معظم البلاد الاسلامية تتبنى فكرة اقتران التربية بالتعليم، علماً أن التعليم هو المهمة الاساس في المدارس خلال مدّة الاثنتي عشرة سنة التي يقضيها الطالب، من الصف الاول الابتدائي وحتى الصف السادس الاعدادي، ومردّ ذلك الى الحقيقة الناصعة التي تفرض نفسها على المعنيين في هذه المؤسسة الحكومية، بأن التعليم لوحده لن يخرج طبيباً ومهندساً وحتى مسؤولاً في الدولة يتحلّى بالأمانة والصدق والشعور بالمسؤولية، لذا جاءت مفردة التربية لتُقرن بالتعليم في يافطات الوزارات والمديريات في بلادنا الاسلامية، وبمقدار الإيمان الحقيقي بهذا الشعار والجدية في العمل على ارض الواقع، تتحقق هذه المهمة الحضارية وتكون التربية كالوعاء النظيف الذي يستوعب بداخله مختلف العلوم، ويكون الطالب المتعلم في قادم الأيام ذلك الطبيب والمهندس وحتى المسؤول الحكومي الذي يتصف بالأمانة والصدق والنزاهة في فكره وسلوكه، والعكس يكون العكس قطعاً، كما نلاحظ المأساة المريعة التي تواجه شعوبنا من انتشار ظواهر سيئة، مثل الفساد الاداري، والتجاوز على حقوق الآخرين، والجشع وطغيان الأنا على الآخر.
مجلة الهدى، في قضيتها لهذا العدد، وجدت الحاجة الملحّة في تسليط الضوء ع
ى هذه النقطة بالذات في إطار تحقيق صحفي، مع وجود أزمات ومشاكل متعددة في ميدان التربية والتعليم، ربما لم تدخر وسائل الاعلام جهداً في متابعتها.
تجولت الهدى في المدارس الأهلية الخاصة، وايضاً في المدارس الحكومية، والتقت بالمدرسين والاداريين، وايضاً زارت دائرة الإشراف التخصصي في كربلاء المقدسة، وحتى تكتمل حلقة المعنيين بالأمر، توجهت بالاسئلة الى عدد من الطلاب والطالبات لاستبيان آرائهم عن سبب او اسباب عجز مدارسنا عن النهوض بمهمتها التربوية فضلاً عن مهمتها التعليمية.
-
تطوير المناهج الاستحقاق الكبير
فضلنا البدء بالمناهج الدراسية ودورها في إنجاح العملية التربوية والتعليمية في العراق، فتوجهنا بالسؤال الى مدرس اللغة العربية، الدكتور خالد العلواني، فكان جوابه: بأن «العملية التربوية لا تتم إلا بوجود عناصر عدّة؛ المدارس، والبيئة، والمجتمع، والثقافة، والنظريات التربوية، ولعل هذه العناصر تخضع لتغيّرات متسارعة؛ فلابد أن يكون المنهج مواكباً لهذه التغيّرات لكي يعطي ثماره الطبيعية، ويبدو أن بناء المنهج وتطويره يسيران جنباً إلى جنب في مسيرة التكامل التربوية، وهنا تبرز أهمية تطوير المنهج بما يناسب الدارسين، وما تحيط بهم من ثقافة ومجتمع وبيئة.
كما أن التطوّر العلمي والبيئة الثقافية لها الأثر الكبير في وضع المنهج التربوي الذي يتسق وإياه، ولو أريد تقييم النظام التربوي في العراق في هذه العجالة من جهة المنهج المستعمل في الوقت الحاضر في مدارسنا، فلا سبيل لذلك ما لم نقف على دراسة كاملة للمعطيات التربوية والنظريات التي استند إليها النظام التربوي والنتائج التي آلت إليها تلك المعطيات، لكننا يمكن أن نقول: إن المنهج الدراسي والتربوي في الوقت الحاضر فيه من الإيجابية ما تجعلنا نتلمّس سيره الحثيث باتجاه مواكبة العصر، ولا سيما في المجال العلمي والاقتصادي فضلاً عن الاجتماعي. ولكي نكون منصفين فإننا لا نغفل الجانب اللغوي والجوانب المتعلقة بعلوم الحاسوب والشبكة العنكبوتية، ولا سيما أن المجتمع بدأ يستكشف ملامحها التطبيقية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن يبقى المنهج الحالي بحاجة إلى تقويم مستمر، إذ لا يخلو من وجود نقاط ضعف لكنها عموماً لا تخل بالعملية التربوية وبخاصة عند وجود الرغبة من الجهات المسؤولة عن تطوير المناهج، في السعي بها نحو التكامل».
