{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، (سورة الروم، 21).
عندما ظهر فجر الاسلام على البشرية جمعاء، اخترق شعاع الأخلاق والانسانية على جميع الزوايا المظلمة للمجتمعات الانسانية، مبشراً بوضع جديد للمرأة، ولبنات حواء بشكل عام، لم تألفه طيلة العهود والعصور منذ أول أن خلق الله –تعالى- آدم وحواء، عليهما السلام، يكفي أن تكون هوية المرأة وشخصيتها أنها مخلوقة من نفس واحدة مع الرجل، بمعنى انها تشترك مع الرجل في النفس البشرية المتضمنة القدرات والطاقات والإرادة الحرة على توجيه توجيه العقل بكل الاتجاهات، فهي (النفس) عند المرأة، نفسها عند الرجل، تُحب وتكره، تؤمن وتكفر، تسمو وتنحدر، فاذا يكون هنالك رجلاً عظيماً، فمعنى أن بالامكان ان تكون هنالك امرأة عظيمة ايضاً.
-
المنزلة التي تكاد تفقدها المرأة اليوم
من خلال قراءتنا للنظام الاجتماعي في الاسلام، نلاحظ ان ثمة خطوتان تمت في طريق صياغة الشخصية الكريمة للمرأة لتكون مصداق الآية الكريمة: {ولقد كرمنا بني آدم}:
الخطوة الاولى: تتعلق بالجانب النفسي والمعنوي، حيث أخرجها من العبودية والضِعة التي اتسمت بها، ليس فقط في بلاد العرب، وفي ارض الجزيرة العربية، بل وعلى مر العصور، فقد كانت تمثل وسيلة للإغراء والغواية احياناً، وللتجارة والربح في سوق العبيد تارةً أخرى، لذا كانت في نظر الرجل نقطة ضعف مريرة يسعى دائماً للتخلص منها بأي شكل من الاشكال، ولم يفكر يوماً طيلة آلاف من السنين أنها يمكن ان تكون شريكة لحياته.
ولكن؛ ما أن طلع فجر الاسلام على الجزيرة العربية بعد مرور حوالي سبعة قرون من ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، حتى وجدت المرأة نفسها سيدة في المجتمع، وقد أهداها الاسلام أعظم هدية في حياتها، وهي البيت، بعد أن أكرمها الله –تعالى- من قبل بالأمومة التي طالما سحقت بسبب التعامل البشع في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، فأصبحت المرأة المهانة في سوق الرقيق، والتي يخشى رجالها من السبي والخزي بعد هزيمتهم في الحروب الجاهلية، أمّاً و زوجة، ثم؛ أخت، وبنت، تحظى بأحكام وآداب سامية في علاقتها مع الرجل الأب او الزوج، او الأخ.
بمعنى؛ أن الاسلام أزاح عن الشوائب والنتوءات عن شخصية المرأة، ثم أهداها ما هو جميل ورائع ومبعث على السعادة والهناء في حياتها، ولذا فان الشرف والعفّة التي حظيت بها لم تجعلها تتكلم طيلة قرون من الزمن بأنها داخل سجن الدار مطلقاً، بل العكس؛ أضحى البيت عنوان المرأة المستقيمة، فهي الملكة فيه، والحاكمة والمدبرة، من خلاله تظهر كل مواهبها وطاقاتها، وايضاً مشاعرها المنبعثة من طبيعتها التكوينية.
الخطوة الثانية: وتتعلق بالجانب العملي، فقد حضيت بأدوار أساسية وحصرية في عملية البناء الاجتماعي، انطلاقاً من البيت، ومن خلال كونها زوجة، و أم، واذا راجعنا فقرات من سيرة المعصومين، عليهم السلام، نلاحظ بوضوح مدى الاهتمام بوعي المرأة، وأن تكون محور نجاح الأسرة، وتقدم افرادها، وتحصينهم من أي نوع من المشاكل والازمات.
