الهدى – متابعات ..
تزايد الإقبال على الألعاب العنيفة مثل الأسلحة البلاستيكية والألعاب النارية والمصابيح الليزرية، ظاهرة تثير القلق، ومع قرب رأس السنة الميلادية، يبدأ الأطفال في بغداد بممارسة هواياتهم في اقتناء الألعاب الترفيهية.
وتكثر هذه الألعاب في الأسواق، حيث يظهر الأطفال مولعين بها، من دون أن يدركوا المخاطر الصحية والنفسية التي قد تنجم عنها.
سجلت وزارة الصحة في العام الماضي أكثر من 132 إصابة من جرّاءِ استخدام الألعاب النارية.
وهذا الرقم مرتفع مقارنة مع الأعوام السابقة. ومع ذلك، يلاحظ انخفاض تدريجي في أعداد الإصابات في السنوات الأخيرة، وهو ما يفسر بزيادة الوعي بين الأسر والمجتمع بخصوص مخاطر هذه الألعاب.
ورغم هذا التحسن، فإن الأطفال يواصلون اللعب بالألعاب النارية، ويعرضون أنفسهم للمخاطر التي قد تسبب إصابات جسدية شديدة الْخَطَر.
خلال جولة في سوق الشورجة، حيث تباع الألعاب النارية، يجلس أحد أصحاب البسطات الذين يبيعون هذه الألعاب المحظورة، على الرغم من كونه يدرك تماماً أن بيع الألعاب النارية أمر غير قانوني.
وإصابات الأطفال نتيجة لهذه الألعاب ليست مجرد إحصائيات، بل هي وقائع تحدث يوميًا في المنازل والشوارع.
سعاد عبد الكريم، أم لثلاثة أطفال، تروي لحظات مؤلمة تعرض فيها أحد أبنائها لإصابة في عينه إثر استخدام لعبة ليزر.
وتقول سعاد: “كان ابني يلعب مع ابن عمه عندما أصيبت عينه بحروق شديدة بسبب شعاع الليزر، ما تطلب منا نقله فوراً إلى المستشفى لتلقي الإسعافات”.
هذه الحادثة ليست استثنائية، بل هي جزء من سلسلة إصابات ناتجة عن الألعاب التي لا تدرك الأسر خطورتها في كثير من الأحيان.
ولم تقتصر المخاطر على الألعاب التقليدية مثل الأسلحة البلاستيكية أو الألعاب النارية، بل امتدت إلى الألعاب الإلكترونية العنيفة المنتشرة على الإنترنت.
وحسب دراسات حديثة، فإن هناك نسبة عالية من مدمني الألعاب الإلكترونية العنيفة.
وما يثير القلق هو أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأطفال فقط، بل تمتد إلى فئات عمرية أخرى، كما أنها تؤثر بشكل أكبر في الذكور مقارنة بالإناث.
من جانبه، يقول المواطن أحمد صالح : “لاحظت تأثير الألعاب الالكترونية العنيفة على سلوك ابني، إذ يصبح عصبياً وسريع الانفعال بعد مدّة من اللعب، خصوصاً إذا كانت اللعبة تتسم بالعنف أو الطابع العسكري”.
ويضيف أحمد أنه في بعض الأحيان، يتسبب اللعب في نوبات عصبية وصراخ مستمر، ما يزيد من قلقه تجاه هذا النوع من الألعاب.
وألعاب الليزر الإلكترونية أحد أبرز مسببات الخطر للأطفال، إذ يمكن أن يؤدي استخدامها إلى فقدان البصر على المدى الطويل.
من جانبه يؤكد الباحث النفسي والاجتماعي الدكتور أحمد مهودر أن الألعاب العنيفة، سواء كانت إلكترونية أو تقليدية، تترك تأثيرات عميقة في سلوك الأطفال وصحتهم النفسية.
ويقول مهودر في معرض حديثه: “هذه الألعاب قد تعزز من نزعة الأطفال العدوانية وتؤثر في إدراكهم للأمور، حيث يرون في العنف وسيلة مقبولة لحل النزاعات”.
ويضيف أنه مع مرور الوقت، قد يتبنى الأطفال سلوكيات العنف، ما يعزز لديهم شعوراً بالمتعة المرتبطة بإلحاق الأذى بالآخرين.
إضافة إلى ذلك، يشير الدكتور مهودر إلى أن التعرض المستمر لمحتوى عنيف قد يقلل من حساسية الأطفال تجاه معاناة الآخرين، ويقلل من قدرتهم على التعاطف معهم. وهذا يعزز من احتمالية تبلد مشاعرهم العاطفية، ما قد يؤدي إلى غياب الوعي الأخلاقي عندهم في المستقبل.
ويرى رئيس الجمعية النفسية العراقية، الدكتور قاسم حسين صالح، ان العنف من شأنه أن يلحق أضرارا جسدية ونفسية بالأطفال، نتيجة للنزعة العدوانية والاستجابة للعنف ذاته الذي يتولد لدى الطفل، لافتا الى ان “العنف لا يقتصر فقط على الضرب الجسدي وانما يؤدي أيضا الى تحدي القانون واضطهاد الاخر”.
وأكد ان “منع هكذا العاب بالمطلق، ليس امراً صائبا تماما، لان الطفل يعيش في مجتمع لا يمتاز بالمثالية، لذلك هو يحتاج الى تعلم الدفاع عن النفس كي لا يكون ضحية للمتنمرين وبالتالي يؤدي ذلك الى ايذائه بشكل كبير”، مشددا على وجوب أن تكون هناك توعية وتثقيف أكبر من جانب الوالدين بخصوص هذه الالعاب.
في خطوة مهمة، أصدرت وزارة الداخلية قراراً بتفعيل قانون حظر الألعاب المحرضة على العنف رقم (2) لسنة 2013.
وقال العميد علي عجمي رسول، مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية: “نقوم بحملات توعية في المدارس والأحياء السكنية، لنشرح للأسر مخاطر الألعاب العنيفة وتأثيرها في الأطفال والشباب عمومًا”.
وأكد العميد أن الشرطة المجتمعية تعمل على متابعة الآباء لتحديد الألعاب الإلكترونية التي يلعبها أطفالهم وتوجيههم نحو الألعاب الآمنة.
وأضاف العميد علي أن الشرطة المجتمعية تعاونت مع وزارة الشباب والرياضة لتوفير أنشطة بديلة للأطفال، مثل الأنشطة الرياضية والفعاليات الثقافية، بهدف تشجيعهم على ممارسة الهوايات التي تسهم في تنمية شخصياتهم بعيداً عن العنف.
على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية والمجتمع المدني لمكافحة ظاهرة الألعاب العنيفة، تظل مسؤولية التوعية بالآثار السلبية لهذه الألعاب على عاتق الأسرة والمجتمع عمومًا.