ثم توجهنا الى مدرس مادة التاريخ، الاستاذ نبيل طامي محسن، فقد اشار الى «سعي وزارة التربية والتعليم في الآونة الاخيرة الى تطوير المناهج بالشكل الذي يخدم العملية التربوية ويواكب التطور الحاصل في دول العالم، ولكن ذلك الأمر لن يتحقق مع وجود الكثير من النواقص التي تعاني منها العملية التربوية في العراق، حيث ان وجود الدوام المزدوج والثلاثي في المدرسة الواحدة، ورداءة الابنية المدرسية من العوامل التي تعيق تحقيق المناهج الدراسية لهدفها، فتلك المناهج تحتاج الى الكثير من العوامل المساعدة التي تساعد على نجاحها وتحقيق اهدافها، وبالرغم من ان تلك المناهج جاءت مواكبة لما يتم استخدامه من مناهج دراسية عالمية، الا ان الكثير منها جاء وفق طريقة «النسخ واللصق» المستخدمة في الحاسبات الالكترونية، حيث تم استنساخ مناهج من الممكن ان تكون نافعة في دول أخرى، ولكنها لا تجدي نفعاً في بلدنا وتقاليده وأعرافه، كما ان هنالك الكثير من المناهج التي تم ترجمتها ترجمة حرفية دون مراعاتها للتدرج العلمي والعقلي للطلبة، ولهذا فعلى المعنيين بقطاع التعليم والتربية العمل على ايجاد مناهج دراسية تواكب التطور وتراعي الفروق الفردية للطلبة، وايضا تكون نافعة لهم، وإضافة الى ذلك، نلاحظ ان الاهتمام قليل أو يكون معدوما بشكل نهائي في بعض المناهج الخاصة بتنمية ذكاء وعقلية الطالب، وهو ما يتعلق بمادتي الفنية والرياضة، فمدرس الفنية لم يعد يمارس مهنته بشكل صحيح بسبب اعطاء دروسه الى اصحاب المناهج الاخرى، وهو ما حرم الكثير من الطلبة من تنمية مهارتهم في مادة الرسم، كذلك في الجانب الرياضي، نرى ان هنالك الكثير من الطلبة الذين يمتلكون المهارة في النشاطات الرياضية قد بدأوا يفتقدونها بسبب عدم وجود اهتمام في هذه المادة الترفيهية والمهمة».
ومن ثانوية أمير المؤمنين، عليه السلام، الأهلية في كربلاء المقدسة، وهي إحدى فروع مؤسسة أمير المؤمنين الخيرية، التقينا بالمشرف العام على المدرسة، سماحة السيد عبد الغني الماجدي، الذي ميّز بين «المناهج الاساسية، والمناهج الاثرائية، فكليات التربية تحتاج الى مناهج اثرائية تكون مصدرها؛ الحوزات العلمية، والكتب العلمية التي ألفها علماء الدين، لتُضاف الى فكر الاستاذ الجامعي، وايضاً الى فكر الطالب، فتعزز الايمان في نفسه، وتعزز فهمه بالمشروع والاختصاص الذي هو فيه.
مثلاً؛ عندنا كتاب «آداب المفيد والمستفيد» الذي نرى ضرورة أن يقرأه الاستاذ والطالب معاً، فيفهم فيها القيم الاخلاقية والانسانية التي بينها الدين الحنيف، لذا فان المدرس وقبل أن يتخرج من الكلية، عليه أن يقرأ الكتب الاثرائية حتى تستقيم مسيرته التعليمية، كما يستقيم فكره وثقافته.
