الأخبار

النظام الصحي في العراق؛ اخطاء طبية تهدد حياة المرضى

الهدى – متابعات ..

باتت الأخطاء الطبية تهدد حياة المرضى وتثير جدلاً واسعاً بين المجتمع والأطباء، حيث يشكل الخطأ الطبي إحدى القضايا الشائكة، التي تواجه النظام الصحي في العراق.
وبينما يعاني البعض من مضاعفات تنتهي بمأساة، يجد الأطباء أنفسهم بين مطرقة التهديد العشائري وسندان غياب القوانين التي تحميهم.
وتروي السيدة علية محسن، وهي مدرسة متقاعدة، قصة شقيقتها الدكتورة سندس محسن، أستاذة في كلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد، والتي تعرضت لتجربة مؤلمة انتهت بوفاتها، نتيجة مضاعفات طبية بعد عملية تكميم المعدة عام 2022.
وحسب علية، فقد عانت الدكتورة سندس من زيادة في الوزن دفعتها لإجراء العملية على يد أحد الأطباء.
وتضيف انه “بعد العملية، لاحظنا أن الطبيب لم يضع أنبوب تنظيف الجرح (صوندة)، الذي يستخدم عادةً لتصريف السوائل والدم بعد الجراحة. وعندما استفسرنا منه، أجاب بأنه لا داعي لذلك.”
وبدأت الدكتورة سندس تعاني من التهابات حادة في البطن، استدعت إجراء ثلاث عمليات جراحية إضافية، ووعلى الرغم من المحاولات الطبية لإنقاذها، تفاقمت حالتها حتى وصلت إلى تسمم الدم، مما أدى إلى وفاتها.
وأدرج في التقرير الطبي أن سبب الوفاة هو “مضاعفات عملية تكميم المعدة”.
وتقول علية محسن: “عندما واجهناه قانونياً، أنكر الطبيب مسؤوليته عن أي خطأ طبي، وأصر على أنه قام بعمله على أكمل وجه.”
وتختتم علية حديثها بالقول: “لم نفقد شقيقتي فقط، بل فقدنا ثقتنا في النظام الصحي، نأمل أن تكون قصتها دعوة لإصلاحات جذرية في القطاع الطبي.”
الدكتور أيمن سمير جاسم، أخصائي جراحة عامة وناظورية، قدم رؤية من داخل الميدان الطبي، إذ أوضح أن هناك التباساً بين المضاعفات الطبية والأخطاء الطبية في ثقافة المجتمع.
ويقول الدكتور جاسم ان“التهاب جرح العملية، مثلاً، يعد مضاعفة شائعة وليس خطأ طبياً، تحديد ذلك يتطلب لجانا طبية مختصة، وليس أحكاماً اجتماعية”.
كما أشار إلى أن اللجوء إلى الفصل العشائري يعقّد الأمور، حيث يتيح للأطباء المقصرين الهروب من العقاب، ويظلم من لم يرتكب خطأً.
ثم أضاف ان “غياب القوانين الحامية دفع أطباء بارزين إلى الهجرة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كفاءاتهم العلمية”، مبينا ان الهدف الرئيس لأي طبيب هو شفاء المريض، سواء كان ذلك بدافع مادي أو إنساني.
وفيما انتقد الدكتور أيمن ضعف القوانين التي تحمي الأطباء من التجاوزات، والتي قد تصل إلى القتلن اشار إلى مقتل العديد من الأطباء العراقيين البارزين في الفترة الأخيرة.
كما أضاف إن “هذا الغياب القانوني دفع العديد من الأطباء إلى الهجرة إلى إقليم كردستان العراق أو الدول المجاورة، في وقت نحن بحاجة ماسة إلى الكفاءات العلمية”.
ويؤكد الدكتور أيمن أن العراق يتمتع بنسبة مضاعفات منخفضة في العمليات الجراحية مقارنة بالمعدلات العالمية
ثم يوضح: “على سبيل المثال، عمليات تكميم المعدة تجرى يومياً بالمئات أو الآلاف على مستوى العراق. ومع ذلك، تسجل حالات مضاعفات في مريض أو اثنين سنوياً، بينما تصل نسبة المضاعفات عالمياً إلى 5 %”.
من جانبها، سلطت مودة عبد الرحيم، تقنية التخدير، الضوء على خطورة عملها، موضحة أن أي خطأ في تحديد الجرعات الدوائية يمكن أن يؤدي إلى فقدان المريض لحياته.
وتقول: “عملنا حساس للغاية، فالسهو أو الإهمال في إدارة الجرعات قد يؤدي إلى فشل في الأجهزة الحيوية للمريض، وهو ما يجعلنا في مواجهة مستمرة مع الاتهامات عند أي حالة وفاة.”
وأكدت مودة أن الأخطاء الطبية قد تحدث بسبب الإرهاق أو نقص المعدات، مطالبةً بتطوير القوانين وتوفير الدعم للأطباء لتقليل هذه الأخطاء.
وأكدت عبد الرحيم أن عمل أطباء التخدير يواجه تحديات كبيرة ترتبط بشكل مبالغ بهن مشيرةً إلى أن جرعات التخدير هي أحد أبرز الجوانب التي تتطلب دقة فائقة.
وأوضحت أن الأخطاء الشائعة تشمل إعطاء جرعات زائدة، ما قد يؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي أو السكتة القلبية، أو إعطاء جرعات ناقصة، ما قد يسبب استيقاظ المريض أثناء العملية أو شعوره بالألم، مما يؤدي إلى مضاعفات نفسية وجسدية.
وشددت على أن هذه الأخطاء ليست بالضرورة ناتجة عن إهمال، بل قد تكون بسبب ضغط العمل أو نقص المعدات المتطورة في بعض المستشفيات.
وأضافت عبد الرحيم: “نعتمد على أجهزة حديثة لمراقبة العمق التخديري، مثل أجهزة قياس المؤشر البيوسفيري (BIS)، لضمان ضبط الجرعات بدقة. ثم أننا نخضع لتدريبات دورية على التعامل مع حالات الطوارئ والأخطاء المحتملة”.
وأكدت أهمية تقييم الحالة الصحية للمريض قبل العملية بشكل شامل، بما في ذلك معرفة وجود حساسية تجاه أدوية معينة، لضمان سلامته خلال التخدير.
ويشير قانون حماية الأطباء في العراق إلى حماية الطبيب من الاعتداءات غير القانونية، لكنه لا يغطي بشكل كافٍ حالات الأخطاء الطبية، ولا يوفر إطاراً واضحاً للمحاسبة أو التعويض للمرضى.
وتقول مصادر قانونية إن العراق بحاجة إلى قوانين أكثر توازناً تحمي المريض وتضمن حصوله على حقه، وفي الوقت ذاته تحمي الطبيب من التجاوزات المجتمعية التي تصل أحياناً إلى العنف الجسدي.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا