قال سماحة المرجع المُدرّسي – دام ظله – إن حالة التبرير والتنصّل من المسؤولية والنفاق: «لم تَعد حالةً فردية؛ بل أمست ثقافةً عامة» مترسخة مليئةً بالمغالطات ومتسلحة بالأعاذير والتبريرات، وتدعو إلى الإنهزامية والسلبية، وهي ثقافة لا تزال مسؤولة عن هزائم الأمة، واوضح سماحته أن الأمة بحاجة الى «بث وحمل ثقافة التحدي التي تنسف أسس ثقافة التبرير، مثلما تخرق أشعة الشمس السحب»، مؤكدا على أن «بصائر الوحي، وسيرة ونهضة وتأريخ ومواقف وكلمات اهل البيت، عليهم السلام، والمناسبات العظيمة المرتبطة بهم، كلها تمثل منابع ثقافة التحدي والنهوض التي نحتاج اليها والأمة جمعاء».
وفي جانب من كلمة له خلال استقباله حشداً من المؤمنين، منهم وفود قادمة من خارج العراق لزيارة الامام الحسين، عليه السلام، استهل سماحته الحديث حول هذه القضية المهمة بالقول: «كانت العرب في قاع الجاهلية العمياء، وجاءَت الرسالة لتسمو بهم إلى أعلى درجات الكمال، وهكذا كانت صدمةً عنيفة؛ فكيف واجهتها العرب»؟ وتابع موضحاً الاجابة عن ذلك:
أ- القليل منهم حلَّق بالرسالة عالياً حتى بلغ الذروة بإذن الله – تعالى – فكانوا هم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان، وحتى وصفهم النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، بأنّهم: «حُلَمَاءُ، عُلَمَاءُ، كَادُوا مِنَ الْفِقْهِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاء»، ووصفهم سابقهم وإمامهم علي بن أبي طالب، عليه السلام، بقوله: «رُهْبَانُ اللَّيْلِ، وأُسُودُ النَّهَارِ، وصَائِمُونَ النَّهَارَ، وقَائِمُونَ اللَّيْلَ».
ب- ومنهم من أسلم لله وللرسالة برجاء أن يدخل الإيمان في قلبه، وهكذا تدرَّج في استيعاب معاني الرسالة حتى باشر الإيمان قلبه، وقد قال عنهم ربهم سبحانه: {قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ولَمَّا يَدْخُلِ الْإيمانُ في قُلُوبِكُمْ}، (سورة الحجرات: 14).
ج- ولكن الفئة الثالثة والخطيرة هي التي أظهرت الإيمان وأستبطنت الكفر، وقال عنهم الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاق}، (سورة التوبة: 101).
واضاف سماحته بالقول: «ولأنَّ البشر لا يزال في تعاطيه لصدمة الرسالة يعاني ذات المعاناة التي واجهتها العرب، فإنَّ تلك الفئات الثلاث لا تزال موجودة ايضا في المجتمعات الاسلامية اليوم، ولكن بنسب مختلفة، إنما أعظم الخطر هو في أنَّ النفاق أصبح مع الزمن، ثقافةً ترسَّخت في أفئدة الناس، وتسلَّحت بالمزيد من الأعاذير التي إنتشرت عبر أمثلة تبريرية، وعبر تفسيرات وتأويلات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان».
واوضح سماحته أن: «النفاق لم يعد حالةً شخصية؛ بل أمسى ثقافةً مليئةً بالمغالطات والأعاذير والتبريرات، تدعو إلى الإنهزامية والسلبية، وتماما إلى ما دعا إليه أهل الكوفة عام 61 للهجرة، حيث رفعوا شعار: «مالنا والدخول بين السلاطين»، الذي إنتهى بهم إلى عظيم الخسارة في الدنيا والآخرة».
واشار سماحته الى السبيل لمحاربة هذه الثقافة:
1- ببصائر القرآن، وبيان مدى تطابق سيرة وتأريخ ونهضة اهل البيت، عليهم السلام، مع بصائر الوحي.
2- بيان أبعاد التشابه بين ظروف حياة وحركة اهل البيت، عليهم السلام، ومنها مثلا ًـ نهضة السبط الشهيد، عليه السلام، وما نعايشه من ظروفٍ اختلفت فيها الأسماء، وبقي الجوهر واحداً، ومن ثَمَّ بيان واجبنا الذي قد يكون مجرد نسخة باهتة لتلك الظروف؛ ولكنه واحد من حيث المضمون.
هذا، و اوضح سماحته انه: «وبفعل الظروف المعاكسة، وبسبب تواتر المآسي وربما الهزائم في حياة الأمة، هي إبتلاء من عند الرب -سبحانه- لعباده، بسبب الخنّاسين الذين ينفثون في عقائد الناس وساوسهم، فإن الأمة بحاجة إلى شحذ العزائم لمواصلة مسيرة الدرب الشائكة، وهنا فإن سيرة ونهضة ومواقف وكلمات اهل البيت، عليهم السلام، تبدِّد غيوم اليأس، وسحب التردُّد، ونفثات الشياطين من الجِنَّة والناس أجمعين.