بالنسبة لنا في مدارس امير المؤمينن، فمن حقنا إضافة مناهج اثرائية، منها كتاب خاص أعددناه وأدخلناه في جدول الدروس، وهو بعنوان «رسالتي»، ومكون من ثلاثة أجزاء؛ الأخلاق، والعقائد، والفقه، وهو يتضمن قصصاً وروايات وتنمية بشرية تفيد الطالب وتشده لسائر المواد الدراسية، كما تفيده في بناء شخصيته وأخلاقه، والكتاب خاص للمرحلة الابتدائية والثانوية، علماً أننا حصلنا على ترخيص من الوزارة لإدخال هذا الكتاب في المناهج الدراسية لدينا، وقد لاحظنا تأثيره الايجابي على سلوك الطلاب، كما لاحظنا التفاعل من قبلهم كونه يزرع العقيدة والايمان في نفس الطالب بالقيم والمفاهيم».
ثم توجهنا بهذا السؤال الى مدير المدرسة الاستاذ سلام عبد الجابري، الذي أكد لنا ضرورة «وجود تنسيق بين اللجان التي تضع المناهج الدراسية في العراق، حتى يكون هنالك تقارب في الافكار والرؤى وتخرج المناهج وفق هذا التوافق الفكري والثقافي».
وكان لابد لنا من اللقاء بأحد الكوادر التدريسية في هذه المدرسة الخاصة والنموذجية، كونه الأقرب الى معرفة مدى تأثير المناهج على تربية وتعليم الطلاب، فكان لقاؤنا بالاستاذ زيد الربيعي، مدرس مادة الفيزياء في ثانوية أمير المؤمنين، الذي دعا الى «اضافة مادة الاخلاق والتربية الاسلامية الى المنهج الدراسي، وهو ما يجب ان يرافق الطالب من الصف الاول الابتدائي وحتى تخرجه من الجامعة، وهو ما تتبعه الدول المتقدمة في العالم، فنحن بحاجة الى منهاج كهذا يجعل من الجيل الجديد جيلاً قوياً في فكره وثقافته، ويكون ابناؤه على دراية بما يقوم به، وان يخدم المجتمع، وأهم شيء أن يعرف كيف يفكر وكيف يتصرف؟ الى جانب مسألة حب الوطن التي تفتقر مدارسنا الى تربية الطالب على هذه الثقافة، وهو امر ضروري جداً، لذا على الحكومة الالتفات الى الجانب التربوي اكثر، من مرحلة الابتدائية وحتى وصول الطالب الى الجامعة، بل وبعدها ايضاً، وذلك من خلال وضع مناهج خاصة بالاخلاق والسلوك».
وفي دائرة الإشراف التخصصي التابع لمديرية تربية كربلاء، التقينا المشرف التخصصي التربوي الاستاذ عقيل الجبوري، الذي أبدى تفاؤلاً إزاء عملية تطوير المناهج الدراسية في العراق، حيث اشار الى «الحاجة الى تطوير المناهج، وفق المتغيرات والتطورات في العالم، فبدأت الدورات للمعلمين والمدرسين والمشرفين، على طرائق التدريس في داخل وخارج العراق، وقد نظمت الكثير من الدورات خارج العراق لإطلاع المعلمين والمشرفين على المناهج الحديثة»، واشار الى التطوير في مادة اللغة العربية، اذ صدر كتاب دراسي بعنوان: «اللغة العربية الموحد»، «الذي يختزل اقسام المواد الدراسية في كتاب واحد من؛ القواعد والنصوص والاملاء، وهو قائم على اسلوب مشوق ومهذب بمعلومات متنوعة واساليب مختلفة، مما يشدّ الطالب الى الدرس وينعكس ايجابياً على المستوى الدراسي للطالب».
هذا الكتاب صدر لأول مرة للصف الاول المتوسط هذا العام الماضي وفي هذا العام صدر الكتاب الثاني للثاني المتسوط وسيصدر الكتاب الثالث للثالث المتوسط في العام القادم. كما حصل تطوير في مواد الفيزياء والعلوم والرياضيات، حتى كتاب التاريخ كان في السابق يدرس عن أوضاع الوطن العربي للابتدائية، اما اليوم فان المنهج يتحدث عن العراق وما فيه من خيرات وقدرات واوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، بما يجعل التلميذ يعيش اجواء وطنه وبلده ويتفاعل معها ويعرف محافظاته وحدوده».
واضاف: «بشكل عام، خطة الوزارة قائمة على التطوير في المناهج بما يواكب – نوعاً ما – الدول المتقدمة تعليمياً، بيد ان العراق يواجه عقبات تواجهه في تنفيذ الافكار والنظريات، مثل قلة الابنية المدرسية، فهنالك الكثير من المدارس القديمة والمهترئة في العراق، مما يشكل عائقاً امام التطور المعرفي والعلمي، الى جانب تزايد اعداد الطلاب.
أما في أوساط الطلبة في مرحلة الاعدادية فكانت الاجابة مختلفة مع اختلاف الرؤية إزاء قضية المناهج وتأثيرها التربوي والتعليمي، لاسيما في هذا الوقت بالذات، فقد كشف الطالب مهدي الساعدي عن عدم وجود تأثير للمناهج الموجودة على الطالب، بسبب وجود حالة من الكراهية عند بعض الطلبة لبعض المناهج الدراسية مما يفقدها تأثيرها عليهم، وتكون النتيجة الرسوب في هذه المادة.
أما الطالب منتظر الزبيدي، فهو يؤكد على أنه «كلما صار المنهج الدراسي واضحاً ومفهوماً، يساعد الطالب على فهمه بصورة أسهل، ويحفزه على الدراسة بدون ملل»، بينما الطالب أثير المنصوري فقد قلل من تأثير المناهج على مسيرة الطالب التعليمية.
وكان الطالب محمد الشاوي صريحاً في تقييمه للمناهج الدراسية وأنها «في جميع المراحل الدراسية رديئة الافكار، ومحدودة ولا تساعد في تحفيز الطالب على المثابرة والمذاكرة». ونفس التوجه ذهب اليه الطالب حسين الأميري في أن «المناهج الدراسية اصبح تأثيرها في الآونة اللأخيرة ضعيفاً جداً حيث وصلت الى مرحلة ان الطالب يدرس لكي ينجح وليس يتعلم».
والى جانب كل هؤلاء تؤكد الطالبة هدى محمد على التأثير الكبير للمناهج الدراسية على تفوق الطالب، «فقد تكون الصعوبة في المناهج، لاسيما في المراحل المنتهية، السبب في جعل الطالب تحت تأثير الاجهاد والضغط النفسي».
-
عدم الفصل بين العلم والمعرفة
بما أن الجميع يؤكد ضرورة تطوير المناهج العلمية، وايضاً اساليب التعليم في عراق ما بعد النظام الديكتاتوري البائد، وفي ظل عهد الحرية والانفتاح، فان الاستحقاق الآخر لتعزيز المهمة التربوية، هو الارتقاء بالمستوى المعرفي والثقافي للمعلم والمدرس، لينعكس ذلك على مستوى فهم الطالب، من خلال الاهتمام بعلم النفس والجوانب الانسانية والاخلاقية.
وللوقوف على مدى قدرة مدارسنا على تحقيق مستوى ثقافي ومعرفي يمكّن الطالب من التطلع الى آفاق العلم بما يخدم شعبه وبلده، توجهنا الى السيد عبد الغني الماجدي الذي أكد على العلاقة العضوية بين المستوى المعرفي والثقافي للاستاذ، وبين الهدف الذي يحمله من وراء ممارسته مهنة التدريس، «فاذا كانت لدى الاستاذ رسالة يؤمن بها وهي؛ تربية الطالب وتفهيمه المادة، بعيداً عن الاهتمامات المادية والامور الجانبية الاخرى، فانه يكون قد أفاد بمستواه المعرفي والثقافي، فعندما يدخل الى الصف عليه أن يحمل الى الطلاب الاخلاق والتدين والتعقّل، بل تكون له روح أبوية، وكلما كانت علاقة الطالب باستاذه ودّية، كان أسهل على الطالب فهم المادة، ثم يحقق نسب نجاح متصاعدة، كما هو الحال في مدرستنا، حيث نحقق نسبا عالية من النجاح كل عام، تصل الى مئة بالمئة».
