يتساءل الكثير عن سر فشلنا في انجاز الاعمال الموكلة الينا، بل وحتى ما نريد ان نحققه من طموحات وتطلعات منطلقين من ذواتنا وبدوافع داخلية خاصة؟
يقول العلماء إن أخطر عامل نفسي يهدد المسيرة العملية للانسان؛ التردد.
هذه الحالة النفسية في عداد الحالات القابلة للنمو والتوسع، ثم الظهور في المواقف والسلوك، ويعزو العلماء وجود هذه البذرة السلبية في النفس الى تراجع الإرادة. يقول سماحة المفكر آية الله السيد هادي المدرسي إن «التردد لايدخل قلبا، إلا ويطلب من الارادة ان ترحل عنه»، بمعنى أن الذي يمتلك الارادة القوية للقيام بأي عمل ايجابي لن يسمح بالتردد والتلكؤ بالوقوف امامه.
ولكن؛ كيف نعالج التردد؟
-
الحزم والحسم
التردد في ذاته حالة سلبية، بيد ان معالجته ليس بالضرورة ان تكون بنفس الشاكلة، انما ينصح بتقديم البديل الايجابي الافضل، لذا نجد ان سماحة السيد المدرسي يدعو الى الحزم والحسم معاً، عادّاً الصفتين من أهم ما يتمتع به الناجحون، فالحزم هو بإجالة الرأي، والنظر في العواقب، ومشاورة ذوي العقول، أما الحسم فهو القطع، والعزم واذا اقترن العزم بالحزم كملت السعادة، اذ لاخير في عزم بلا حزم، من هنا فإن الحزم أسد الآراء.
أما العزم فإن ثمرته الظفر، فإن عزيمة الخير تطفئ نار الشر، ولذلك فمن ساء عزمه رجع عليه سهمه.
وكما قال احدهم فإنه لا تبلغ الغايات الا بالحزم، وحصافة الرأي. فالامر الذي لا جدال فيه انه ما من رجل يستطيع ان يدرك النجاح ان لم يكن حازما مع نفسه.
وحينما يقترن الرأي الحصيف بالحسم الصحيح تكون النتيجة من افضل ما يتوقع.
-
الحزم وليس التسرّع
ربما يتصور البعض أن عليه التسرّع باتخاذ القرار والانطلاق في تنفيذ الاعمال، بينما النجاح الذي يتحدث عنه العلماء لا يتحقق بهذه الصورة، فثمة معادلة دقيقة تحكمه:
الحزم من اسباب النجاح، والطيش من اسباب الفشل، والثقة من اسباب النجاح، والتردد من اسباب الفشل.
فهل رأيت انسانا ناجحا لم يكن يتمتع بالثقة بالنفس، والحزم في اتخاذ القرار، والشجاعة في الاقدام؟
فمن اراد النجاح فلابد من ان يضع التردد جانبا. فالتردد مقبول قبل اتخاذ القرار، وهو من طبيعة التعقل، ولكنه ليس مقبولا بعد اتخاذ القرار.
ان البعض ربما يكون عجولا حينما يتخذ القرار ثم يتردد بعد ذلك في تنفيذ ما اتخذ القرار بشأنه، فهو يرتكب الخطأ مرتين: مرة حينما لا يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ومرة حينما لا ينفذ ما قرره، ويتركه يموع كما يموع الثلج مع اشراقة الشمس عليه.
وهكذا فان من يريد النجاح يجب ألا يكون مترددا بمقدار ما يجب عليه ألا يكون متسرعا. فكل من التسرع والتردد يؤديان الى الفشل لانهما طرفا الاعتدال الذي هو ضروري لاحراز النجاح.
ولقد وجدت بالتجربة، ان المترددين ينتهي بهم الامر في نهاية المطاف الى احد امرين: اما خسارة الزمن، ومن ثم تغير المعادلة، حيث العزم بعد ذلك، وإما الى التراجع والفرار.
-
الضغوطات الاجتماعية والتردد
يقول الامام علي، عليه السلام: «الشك على اربع شعب؛ على التماري، والهول، والتردد، والاستسلام. فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما».
فالتردد يجعلك مسرحا لخيول الابالسة، تطأك باقدامها، تضيع عليك فرص الخير جميعا. فمن اراد النجاح فليعمل بهذا القول الرائع للامام علي، عليه السلام: «لا تجعلوا علمكم جهلا ويقينكم شكا، اذا علمتم فاعملوا واذا تيقنتم فاقدموا».
فإذا واجهك امراً كان لا بد من ان تفعل شيئا بشأنه، فان الامر لا يخلو من حالتين:
إما ان لك علما به، واحاطة بجوانبه، وإما انك تجهله تماما؛ فاذا كنت تعلم ماذا يجب ان تعمل، فلا تتردد في الاقدام والا فابحث عن المعرفة اللازمة له، وهذا يعني ان عليك على كل حال ان تعمل شيئين: إما ان تقوم باتخاذ الموقف اللازم، واما ان تعمل لتحصيل العلم بما يلزم، والا تكون قد بدلته جهلا، ويقينك شكا.
ثم ان التردد مرفوض سواء جاء قبل اتخاذ القرار أم طرأ بعد ذلك، لانه على كل حال يدمر نجاح الانسان، فما اكثر الذين يتخلون عن فكرة حسنة او مشروع قيم لمجرد ان البعض ينتقد المشروع او يسفه الفكرة. أليس هذا التراجع هو السخف بعينه؟ّ!
ان المشاريع التي تدر اليوم الملايين على اصحابها لم تسلك سبيلها الى النجاح الا بعد ان واجهت اقسى انواع النقد، وكانت عرضة للسخرية اللاذعة، فقد سخر الناس من (روبرت فولتون) عندما خرج بفكرة (السفينة التي يسيرها البخار) واطلق بعضهم على المشروع تسمية نجدها اليوم في القاموس: (جنون فولتون).
وعندما انصرف هنري فورد الى الاهتمام بمشروعه: (المركبات التي تنطلق بدون جياد) تلقى من والده اشد اللوم، لانه ترك وظيفته في احدى الشركات وضحى براتب شهري قدره مئة وعشرون دولارا (ليلهو بالتافه من الامور) على حد تعبير الوالد.
————————————
-
مقتبس من كتاب: واجه عوامل السقوط، من سلسلة النجاح، لسماحة آية الله السيد هادي المدرسي.