ربما تكون هي سنّة، او اتفاق غير مكتوب في وسائل الاعلام العالمية، وتبعاً لها؛ وسائل الاعلام العربية والاسلامية، يتم تسليط الضوء على قضية او حدث ما في مكان ما بالعالم، ولفترة من الزمن، ثم يطوى ملفه ويترك جانباً ويبدأ البحث عن ملف آخر، غاضين النظر عن تبعات ذلك الحدث ونتائجه، وماذا حلّ بالشعب اليمني الذي يواجه يومياً العدوان السعودي؟ وما مصير التحقيقات بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي؟ وأين اصبح الشعب السوري من كل التجذابات السياسية داخلياً وخارجياً التي ألحقت به كل هذه الويلات والمآسي؟
ربما يكون التبرير المهني انتهاء معالم الازمة، او انخفاض حدتها، وظهور أزمات جديدة تتصدر المشهد في مكان آخر تصلح لأن تكون اخبار وتقارير جديدة، وهذا ربما ينطبق على بقاع شهدت حراكاً جماهيرياً، او اعمال عنف، ثم تحول مسار الاحداث الى تسويات سياسية، كما حصل في سوريا ومصر وغيرها، بيد أن الامر لا ينطبق تماماً مع البحرين التي ما تشهد منذ حوالي ثمان سنوات حراكاً جماهيرياً، ومواجهة محتدمة بين الشعب المضطهد، والنظام السياسي الحاكم في المنامة.
طيلة السنوات الماضية، لم تتوقف الاعتقالات والمداهمات والتعذيب في السجون، وحجز الشباب في زنزانات انفرادية لفترة تصل الى عامين ينقطع عنها السجين عن أي اتصال مع بشر، وأعمال لا إنسانية بشعة داخل السجون مع معتقلين ومعتقلات جريمتهم الوحيدة مطالبتهم بحقوقهم المشروعة لا غير.
لم ينته الامر عند هذا الحد، وهو من امتدادات الثورة الجماهيرية عام 2011، رغم قمعها الشديد، بل نسمع بآهات ومعاناة ربما لا يشهدها ابناء بلد آخر على يد حكومتهم، بدأ المسلسل مع التجنيس السياسي، ثم تفضيل العمالة الاجنبية على ابناء البلد، وبلغ الامر الى الكادر التدريسي في المدارس بحيث يتعرض المعلمون لضغوط غير مباشرة لتقديم طلب التقاعد المبكر ليحلّ محلهم المصري والسوداني وغيرهم، حتى بات من الصعب مشاهدة المواطن البحريني في الشوارع والاسواق ومؤسسات الدولة بين جموع الهنود والباكستانيين والبنغاليين.
وفي الوقت الحاضر أصبح المواطن البحريني مهدداً بلقمة عيشه من خلال تعرضه لنهب وسلب منظّم من قبل الدولة نفسها، بفرض غرامات مفاجأة على السيارات، و فرض أرقام مهولة على تعرفة الكهرباء، وتهديد الاهالي بالقطع في حال عدم التسديد.
أعيد من كتبته قبل سنوات في هذا الموقع بأن البحرين ما تزال تحتفظ بطهارة معارضتها ومصداقيتها الثورية، ولم تنزلق الى دهاليز المخابرات والسفارات والتحالفات المشبوهة كما حصل في مصر وسوريا واليمن وليبيا، وأعدّ كل هذا الصمود والتحدي من الشعب البحراني، بمنزلة الثمن الباهض مقابل الحفاظ على تلك الطهارة والنقاوة، فما الذي يستحقه منّا؟
في بلد مثل العراق يحظى بنسبة عالية من الحرية قياساً بسائر بلدان المنطقة، يجدر بالمؤسسات الثقافية والدينية والهيئات والتجمعات والشخصيات المؤثرة من علماء وخطباء، التحرك بسرعة وقوة لنشر المظالم التي يتعرض لها الشعب البحراني، على الاقل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، وتعبئة الرأي العام في البلاد العربية والاسلامية للضغط على النظام الحاكم في المنامة بتغيير سياساته التعسفية إزاء شريحة واسعة من الشعب البحراني.
إن تقوقع كل شعب على مشاكله وهمومه يعزز المبدأ السياسي سيئ الصيت “التدخل بالشؤون الداخلية”، وهو الذي يبيح للحكام العبث كيفما شاؤوا بمصائر الشعوب كما لو انهم يمتلكونهم، وهو ما يحصل في العراق اليوم، ويحصل في جميع البلاد الاسلامية، فلا يحق لشعب آخر التدخل في حياة شعب آخر لان عليه الانشغال بهمومه والأغلال التي تثقل كاهله.
القضية لا تتعلق بالضرورة بمشروع سياسي وتغيير هذا النظام السياسي أو ذاك، إنما هو يتعلق بكرامة الناس وحقوقهم، وهذا ما لا يجب السكوت عليه.