وباعتقادي فهذه مسؤولية المدرس بأن يكون ملمّاً بالجوانب الانسانية في التدريس، وثمة ملاحظة على السياقات المعمول بها حكومياً، فان وزارة التربية تستقبل الطالب من الاعدادية وهو يتوقع لنفسه أن يكون معلماً أو مدرساً، من دون ان يكون لديها معايير معينة لتحديد صلاحية هذا الطالب للمهمة التعليمية والتربوية، فمن المفترض ان توضع أمام المتخرج من كليات التربية في الجامعات العراقية، جملة من الاسئلة قبل قبوله وتعيينه، منها؛ ما هدفك من اختيارك مهنة التدريس؟ وهذا السؤال نطرحه في مدرسة أمير المؤمنين، عليه السلام، فاذا كان الهدف الارتزاق وكسب المال، نقول له: هنالك فرص عمل كثيرة في الحياة يمكنك اختيارها للكسب المادي، ولذا بالنسبة لنا، نعد التعليم مسؤولية قبل ان يكون مصدر رزق للانسان. وهذا هو طريق الانبياء والأئمة الاطهار، وايضاً علمائنا الكرام، فقد كانوا يمارسون دور التعليم في المجتمع طيلة حياتهم.
أما مدير ثانوية أمير المؤمنين، فلم يكن بعيداً عن رؤية السيد الماجدي، حيث أكد على ضرورة «ان يحمل الاستاذ اهدافاً رسالية، وهو يؤدي عمله التعليمي، وأن يكون اضافة الى كونه مدرساً للمادة، ان يكون مربياً ايضاً، حيث يوجد لدينا أيتام في الثانوية، بحاجة الى رعاية خاصة من قبل الاستاذ، ولدينا فعاليات الى جانب الدوام الرسمي لرعاية الطلاب الايتام للتخفيف من وطأة الضغوط عليهم، مثل تنظيم رحلات زيارة للمراقد المقدسة، او إقامة جلسات دعاء في ليالي الجمعة وغيرها، او الحضور في محاضرات دينية، الى جانب إحياء الوفيات والولادات لأهل البيت، عليهم لسلام، بما يعزز الحالة الايمانية في النفوس،والارتباط بأهل البيت، فيعيش اجواء اجتماعية يفتقدها.
والفقرة الأهم في هذا المجال؛ ترسيخ الوعي الديني لديهم بإقامة صلاة الظهر جماعة بالنسبة للدوام الصباحي، وهذا ما أرجو تعميمه على كافة المدارس في العراق، ويكون بين الصلاتين كلمة قصيرة عن الاحكام او لطرح فكرة ثقافية معينة، واعتقد ان الحوزات العلمية لا تبخل بإرسال طلبة العلوم الدينية ليكونوا أئمة جماعة في المدارس. بالنسبة لنا جربنا ذلك، وتقام الصلاة الفريضة جماعة بالطلبة الاعزاء، وهي تجربة ناجحة بامتياز».
من جانبه طالب الاستاذ نبيل طامي «اقامة الدورات التطويرية للارتقاء بالمستوى المهني للمدرسين وكلٌ حسب اختصاصه، هذا إضافة الى اقامة الدورات المتعلقة بكيفية التعامل مع الطلبة، خاصة ونحن نعيش في عهد الثورة الالكترونية العملاقة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وفتحت امام الطلبة ابواباً واسعة لمعرفة كل ما يدور من حولهم، وهذا الامر يجعل عملية التعامل مع الطلبة صعبة نوعا ما، وهذا ما يستدعي ان يكون المدرس مسلحاً بالعلم والمعرفة وبطرق التعامل الصحيحة معهم».
وعندما نستطلع آراء الطلبة الاعزاء في هذا السياق، نجدها ممتعة وذات دلالة تعبر بعفوية عن العلاقة القائمة ما بينهم وبين الاساتذة، فقد قال منتظر الزبيدي «على المدرس أن يقدم الدرس بصورة سهلة ومفهومة، وأن يكون ذا اخلاق عالية»، فيما قال أثير المنصوري: «يجب على المدرس أن يعمل بنزاهة كاملة وأن يعطي كل ذي حقٍ حقه؛ أي لا يظلم أحداً، ويجب أن يتعامل بإنسانية ورحمة، وعدم ممارسة القسوة مع الطالب، بل ومصادقته، حتى نتجنّب حالة الكراهية بين الطالب والمدرس، وبالنتيجة تنشأ لدى الطالب عقدة نفسية من الدراسة»، وأشار محمد الشاوي الى ضرورة «دعم وتوفير الدورات المتخصصة للمدرس والتي تلائم العصر، وزرع روح المسؤولية بين المدرسين، وضرورة صنع مرشد تربوي متعاون مع الطالب»، وقد شاطره الرأي؛ حسين الأميري بأن «على المدرس ابتكار طرق جديدة واساليب ذكية لجذب الطلاب الى التعلّم الحقيقي»، كما أكدت الطالبة هدى محمد علي وجوب «أن يكون المدرس دائم الاطلاع على اساليب التدريس الحديثة، وكيفية جعل الحصص اليومية ممتعة للطلبة وليست دقائق تزيد من نفور الطلبة من المدرسة، وايضاً فصل حياته الاجتماعية عن مهنته التي يزاولها، وايضا الالتزام بالقوانين والانظمة المدرسية.
-
المدارس الأهلية وإشكالية الدافع المادي
في الوقت الذي نعيش فيه أزمة حقيقية في أمر التربية والتعليم على حدٍ سواء، يقف الطالب العراقي حائراً بين الدوافع المادية لبعض المدارس الأهلية الكفوءة علمياً ومهنياً، وبين هشاشة الأداء التعليمي والتربوي في بعض المدارس الحكومية، وعندما يكون حرص المجتمع بشكل عام، والعوائل بشكل خاص على مستقبل ابنائهم من الناحية العلمية، لما يشكل نوعاً من الضمانة الاقتصادية، والحصول على فرص عمل متميزة في قادم الأيام، فان أمر التفريط سيكون في الجانب التربوي، الامر الذي يجعل من المادة سيد الموقف في ميدان العمل عندما يتحول الطالب الى طبيب او مهندس او محامي وايضاً الى مسؤول حكومي.
السؤال؛ هل يمكن معالجة الأمر؟
سماحة السيد الماجدي المشرف على مدارس أمير المؤمنين، يجيب بأن «المدارس الاهلية التي تتبنى المبادئ والقيم، يكون دور المال فيها ثانوياً، ومدارس أمير المؤمنين، عليه السلام، هي بالاساس تعود لمشروع خيري وليس ربحيّاً، لذا فان المال بالنسبة لنا يمثل وسيلة لتحقيق اهدافنا الكبرى، فالأولوية لدينا احتضان الطالب اليتيم والتكفّل بتعليمه وتربيته في آن، ولله الحمد، تخرج من هذه المدرسة طلبة واصلوا الدراسة بنجاح الى مرحلة الجامعة، ثم تخرجوا وهم يقومون بأدوار فاعلة في المجتمع». وفي هذا السياق بين سماحته الضوابط الموجودة في المدرسة لاستقبال الطلاب بأنه «ثمة شروط ومواصفات خاصة نضعها امام الطالب عن سلوكه واخلاقه وطبيعة أسرته، ومستواه العلمي، وهذا حفاظاً على المحيط الطلابي النقي الذي نحرص عليه في مدارسنا، وحتى لا يتأثر الآخرون بسلوكيات غير سوية»، بما يعني أن هذه المدرسة لا تنظر الى أموال الطالب وإنما الى أخلاقه وسلوكه.
