المرجع و الامة

ما هي معايير اختيار الرموز التاريخيين؟

يقول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}. (سورة محمد آية /11).

تاريخ الإنسان أشبه ما يكون بجذور شجرة، فإذا كانت هذه الجذور طيبة، فإن الشجرة أيضا تكون طيبة، {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}، وأعظم سبب لتخلف البشر نظرته الى التاريخ، فحينما تكون نظرة الإنسان الى تاريخه نظرة سلبية، وحينما يقدّس مَن لا ينبغي أن يقدس، ويحترم من لا يستحق الإحترام، والإصرار على تكريم أناس لا يستحقون أدنى الكرامة، فهكذا أمة لن تتقدم أبداً.

فمن يساوي بين النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وبين أبي سفيان، وبين الإمام علي، عليه السلام ومعاوية، وبين الإمام الحسين، عليه السلام، ويزيد، فكيف ترجو له أن يتقدم؟

المثل العليا التي أنزلها الله تعالى، على رسوله، والتي تجسدت في الإمام علي، عليه السلام، وفي سبطيه الحسين والحسين عليهما السلام، هذه مُثُل الإنسان وهي التي ترفع الإنسان الى أعلى عليين، أما تلك الفواحش التي ظهرت عند أبي سفيان، فحياته كلها فُحش وفشل، وكذلك معاوية ويزيد، والحزب الاموي الحاقد الذي تمثل اليوم في بعض الذين يدعون الإسلام وهم (الداوعش).

فكيف يرجى لإنسان يقدس هذه النماذج، أن يسعد في حياته؟

من أعظم ما يجب على الإنسان أن يبدأ به لكي يتقدم، هو تجديد نظره في تاريخه وتراثه، فالتراث ليس مقدّساً، ففيه الخير والشر، ولذلك فإن الله تعالى زودنا عبر آياته المباركة بالكثير من العِبر التاريخية، فهل كفرعون وحزبه يقدسون؟ وهم الذي ظلموا بني اسرائيل وساموهم سوء العذاب! وهل مثل هذه الشخصية تقدّس وتُحترم؟

كذلك الأمم السابقة التي يبين الله مصائرهم، كعاد وثمود، وقوم نوح، وقوم لوط.. وهذا البيان لكي نعتبر، والله تعالى يأمرنا أن نسير في الأرض، وننظر آثار الأقوام السابقة، لنعتبر بما تبينه تلك الآثار من حقائق وبصائر.

 

من أعظم ما يجب على الإنسان أن يبدأ به لكي يتقدم، هو تجديد نظره في تاريخه وتراثه، فالتراث ليس مقدّساً، ففيه الخير والشر، ولذلك فإن الله تعالى زودنا عبر آياته المباركة بالكثير من العِبر التاريخية، فهل كفرعون وحزبه يقدسون؟ وهم الذي ظلموا بني اسرائيل وساموهم سوء العذاب!

 

وفي زيارة عاشوراء نجد هذه النقطة الأساسية، فهذه الزيارة تفصلنا عن أناس عاشوا على هذه الأرض بأسوأ ما يكون، وذهبوا الى مزبلة التاريخ، فنحن نقول في هذه الزيارة:

اللّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الاَكْبادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلى لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ.

فما من موطن نزل فيه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، إلا وحذر من أبي سفيان، وابنه معاوية، وأمر المسلمين بأن يتجبنوهم، فكانوا ـ أبو سفيان وابنه معاوية ـ يهيئون للعودة الى الحكم والسلطة من جديد، فأبو سفيان وقف بوجه النبي الأكرم، ومعاوية بوجه الإمام علي، ويزيد واجه الإمام الحسين، وهذه هي الشجرة الملعونة في القرآن، والنبي حذّر منها، وفي زيارة عاشوراء تأكيد على ذلك.

اللّهُمَّ العَنْ أَبا سُفيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الابِدِينَ

وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الحُسَيْنَ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ“.

اللّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلى ذلِكَ.

وحينما نلعنهم نبتعد عن سيرتهم المشؤومة، عن اخلاقهم، عن افكارهم وثقافتهم، وهم الذين أوصلوا المسلمين إلى ما نحن عليه اليوم، فالإمام الحسين، عليه السلام في تلك اللحظات الحرجة بيوم عاشوراء، أخذ الدم ولطخ بيه لحيته الكريمة، وقال: “هكذا ألقى ربي، وأقول له قتلني فلان وفلان..”، فيوم عاشوراء كان جذورا لمأسآة سابقة.

فالأمة التي تقدس التراث بما فيه من خير وشر، ولا تميز بين الحاكم الفاسق كيزيد، شارب الخمور، معاقر الفجور، وبين إمام صالح، كيف سنقابل الإمم الأخرى اذا قدمنا لهم هذه النماذج التاريخية المشؤومة؟ وأحد الأسباب التي منعت انتشار الإسلام في العالم، هو التاريخ الدموي لهؤلاء الحكام.

فالذين يختارون الطالح ويتركون الصالح، ولا يملكون مقاييس واضحة في دراسة تاريخهم وتاريخ أمتهم، أمثال هؤلاء يخسرون أنفسهم، ويضيعون فرصة عالية من التقدم والسمو. فمن يتخذ من الإمام الحسين عليه السلام، إماماً وقائداً بعبادته ومعارفه، بتضحيته، وأخلاقه ..، بكل تلك المُثُل العليا، فهل يجدر بهكذا إمام أن يُترك، ويُتخذ يزيد إماما؟

لكن الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، بعد أن هداهم االله لولاية أهل النبي وأهله بيته، فمن المستحيل أن يتركوا هذا الولاية، ويستبدلوا بها غيرها، فالموالي مستعد لدفع حياته وحياة أولاده في سبيل البقاء على هذه الولاية، لأن وجود في أهل البيت عليهم السلام، ما يدعوه إليه وجدانه، لأن الوجدان يبحث عن الطهر والنقاء والصدق والوفاء.

وإذا نظرنا الى البلاد التي يتواجد فيها المحبون والموالون لأهل البيت، عليهم السلام، فسنجد الشعبية الواسعة لأبي الفضل العباس، عليه السلام، ذلك ما تحمله شخصيته من وفاء وإباء، وبطولة، ولأنه ايضا باب من أبواب الله، فهو يشفع للمؤمنين، وبه تقضاء حوائجهم.

زيارة عاشوراء من الزيارات النادرة التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام، بخصوص التبرؤ، حتى تخلصنا من تراث قد نقدسه، بينما هو في الواقع ليس من الضروري تقديسه.

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}، فلماذا يدعو المؤمن لأبيه؟

ولماذا يدعو للمؤمنين الذين سبقوه بالإيمان؟

الدعاء للآباء وللمؤمنين، حتى لا يُقدّسوا، لأن تقديس الآباء كان سببا رئيسا لإنحراف الناس، ولأنهم ليسوا بمستوى التقديس، وإذا كانت حياتهم جيدة، فهي لمرحتلهم التي قد خلت.

فالأوروبيون حينما تخلصوا من المنطق الآرسطي، والثقافات التي كانت شركية في بعض الأديان، فحينما تركوا هذا الثقل، كسروا قيودا كانت مكبلة لهم، نحن كذلك مدعوون للتخلص من ثقل التاريخ الفاسد. ولابد أن تكون لدينا مقاييس واضحة نقيّم بها تاريخنا.

——————–

  • مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي بتاريخ؛ 28 ـ 8 ـ 2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا