المحيط الاجتماعي يُسمّى أيضا بالبيئة الاجتماعية، وهي عبارة عن مجموعة الأفراد التي يختلط معهم الشباب سواء في العمل، أو الدراسة، أو ساحات الترفيه أو أي مكان يتواجد فيه الشباب، وهناك أيضا المحيط العائلي، ويسمى بالبيئة الاجتماعية التي تتكون من مجموع هذه المسميات والعناوين، ويوجد تأثير كبير من هذا المحيط الاجتماعي على الشاب.
يتم التركيز أولا على طبيعة هذه البيئة، حيث لابد للشاب أن يختلط مع أقران آخرين حتى يكتسب الخبرات العملية، ويتعلم العلاقات مع الآخرين، ويحصل على التجارب التي قد تدفع به إلى أمام، ولكن المشكلة التي يتعرض لها الشاب وهو في مقتبل العمر، أنه يتعرض أحيانا إلى ضغط اجتماعي يؤثر سلبا في تكوين وتطوير شخصيته، فيؤدي به ذلك إلى انحرافات غير مقبولة، تزعزع الثقة في نفسه وقد تغيّر مسار حياته نحو مسارات سيئة.
فإذا صادف أن دخل الشاب مع مجموعة غير منضبطة، أخلاقيا، وعقائديا، ودينيا وثقافيا، فهذا الاختلال الموجود لدى هؤلاء قد ينتقل بسرعة إلى هذا الشاب المنضم حديثا لهم، وهكذا قد يكون ضحية لهؤلاء الذين أصبحوا ضحايا أيضا بعد أن أثرت عليهم البيئة الاجتماعية المنحرفة، وتدخلت في بناء شخصياتهم بطريقة سيئة.
فمثلا عندما يضطر الشاب لكسب رزقه من خلال العمل مع مجموعة أفراد لا يعرفهم مسبقا، ولابد لكل شاب منهم عاداته، وثقافته، وطريقة تفكيره وكلامه، فإذا صادف أن بعض هؤلاء أو جميعهم غير منضبطين لا دينيا ولا أخلاقيا ولا ثقافيا، فإن هؤلاء سوف يؤثرون على الشاب الجديد حتما، وسوف تكتسب شخصيته الكثير من العادات السيئة لهؤلاء، وقد لا يتنبّه الشاب الجديد لهذا الأمر، بل قد يتصور أنه أمر طبيعي.
هناك بيئة اجتماعية سلبية تؤثر سلبا في شخصية الشباب، ولكن في نفس الوقت هناك بيئة اجتماعية إيجابية يكون لها دور مناقض تماما للدور الاجتماعي السلبي، وهذه قضية في غاية الأهمية
ولكن مع مرور الوقت سوف تنتقل العادات السيئة والأفعال المشنة من هؤلاء الشباب إلى الشاب الجديد الذي أجبرته ظروف العمل على الاختلاط بهم، ومن ثم يصبح واحدا منهم، لا يختلف عنهم في شيء، وبالتالي تتخلخل شخصيته، وتتزعزع أفكاره، ويتعلم شيئا فشيئا أقوالا جديدا وعادات سيئة، وسلوكيات غير مقبولة قد لا يستطيع التخلص منها.
الحاضنة الاجتماعية هنا سيكون لها دور سلبي في بناء شخصية الشاب الجديد، ولكن هناك دور آخر للبيئة الاجتماعية مهم وإيجابي جدا، يجب أن يكون الفعل الذي يقابل الخطأ الصادر من البيئة المسيئة، نعم هناك بيئة اجتماعية سلبية تؤثر سلبا في شخصية الشباب، ولكن في نفس الوقت هناك بيئة اجتماعية إيجابية يكون لها دور مناقض تماما للدور الاجتماعي السلبي، وهذه قضية في غاية الأهمية.
ولكن كيف نحدد هذه المسؤولية الاجتماعية، ومن هي الجهة التي تحد من تأثير البيئة السيئة، وتضاعف من تأثير البيئة الإيجابية، هنا يظهر دور النخب الفاعلة، مثل المعلمين، المدرسين، الجامعات والمدارس، والخطباء، والمثقفين أيضا، والأشخاص الصالحين، هذه الجهات يقع عليها الدور الحاسم في دعم المجاميع البيئية الاجتماعية الناجحة، وفي نفس الوقت عليها أن تحد من تأثير البيئة السلبية وتقضي عليها.
المهم في هذا الجانب هو الشعور بمسؤولية بناء الشباب بالصورة الصحيحة، وعدم التهاون في هذا الجانب، وأن ينهض كل ذي مسؤولية بدوره في هذا المجال
بالطبع مواجهة المحيط الاجتماعي السلبي ليس بالأمر الهيّن، بل هناك مصاعب كبيرة في هذا المجال، ولكن لابد من وضع الخطط التنظيمية العملية الدقيقة التي تتصدى لها المنظمات والمؤسسات والشخصيات المعنية بتهذيب أفكار وسلوكيات وشخصيات الشباب، فمواجهة مثل هذه المخاطر العقائدية والدينية والثقافية على الشباب ليست سهلة.
لذا يتطلب الأمر جهودا عملية تنظيمية مدروسة وخطوات عملية تضعها عقليات ذات خبرة كافية لمواجهة مثل هذه المخاطر الاجتماعية التي تؤثر على بناء شخصيات الشباب بشكل كبير، هذا الأمر في الحقيقة ليس سهلا، لكنه في نفس الوقت ليس مستحيلا.
المهم في هذا الجانب هو الشعور بمسؤولية بناء الشباب بالصورة الصحيحة، وعدم التهاون في هذا الجانب، وأن ينهض كل ذي مسؤولية بدوره في هذا المجال، فمن يضع في داخله الاستعداد الكافي لإنجاز هدف معين، ويؤمن به وبقدراته، ويبدأ مع الآخرين في عمل مدروس ومنظّم، سوف يقطف ثمار تعبه وسعيه، ونحصل بالنتيجة على بيئة اجتماعية نموذجية.
هذا هو المطلوب بالنتيجة، ولكن مثل هذه القضايا الكبيرة، لا تحدث دون سعي ومثابرة وتخطيط وعمل منتظم ومتواصل، المهم أن يتآزر المسؤولون عن بناء الشباب وتطوير شخصياتهم مع بعضهم، لتكون النتيجة هي صناعة بيئة اجتماعية مثالية، ومن ثم صناعة شخصية شبابية نموذجية أيضا.