نذكر شذرات مما نقله الرواة لنا، مثل؛ تذكير النبي للناس بخطورة سوء الخلق مع الزوجة، عندما كان في مراسيم دفن الصحابي، سعد بن معاد، وكشف لأمه وللحاضرين بأن سعد تنتظره ضغطة قبر رهيبة بسبب سوء خلقه مع زوجته، علماً انه كان من خيرة اصحاب النبي، وجاهد وقاتل في سبيل الله. وفي حادثة اخرى في الجانب المقابل، عندما أعاد أمير المؤمنين، تلك المرأة الى بيت زوجها بعد شجار حصل بينهما، وتوسط لحل المشكلة، وقبل ان تدخل بيتها أوصاها بأن “لا تلجأي زوجك لمثل هذا”.
إن وجود المرأة في مكانها المناسب واللائق بها، هو الذي يُشعر المرأة بالثقة والارتياح والاطئمنان، والاهم من هذا؛ الانتهاء من دوامة الحديث عن حقوق المرأة وحريتها والتي لا تنتهي إلا باستنزاف قدرات المرأة وتشويه شخصيتها
والاحاديث الواردة في مودة الأم، والحرص على تكريمها وطاعتها الى جانب الأب، وقد خصّ النبي الأكرم، الأم بمنزلة خاصة جداً، كما وردت الاحاديث في طاعة الزوج المؤدية الى تكريم المرأة وحفظها من المكاره والمشاكل، وايضاً الاحسان الى الزوجة، وحتى الصبر على أذاها. كل هذا وغيره كثير، الغاية منه أبقاء المرأة في حصن البيت والأسرة، لأن أي مشكلة داخل الأسرة قابل للحل –إلا بعض الاستثناءات- ولكن عندما تخرج المرأة من هذا الحصن، وتتحول الى ما يشبه شخصية الرجل، فانها لن تحصد سوى المشاكل والازمات التي تعجز عن حلها هي، وايضاً المحيطين بها. وهذا ما يؤكده الواقع المرير في عديد بلادنا، ولا أدلّ على ما نذهب اليه، من أن المرأة، وعند اصطدامها بالجدار الاخير، وتفقد كل ما في جعبتها من حجج وأدلة، تواجه المحيطين بها بأنها “امرأة” وعليهم ملاحظة الفروقات!!
المفارقة العجيبة بين المرأة في صدر الاسلام، والمرأة في ظل الحضارة الحديثة، ففي تلك الفترة كانت المرأة تنطلق من بيتها وتذهب الى المسجد وتطلب من رسول الله، وهم في جمع من اصحابه، وبصوت مسموع، و دون أي إحراج بأن “زوجني يا رسول الله”! وبين المرأة اليوم وهي تطلب بأعلى الاصوات حقها، كما تطلب حل مشاكلها وهي تفتقد للبيت والأسرة.
-
خطوات عملية
أولاً: وقبل كل شيء؛ علينا معرفة حقيقة هامة وجوهرية، بأن المرأة ليست سبباً للمشكلة بقدر ما هي جزء من الحل، فاذا حصل وأن حولتها الشركات والمصانع والمؤسسات الاعلامية والسينمائية الى سلعة للترويج والكسب الحرام، فهذا لا يعني تحول المرأة الى نوع من “الفوبيا” في الاوساط الثقافية والاجتماعية في بلادنا، وهنا سقط البعض في أخطاء كارثية وهو في طريقه لمواجهة مظاهر التحلل الخلقي والاباحية وما يهدد الأسرة، عندما أطبق على اذهان الشباب كل ابواب المعرفة والثقافة فيما يتعلق بالعلاقات الصحيحة بين الجنسين، وما يجب وما لايجب.
حتى ما يتعلق بالثقافة الجنسية، فانها تحولت الى “فوبيا الجنس” بدلاً من ان تكون طريقاً للوعي بمختلف الامور المتعلقة بالفروقات بين الجنسين في مرحلة المراهقة والنضوج الفسيولوجي، ثم تفاصيل العلاقة بين الزوج والزوجة للمقبلين على الزواج.