ومن الناحية الادارية يؤكد الامر نفسه، مدير المدرسة الاستاذ سلام الجابري، وايضاً استاذ مادة الفيزياء، زيد الربيعي، بأن المطلوب من المدرس أن لا يكون مجرد موظف يقدم المادة ويستلم راتبه نهاية الشهر، وإنما يحرص على الجانب التربوي «ليضمن تفوقهم الدراسية من خلال تعامله الاخلاقي والانساني معهم».
وقد لاحظنا موقفاً موحداً من الجهات الحكومية والأهلية إزاء التصورات الخاطئة لدى بعض الآباء من تسجيل ابنائهم في المدارس الأهلية، إذ المعروف عن المدارس الأهلية اهتمامها بالتعليم، مع حزمة من الخدمات الجيدة، مقابل أجور مالية تكون عالية احياناً، لذا تفضل بعض العوائل هذا الخيار على المدارس الحكومية لما لها من أزمات ومشاكل، وهو ما يشكل تهديداً ماحقاً للمشروع التربوي.
أكد ذلك مدير ثانوية أمير المؤمنين، الاستاذ الجابري مدير المدرسة حيث اشار الى «الإهمال من لدن أولياء الأمور لابنائهم، وهذا نلاحظه بشكل اكبر في المدارس الأهلية ، كون الاهالي يتصورون انهم يسجلون ابنائهم في هذه المدارس رجاء الاطمئنان من كل شيء على ابناءهم، بينما المطلوب اليوم المتابعة المستمرة، كون التأثيرات الخارجية نجدها في كل مكان، حتى في غرفة نوم الطلاب، وفي الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام، مما يستدعي متابعة شؤون الطالب مع المدرسة والسؤال عن مستواه الدراسي وحتى النفسي، فربما بعض الامور يعرفها المدرس ويجهلها الأب، فالتعاون بين البيت والمدرسة تشكل نوعاً من التكامل في المعلومات المفيدة لعملية تربوية متكاملة».
كما أبدى الاستاذ عقيل الجبوري أسفه من تحول معظم المدارس الأهلية الى مؤسسات تجارية همها الربح، فالمدرسة الأهلية تنظر الى الطالب كمصدر تمويل، لذا فهي توصي المدرس بأن لا يصطدم كثيراً بالطالب حتى لا ينفر ويترك المدرسة».
بيد ان الاستاذ نبيل طامي محسن، حدد سبب عزوف الناس عن المدارس الحكومية واللجوء الى المدارس الأهلية في قصور الدولة بشكل واضح في كثير من مستلزمات التربية والتعليم، بدءاً من الابنية، مروراً بالأثاث والنظافة، وليس انتهاءً بمستوى التدريس، وقال: «مدارس العراق تفتقد الى أبسط متطلبات تحقيق التفوق العلمية لدى الطلبة، فنجد طريقة البناء ما زالت تعتمد على الطراز القديم إلا ما ندر، كذلك فانها تعاني من نقص التجهيزات سواء التي تساعد على توفير الراحة الى الطلبة أو المختبرات التي تطور الجانب العلمي لهم، وهذا ما دفع أولياء الأمور لمغادرة المدارس الحكومية واستبدالها بالأهلية، وربما تتحول المدارس الحكومية يوماً ما، الى مدارس خاصة بابناء الفقراء و ذوي الدخل المحدود، واليوم نجد بعض المدارس الاهلية التي توفرت فيها كافة وسائل الراحة، وفرت ايضاً للكثير من الفاشلين فرصة النجاح المضمون في المراحل غير المنتهية، وهذا ما جعلها قبلة للكثير من الطلبة الميسورين والقادرين على دفع الاقساط السنوية لتلك المدارس».
