كيف ومتى يصل الإنسان بكل كيانه ووجدانه الى أحدية الرب تعالى؟
إن مجرد لقلقة لسان فالكل يقولها، وقناعة هلامية فوقية يدعيها الجميع، لكن تلك الحقيقة لم تصل الى شغاف القلوب، وكل خلايا ادمغتنا وعقولنا، لذا نجد الإمام الحسين، عليه السلام، في دعاء عرفة يصرح انه وصل الى تلك الحقيقة: وشهد بها سمعي وبصري “.
يصل الانسان الى الحقيقة عبر عدة أمور:
اولا: الاضطرار
حينما يضطر، ولا يجد ملجأ، وحين يحاول عدة مرات ويفشل، وخلاصة القصص في سورة ابراهيم أن فيها العِبر الكثيرة، وفي حياتنا نحن بحاجة ــ فرضا ــ الى مئة عِبرة حتى تشكّل تلك العِبر كياننا الفكري، وهذه العِبر لابد من تصيدها، فلا تأتي الى الانسان دون ان يلتفت اليها.
وتلك العِبر قد نستفيدها من القصص التاريخية، او من الحقائق اليومية، قال ــ تعالى ــ: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ}، هذا المكر في إطار هيمنة الله وتحت نظرته، {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} فقد وصل مكرهم انه لو نال من جبل لأزاله، لكنّ عند الله ـ تعالى ـ لا يساوي شيئا.
العِبرة في التأريخ نجدها فيما جرى على عاد وثمود، وقوم لوط وبقية الاقوام التي بينها القرآن الكريم.
و في لحظات سريعة وحاسمة، سواء على مستوى الدول او المجتمعات، او الاشخاص، في لحظات يصل الى الانسان الى حقيقة ان “لا إله إلا الله”.
وعندما يأتي القَدَر الإلهي يَعمى البصر، وفي حياتنا الشخصية لربما اننا عزمنا على فعل شيء، لكن لتقديرات لا يحدث ذلك الشيء، لان الانسان لديه قدرة محدودة، وهذه وسيلة وجدانية للوصول الى وحدانية الرب سبحانه وتعالى.
الانسان بحاجة الى ارادة قوية كي يتقدم؛ فيكبر عقله، ويتوسع أفقه، ويكون لديه همٌ للمستقبل، والله تعالى بعث الانبياء لهذا الهدف، فالقرآن الكريم يصنع تحولا كبيرا عن الانسان، وينقله من حالة أدنى ما الى ما هو أكبر، فمن حالة الانطواء والتردّد الى آفاق الانفتاح والحزم
قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيروني، فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟
قال: نعم، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟
قال: نعم، قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟
قال: نعم.
قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيئ هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث.
ثانيا: وحدة القوانين الإلهية
قوانين الله ـ تعالى ـ في الكون واحدة، ولنضرب مثلا لتوضيح ذلك؛ قانون الفيزياء في العراق وامريكا شيء واحد، وايضا هذا القانون ذاته موجود في المجرات الأخرى، وهذا دليل أن الإله واحد، {إنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، وإلا لكانت هناك قوانين أخرى، وهيمنة تخلتف عن هيمنة الله.
سنة الجزاء من السنن الالهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول، فما يعمله الانسان في هذه الدنيا سيلقاه في الآخرة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ولذا يجب التثبت قبل اي عمل نقوم به، فكل اعمالنا محفوظة
روي أن الحسين بن علي عليهما السلام جاءه رجل وقال: أنا رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال عليه السلام: افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت، فأول ذلك: لا تأكل زرق الله وأذنب ما شئت، والثاني: اخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت، والثالث: اطلب موضعا لا يراك الله وأذنب ما شئت، والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت”. هيمنة الله وقوانينه واحدة، ولذا فجدير بالانسان ان يوطد علاقته مع الله ـ تعالى ـ و يرفض الانداد التي تعبد من دونه أي كان نوع تلك الانداد، واولوا الالباب (اصحاب العقول الراجحة) هو الذين يعون هذه الحقيقة الناصعة، التي توصلهم الى وجدانية الرب تعالى، وثم تتجلى تلك الحقيقة في أفكارهم وسلوكهم.
ومن الحقائق الواضحة التي لابد للإنسان ان يلتفت إليها؛ أن إله الآخرة هو إله الدنيا، فالرحمة والعدل الالهية في الدنيا، ذاتها تكون في عالم الآخرة، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، صحيح ان هذه الارض تبدّل لكنّها تأتي يوم القيامة لتشهد بما عمل الانسان على ظهرها، وما سعى اليه، حتى اعضاء الجسم تكون شاهدةً على افعال الانسان في الدنيا.
وسنة الجزاء من السنن الالهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول، فما يعمله الانسان في هذه الدنيا سيلقاه في الآخرة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ولذا يجب التثبت قبل اي عمل نقوم به، فكل اعمالنا محفوظة.
بصائر من الآيات
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، لربما يكون المعنى ان في الكتاب ما يذكّر الانسان لكي يعقل: {لعلّكم تَعْقِلُونَ}، وإذا عقل الانسان استوعب الحقيقة كاملة.
والأعجب من البعض انه يهرب من التقدم الى الأمام، ولذا فالانسان بحاجة الى ارادة قوية كي يتقدم؛ فيكبر عقله، ويتوسع أفقه، ويكون لديه همٌ للمستقبل، والله تعالى بعث الانبياء لهذا الهدف، فالقرآن الكريم يصنع تحولا كبيرا عن الانسان، وينقله من حالة أدنى ما الى ما هو أكبر، فمن حالة الانطواء والتردّد الى آفاق الانفتاح والحزم.
___________
(مقتبس من درس التفسير الموضوعي لسماحة السيد المرجع المدرّسي دام ظله)