيماناً كاملاً كما هو المطلوب، إيماناً يهدينا الى سبل السلام في الحياة الدنيا والى دروب الجنة في يوم الحساب.

 

التقوى هي: “طاعة الله الذي آمنا به في الايجاب والسلب، أي طاعته فيما أمرنا به بالعمل والالتزام العلمي، واجتناب مانهانا عنه من الممنوعات والمحرمات، هذه خلاصة التقوى ولب اللباب”

 

والآية الكريمة تتكفل بهدايتنا لأهم مرحلة من مراحل تنمية الايمان وتعميقه وتثميره، حيث يأمرنا الرب بعد مخاطبتنا بالإيمان، ويأمرنا بأن نتقيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}. هذا يعني أن الإيمان شيء والتقوى شيء آخر، التقوى درجة ارفع من الإيمان، وهذا يعني أن الإنسان قد يكون مؤمناً، ولكنه لا يكون صاحب تقوى، ولا يتقي الله، ويعني أيضاً أنَّ مجرد اعلان الإيمان والتظاهر به ليس إلّا خطوة اولى في الطريق، وعلى الإنسان المؤمن أن يكمل هذه الخطوة بالتقوى، بل حتى التقوى المزعومة لا تكفي لوحدها، بل يضيف الرب المتعال في أمره لعباده المؤمنين قائلاً: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}. لا يكفي أن أزعم التقوى الظاهرية، بل المطلوب أن اتقي الله (حَقَّ تُقَاتِهِ). أن اتقيه بصدق واخلاص، أن اتحلّى بحقيقة التقوى التي تلقي بظلالها على كل مفاصل حياة الإنسان.

 

التقوى الحقيقية تنعكس على فكر الإنسان، وعلى لسانه وكلامه، وعلى سلوكه، وعلى مواقفه، وعلى علاقاته، وعلى أخلاقه وتعامله مع الآخرين، تنعكس على علاقته بالله وبالقدوات التي جعلها الله لنا، برسوله والأئمة الهداة، عليهم السلام، والقيادات الرسالية من الفقهاء الكرام.

حقيقة التقوى تنعكس على السياسة والاقتصاد، على الدائرة والجامعة، على الدراسة والتدريس، على البيع والشراء، وعلى كل التعاملات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وبكلمة: على كل شيء في حياة الإنسان.

ويجدر بنا هنا أن نتساءل عن معنى التقوى إذا كان يختلف عن الإيمان. فمعنى الإيمان واضح، إذ هو الاعتراف بالله الواحد الأحد الصمد الذي أوجد الكون، وهو رب الكون ومدبره، وبيده مقادير كل شيء. وأيضاً: الإعتراف بالرسل والرسالات من قبل هذا الرب، والعودة اليه في يوم الحساب لتلقي جزاء ما عملناه في الحياة. هذا هو الإيمان بايجاز، ولكن: ما هي التقوى؟ وكيف نتقيه {حَقَّ تُقَاتِهِ}؟

بكلمة: التقوى هي: “طاعة الله الذي آمنا به في الايجاب والسلب، أي طاعته فيما أمرنا به بالعمل والالتزام العلمي، واجتناب مانهانا عنه من الممنوعات والمحرمات، هذه خلاصة التقوى ولب اللباب”.

 

من مصاديق التقوى؛ البراءة والولاية، فالتقوى تعني التبرؤ من أعداء الله، وتولي أولياء الله، فالمؤمن لا يشترك في نشاط سياسي يقوده اعداء الله من عملاء المستكبرين والجائرين، ويتبرأ من كل شخصية تتجاهر بالفسق والفجور وشرب الخمر، حتى لو رفعوا صورته رمزاً وطبلوا وزمّروا له في الانترنت وشبكات التواصل

 

وقد يتظاهر المؤمن بالتقوى اما عمليا فهو ينجرف الى اليمين أو اليسار عن الصراط المستقيم، فهذه التقوى ليست من مصاديق {حَقَّ تُقَاتِهِ}، فحق تقاته يعني الصدق والاخلاص في التقوى في كل شيء، وفي كل مكان والأهم من كل ذلك: في كل زمان حتى لحظة اللقاء بالرب المتعال. وهذا ما تشير اليه خاتمة الآية حيث تقول: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

 

فالتقوى تستمر وتتواصل بغير انقطاع حتى آخر لحظة من حياة الإنسان، حتى يموت الإنسان وهو مُسْلِمٌ ومُسَلِّمٌ لله، والتسليم لله حتى الممات يعني عدم الخروج عن خط الصراط المستقيم ولا للحظة واحدة، ولا في موقف واحد، ولا في كلمة واحدة بل يواصل الإنسان سلوكه على الصراط المستقيم في كل الأحوال والظروف والأمكنة والأزمنة.

وإذا أردنا أن نفصِّل قليلاً في مصاديق وتطبيقات التقوى نقول:

التقوى يعني:

– الالتزام بالعبادات المفروضة من: صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، …

– الاجتناب الكامل عن محارم الله والمنكرات من: المفاسد الجنسية، وأكل أموال الناس بالباطل، وشرب الخمر، والقمار، وكل المفاسد الأخلاقية، والإضرار بالناس، وبالبيئة، وعقوق الوالدين، وايذاء الزوج والزوجة، والتقصير في تربية الاولاد، وقطع الرحم، و…

– البراءة والولاية، فالتقوى تعني التبرؤ من أعداء الله، وتولي أولياء الله، فالمؤمن لا يشترك في نشاط سياسي يقوده اعداء الله من عملاء المستكبرين والجائرين، ويتبرأ من كل شخصية تتجاهر بالفسق والفجور وشرب الخمر، حتى لو رفعوا صورته رمزاً وطبلوا وزمّروا له في الانترنت وشبكات التواصل. المؤمن يتولى المؤمنين وينضوي تحت قيادة ولي من اولياء الله، من الفقهاء الكرام نواب الأئمة الأطهار.

– التحلي بالأخلاق الفاضلة في التعامل مع الجميع: في الأسرة، والمجتمع، مع الصغير والكبير.

– الصدق في العمل الاقتصادي والتجاري في السوق، وفي الوظيفة في الدائرة، وفي العمل في المعمل.

– الاخلاص في العلاقات مع الناس، وعدم اللجوء للمكر والخديعة والنفاق والغيبة والنميمة.

– طهارة اللسان عن كل المآثم الكلامية.

وهكذا التقوى الحقيقية تتجلى في كل شؤون الانسان وتصرفاته وكلماته وعلاقاته وسلوكياته.

فهل نحن متقون حقا؟

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا