بصائر

كورونا ومعاكسة السنن الإلهية .. نظرة قرآنية*

لقد بين الله سبحانه وتعالى، في كتابه المجيد، عن الامم التي هلكت ..؟؟

قال تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ* فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ *وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
اليوم وبما لم يسبق للبشرية ان سجلت في تاريخها المكتوب، العالم مشغول وباء الكورونا، والكل يتساءل:

  • هل هذا غضب إلهي؟

واذا كان غضبا، فما هي الذنوب التي ارتكبتها البشرية؟
لقد بين الله سبحانه وتعالى، في كتابه المجيد، عن الامم التي هلكت، وبيّن اسباب هلاكها، فقوم صالح وهود ولوط، الذين اُهلكوا كانت هناك اسبابا كامنة وراء اهلاكهم ودمارهم بتلك الطرق غيرالمألوفة، فقومٌ ارسل عليهم ريحا صرصر عاتية، وآخرون قلبت قراهم، فأصبح عاليها سافلها.
قصة الاقوام التي ابيدت تنطبيق على جزء معين من البشرية اليوم، فقصة قوم لوط وآل فرعون، وقوم نوح، فنحن البشر تمادينا في الغي، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، الطبيعة افسدناها بختلف الاشكال، فالبحار تحولت الى مزبلة للمخلفات الصناعية، والحيوانات اُهلكت، وحسب الاحصائات فإن ثلاثين بالمئة منها انقرضت بمخلتف أنواعها، والسماء تلبدت بالغازات بسبب المصانع المختلفة، أما الظلم المتفشي بين البشر فحدّث ولا حرج، فالطبقية والعنصرية منتشرة، وعمليات الاجهاض للأجنة في مختلف البلاد الغربية بلغت ارقاما ليست بالقليلة، وهناك ذنوب ترتكب لا يعلمها الا الله.
والذنب الذي اهلك به قوم لوط وهو المثلية، يعود من جديد، وهذا الذنب العظيم كان السبب الرئيس في هلاك اولئك القوم، ففي استراليا وبعد فترة قصيرة من قرار البرلمان الاسترالي في كامبرا على جواز المثلية، بعد تلك الفترة اشتعلت الغابات، وكانت هذه لاول مرة في تاريخ استراليا، نصف مليار حيوان نفقت بسبب الحرائق، ألا يكفي ذلك دليلا، وبعد تلك الحرائق جاءت الفيضانات، والآن يبتلون بالكورونا.

عندما تحدثنا الآيات القرآنية عن الاقوام الهالكة، تشير كيف هلكت، ولكنّ الاهم تبين الاسباب التي ادت الى هلاكها

ألا يجد بالناس ان يتفكروا ويعتبروا بما جرى، وهذا ما تؤكده الآيات في آخر قصة قوم لوط، يقول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، يعني أن عليكم ان تتدبروا في هذه القصة لتأخذوا العبرة منها، ولذا نرى المدن اليوم التي استفحلت عندهم هذه العادة السئية( الزواج المثلي)، وتحولت الى زواج شرعي، حتى أن بعض الكنائس اجازت مثل هذا الزواج.
فمدينة نيويورك التي تعج بالحركة، وهي اكبر مدن العالم من حيث التعداد السكاني، فأصغار بناية فيها تتكون من ثلاثين طابق، وأما البنايات الشاهقة فهي من خمسين طابق فما فوق وصولا الى المئة طابق، هذه المدينة تحولت الى مدينة اشباح، فلا ترى أحدا يمشي في الشوراع، وبورصة نيويورك التي لم تتوقف منذ مئتين سنة، تم ايقافها، ولهذا علينا أن نتدبر في هذه الاحداث ونعمن النظر.

  • قوم لوط ومخالفة القوانين

وبالعودة الى قصة قوم لوط، التي كانت قراهم على طريق القوافل التجارية القادمة من مصر، والتي تتجه نحو الجزيرة العربية، والبحر الميت هو من المناطق التي كانوا يعيشون حوله، وربما ان قراهم في قعر البحر الميت، بعد أن اخذهم الله بالعذاب، وهذا البحر لا يوجد فيه أي كائن حي، لان العذاب نزل عليه، واذا نزل العذاب على ارض لا ينبت فيها أي شيء.
هذه القوافل التي تمر من هذه القرى، تُقطع الطريق عليهم ويأخذون الرجال، ويفعلون بهم الفاحشة، فالله سبحانه بعث اليهم لوط عليه السلام، فبدأ بتحذيرهم من هذا العمل، وقام بدورعظيم في التبليغ في اوساط اولئك الناس، لكن ذلك لم ينفع معهم.
بعد تعنت القوم واصرارهم على غيهم، واستمرارهم في ارتكاب ذلك الذنب العظيم، نزلت الملائكة على ابراهيم، فقال لهم: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}، فكانوا يحملون البشارة له، والعذاب لاولئك القوم المجرمين، {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ}، ولأن لوط كان يأوي الضيوف ويحميهم من القوم الفاسدين، إلا أن امرأته الخبيثة كانت تُعلم القومَ عبر بوجود ضيوف في بيت نبي الله لوط، عليه السلام، فتشعل النار على سطح البيت، وكانت تلك علامةً بوجود وافدين عند لوط، {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ}، والقضية ليست عائلية، انما كان المعيار هو العمل الصالح لا القرابة والنسب.

الذنب الذي اهلك به قوم لوط وهو المثلية، يعود اليوم من جديد، وبل وتعمد بعض الحكومات الغربية الى السماح به بشكل قانون، كما في استراليا

{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}، في البداية انكرهم لوط، ولم يرَ مثلهم، {قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}، فهؤلاء الملائكة جاؤوا لتنفيذ انذار لوط لقومه، ولأن الكون كله قائم على الحق، من اصغر مخلوق الى اكبر المجرات، والكل يخضع للحق، وهذا الحق هو النظام الكوني الذي لا يشذ عنه أحد، وهذا الفايروس كورونا والذي يصنف من ضمن الفايروسات التاجية، فإنه يخضع لقوانين إلهية، ولهذا فإن البشر يبحثون عن قوانيه حتى يتمكنوا من تحطيمه.
إذن فهلاك قوم لوط لم يكن صدفة، ولم يكن خارج اطار القانون، وكل انسان يعمل عملهم، فإنه يجازى مثلهم، وبهذا نعتبر من التأريخ، فمن يتفرعن يصبح فرعونا، ومن يستكبر فإنه يصبح مثل قوم عاد، لان النظام الكوني والطبيعي في هذا الكون واحد.
من المهم جدا أن نعرف أن آيات الكتاب جاءت لتكون خارطة طريق للبشرية، ولذلك علينا أن لا نقرأ القرآن الكريم وكأنه نُزّل على غيرنا، بل إن افكاره متوجهة إلينا، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحياتنا، وحياة البشرية جمعاء، وذا علينا قرأته لنتعلّم منه، ولنتفادى مثل هذه العواقب الوخيمة في الدنيا، كما هو العالَم اليوم مع وباء كورونا.

—————————————-

  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي بتاريخ 2-4-2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا