قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “عيبك مستور ما اسعدك جدّك”.
الجد هنا تعني: الحظ واقبال الدنيا على الانسان، عيب الانسان يبقى مستورا ما كان له حظ كبير، وهذا احد المعاني لهذه الكلمة، اي ان الحظ إقبال الدنيا على الانسان يستر عيوبه لدى ابناء الدنيا، فالثري اخطاؤه صواب، جهله علم، وكلماته التي لا تعني شيئا حكم، والحاكم منتصر حتى لو هُزم، وقد كُتب في إحدى حواشي نسخ القرآن الكريم لاحد خلفاء بني عثمان، ان الحاكم حفظه الله بصق في اليوم الفلاني!
كثيراً ما نسمع كلمات من بعض الرؤساء أقل من كونها عادية، لكنها تُوصم بالتأريخية، وخطاب عادي يقوله رئيس دولة يوصف في الصحافة بأنه خطاب تاريخيّ هام! مع انه لا يقال: خطاب تاريخي إلا إذا بدّل التاريخ.
ونجد أيضا حين ينتصر قوم على آخرين فإن كل العيوب تلتصق بالمهزومين، ففي الحرب العالمية هُزم الألمان على ايدي الحلفاء فإذا بكل عيوب التاريخ تلتصق بالألمان، وفي المقابل وصم الحلفاء بالإنسانية لانهم انتصروا، وهذا مجافٍ للحقيقة، فكما أن الألمان بقيادة هتلر ارتكبوا جرائم، وقتلوا الابرياء، ايضا بريطانيا قتلت الأبرياء، بل نقرأ في التاريخ ان الشعوب المستضعَفة في الحرب العالمية الثانية كانت تستبشر خيرا بالألمان لكن ليس حبا فيهم، بل بغضا منهم للبريطانيين.
وقد تعني كلمة أمير المؤمنين، عليه السلام، أمرا آخر وهي: أن حظَّ الانسان وإقبال الدنيا عليه يسعفه فترة من الزمن، ويستر عيوبه، لكن سرعان ما ينتهي الحظ وتنكشف العيوب، وهنا على الانسان العاقل ان لا يعتمد على حظّه، سواء كان مالا، او مكانة، او منصبا، فالعيب مستور ما دام الحظ موجودا لكن ما إن يزول ينكشف العيب، وكمثال أوسع من الفرد، مثلا دولة كان وضعها الاقتصادي جيد فلا تنكشف العيوب، لكن ما إن يتردى الوضع الاقتصادي حتى تبدأ العيوب تتكشف، فيبدأ الحديث عن: الطبقية، وان هناك ظالم ومظلوم.
حين يحصل الانسان على خير يجب ان يزداد قربا من الله، فحين يقوم الانسان بأعمال في سبيل الله يوفقه الله، فمن يؤدي عملا صالحا، او مساعدةً للآخرين، فالله ــ تعالى ــ يقابل ذلك بتوفيق جزيل
“عيبك مستور ما اسعدك جدك” هذه الكلمة تفتح لنا ايضا باب الحديث عن الحظ، فهل يوجد هناك حظ أم لا؟
وهل صحيح هناك أناس محظوظون وغيرهم لا؟
أصحيح ان السعادة والشقاء امران اضطراريان أم لاختيارالانسان دور في حظه؟
كمؤمنين بالله نعتقد بالقضاء والقدر، ونؤمن بالتوفيق من الله، وكان الشرقيون والغربيون والمتأثرون بهم، يضحكون علينا، فلا قضاء وقدر، ولا يوجد توفيق وعدمه، فالانسان ــ في نظرهم ــ يصنع كل شيء بيده.
لكن بعد مرور فترة من الزمن رأينا اولئك الذين يضحكون علينا لاننا نؤمن بالقضاء والقدر، بدأوا يؤمنون بكلام المنجمين، فلا تجد مجلةً ولا صحيفة إلا وفيها باب (حظك في هذا الشهر)! فيبنون حظ الشخص في الاسبوع، بل وحتى حظّه اليومي، فتوقع الحظ من المنجّم مقبولا، بينما الإيمان بالقضاء والقدر وأن له مدخلية في توفيق الانسان وأنه من الله فهذا غير مقبول عندهم!
وهناك أناس يعيشون الشقاء عندما يقرأون انهم سيفشلون او يخسرون في هذا الاسبوع او اليوم، فتجد لا راحة لهم ولا استقرار.
نحن نعتقد ان هنالك شيء من الحظ، لا بمعنى ان النجوم تصنع لنا حظوظا، لان الانسان ضمن هذه الحياة مجبر بالقضاء والقدر، فالله يقضي بشيء خارج ارادة الانسان، قد يموت عزيز عليه بدون إرادته، وقد يربح شيئا لم يكن يتوقعه، فيرزقه الله من حيث لا يحتسب، وكم من إنسان حصلت له توفيقات كبيرة، فالخير من الله، لكن الشر من البشر.
بناء على حكمة الله يكون الإنسان سعيدا او شقيا وهذا يعني ان هناك نوعا من الحظ، لكن ليس ذلك خارجا عن إرادة الانسان، لان الحظ ليس بلا سبب، فالشقاء والسعادة ليست بعيدة عن اختيار الانسان وعمله
وحين يحصل الانسان على خير يجب ان يزداد قربا من الله، فحين يقوم الانسان بأعمال في سبيل الله يوفقه الله، فمن يؤدي عملا صالحا، او مساعدةً للآخرين، فالله ــ تعالى ــ يقابل ذلك بتوفيق جزيل، في المقابل من يبتعد عن الله فهو إنما يقوم بعمل سيء فيصاب بعقوبة الله، “ما آمن الله من لم يؤمن بقضائه وقدره”.
وقضاء الله وقدره ليس خارجا عن حكمته، لانه لا يقضي لإنسان أن يكون سعيدا بدون استحقاق، فحكمة الله هي التي تسيّر كل أمور الحياة، حتى في جانب العقوبات، وحين يتكلم القرآن عن عقوبة إلهية يأتي في ذيل الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
فبناء على حكمة الله يكون الإنسان سعيدا او شقيا وهذا يعني ان هناك نوعا من الحظ، لكن ليس ذلك خارجا عن إرادة الانسان، لان الحظ ليس بلا سبب، فالشقاء والسعادة ليست بعيدة عن اختيار الانسان وعمله.
_____________
(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).