-
المعلم انسان رسالي وليس موظفاً
عرفنا أن المدارس الأهلية الخاصة بمشروع ثقافي، مثل مدارس أمير المؤمنين في كربلاء المقدسة، والتي تضم روضات ومدارس ابتدائية ومتوسطة واعدادية، تحمل على عاتقها الهمّ التربوي والتثقيفي الى جانب الهمّ التعليمي، ولكن؛ هل هذا يعني الاستغناء عن دور الدولة، وهي التي بيدها مليارات الدولارات من عوائد النفط وخيرات الشعب العراقي؟
سماحة السيد الماجدي يؤكد على «أن القطاع الخاص في التعليم هو توأم للقطاع العام، ولايمكن له ان يكون بديلا عن القطاع الحكومي، نظراً الى وجود ميزانية تحددها الدولة من عائدات النفط لقطاع التعليم، فنحتاج الى ثقافة تشاع في الوسط العلمي والاكاديمي الذي يخرّج الاساتذة، وايضاً في وسط نقابة المعلمين، بأن المعلم والمدرس انما هو انسان رسالي قبل ان يكون موظفاً في الدولة، لذا لابد من وجود شروط ومواصفات خاصة لقبول الطلبة في كليات التربية ومعاهد المعلمين، بأن يكون جديراً بحمل الرسالة التربوية والتعليمية.
وهذا بحاجة الى التفاتة وقناعة لدى الوزير، والمشرف، والمعلم، والمدرس بأنكم رساليون وليسوا فقط موظفين في الدولة وحسب، ثم إن الرسالة التربوية يتحملها المعلم والمدرس، ليس فقط في المدرسة، وانما في البيت، وايضاً في الشارع وفي أي مكان، وهذا ما كان يفعله الانبياء والأئمة، عليهم السلام، فان رسالتهم لم تكن في المساجد فقط، وانما في الاسواق وفي السفر وفي الحضر وفي كل زمان ومكان، فهم تحملوا مسؤولية تربية المجتمع، هذه القناعة اذا ترسخت في اذهان المعلمين والمدرسين اعتقد نحقق قفزة نوعية في التعليم في العراق».
وتحدث سماحته عن تجربة مدارس أمير المؤمنين بان المدرسة «بالنسبة لنا تعد المحطة التربوية الثانية بعد البيت، بل وأعدها مصنع الرجال، وهي المنطلق لصناعة المجتمع»، واضاف عن الدور الحقيقي للمدرسة بأنها «تغرز في نفس الطفل المفاهيم والقيم، مثل حب الوطن، والانسانية، ومكارم الأخلاق وغيرها، فينمو ومعه هذه المفاهيم والقيم حتى يصل الى الجامعة، ومن بعدها يتخرج ويدخل الحياة العملية، فتكون بالنسبة له رسالة وهدفاً خلال تأدية مختلف الاعمال، من أبسطها، وحتى أرفع المستويات في الدولة، مثل الأمن والاقتصاد والسياسة، كلها تعتمد على الطاقات والكفاءات القادمة من المدارس».
نفس الرؤية كانت لدى الاستاذ نبيل طامي الذي أشار الى السبل لخلق جيل قادر على الاصلاح والتغيير في العراق، ومنها؛ «تقوية أواصر المحبة والصدق بين الطلبة، وكذلك ترسيخ المبادئ الوطنية وحب الوطن بينهم، لان ما نعانيه في الوقت الحالي، هو الشعور بالإحباط لدى الطلبة، كونهم يرون بان الوطن لا يقدم لهم شيئاً وان معظمهم حينما يتخرج يلتحق بجيش العاطلين عن العمل، ولهذا فمن الواجب على الكوادر التدريسية ان تعمل على تغيير هذا المفهوم وان تشعر الطلبة بانهم جيل التغيير وجيل الاصلاح لما اصاب البلد من خراب ومن تأخر عن ركب التقدم في كافة الجوانب، والامر لا يتعلق هنا فقط فيما تبثه الكوادر التدريسية من روح وطنية لدى الطالب، وانما يتعلق الامر بالمناهج الدراسية ايضا، فهي يجب ان تكون موجهة نحو تكريس حب الوطن والفصل ما بين الحكومة والوطن المترسخ لدى الكثير من الاجيال، فهم ينظرون الى الفشل الحكومي على انه فشل للوطن في تحقيق مطالبهم، وما زال الكثير منهم لا يحافظ على المال العام وعلى الممتلكات العامة كونه ينظر لها على انها ممتلكات حكومية وليست ممتلكات للصالح العام».