إن ايمان المرأة المسلمة اليوم بالحجاب، بمختلف اشكاله، بانه صاحب الفضل الكبير في كبح جماح الشهوات والفوضى الجنسية، يمثل خطوة معرفية اساس نحو الايمان بأهمية الاحكام الاسلامية المتعلقة بكل ما يتعلق بحياة المرأة
هذه النقطة الجوهرية والمحورية لم تكن لتشكّل مشكلة في الحياة الاجتماعية في صدر الاسلام، وحتى قبل قرن من الزمن، بقدر ما كانت ذائبة في حياة الناس، فكانوا يفكرون بأشياء اخرى في حياتهم، مثل؛ تربية الابناء، والبحث عن فرص عمل، والبناء والتعليم وغيرها، بينما نلاحظ اليوم “مشكلة الجنس” تلقي بظلالها الكثيفة على العلاقات بين افراد المجتمع، وعلى العلاقات الزوجية، وعلى الجانب النفسي لافراد الأسرة.
ثانياً: ربط القيم الدينية والاحكام الاسلامية بحياة المرأة، وجعلها الباب الأوسع للوصول الى السعادة والكرامة التي تتمناها كل امرأة في حياتها، فعندما نتحدث عن النظام الاجتماعي في الاسلام، فانما نبين –بالقدر المتيسّر- العلاقة المنطقية بين الاحكام والضوابط وبين حقوق المرأة، وواجباتها، ومنزلتها الاجتماعية، فلم يرصد أحد طيلة القرون الماضية وجود تناقض او تهافت بين الاحكام الاسلامية وبين حقوق المرأة، كما نشهد الشيء نفسه مع دعاة إبعاد المرأة عن مسؤولياتها والتزاماتها، بذريعة “الحرية” و “الحقوق”.
إن ايمان المرأة المسلمة اليوم بالحجاب، بمختلف اشكاله، بانه صاحب الفضل الكبير في كبح جماح الشهوات والفوضى الجنسية، يمثل خطوة معرفية اساس نحو الايمان بأهمية الاحكام الاسلامية المتعلقة بكل ما يتعلق بحياة المرأة، وما يخصّها هي شخصياً، وما يتعلق بعلاقاتها مع محيطها الاجتماعي.
ثالثاً: الحثّ المستمر على التعليم ثم العمل للمرأة في المجالات ذات الانسجام مع طبيعتها وقدراتها، والتذكير بدعوة النبي الأكرم في حديثه الشهير: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، فهي فريضة بنصّ كلام النبي، وليست مستحبة، مثل بعض الاعمال العبادية او الخيرية، وكذلك الحال بالنسبة للعمل، فقد أوصى النبي الاكرم المرأة بالغزل وأنه افضل ما تصنعه المرأة، ويعتقد المفكرون والعلماء أن الغزل لن يكون بالضرورة بالشكل المعروف آنذاك، قبل اربعة عشر قرناً، بقدر ما يرمز الى انتاج الالبسة والمفروشات وكل ما تحتاجه الأسرة والبيوت.
وخير ما تفعل كثير من الاخوات من أعمال بيتية، مثل اعداد اطباق الحلوى والاطعمة، او خياطة الملابس في البيوت والترويج لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
كل هذا لا يمنع من دخول المرأة ميدان العمل والإسهام في تغطية الحاجة الملحّة في ميداني؛ التعليم والصحة بالدرجة الاولى، لتكون المرأة المتعلمة اكاديمياً ذات تأثير كبير في نجاح المشروع التعليمي، ونفس الشيء في ميدان الطب، والحاجة الماسّة لها لمعالجة المرضى من النساء.
إن وجود المرأة في مكانها المناسب واللائق بها، هو الذي يُشعر المرأة بالثقة والارتياح والاطئمنان، والاهم من هذا؛ الانتهاء من دوامة الحديث عن حقوق المرأة وحريتها والتي لا تنتهي إلا باستنزاف قدرات المرأة وتشويه شخصيتها.