الأخبار

الاستثمار الجائر والتوسع العمراني يقلص الاراضي الزراعية في نينوى

الهدى – نينوى ..

تتوسع مدينة الموصل بشكل عشوائي من كل الجوانب لتلتهم الكتل الخرسانية ما تبقى من الأراضي الزراعية فيها بشكل يقلص المساحات الزراعية وحتى الغطاء النباتي، ما ينعكس على درجات الحرارة في مدينة لطالما عرفت بأم الربيعين، حيث بدا التوسع العمراني واضحا قبل حقبة داعش، وظهر أكثر وضوحا بعدها نتيجة عبث الجمعيات السكانية بآلاف الدونمات الزراعية والمزارع التي تحولت فيما بعد إلى قطع أراض بيعت للمواطنين وتحولت لوحدات سكانية عشوائية.
وعلى مساحة تمتد لأكثر من 800 دونم تمتد غابات الموصل في الجانب الأيسر من المدينة التي تعتبر رئة المدينة إلا أن عدد الأشجار انخفض فيها بشكل مخيف بفعل الحروب وقطع العديد من الأشجار خلال سيطرة تنظيم داعش على المدينة ليتم بيعها كحطب للمواطنين جراء انعدام الوقود.
ويقول أنس الطائي، المهندس الزراعي وصاحب حملة زراعة مليون شجرة في الموصل، إن “الغابات خسرت قرابة 40 بالمئة من أشجارها، وأطلقنا حملات عديدة لزراعة فسائل لإعادة كثافة الأشجار فيها”.
ويضيف الطائي، “لم تكن حقبة داعش وفقدان الأشجار وحدهما من أتى على غابات الموصل، إذ لاحقت شبهات عديدة الحرائق التي طالتها في أعوام 2020 و2021 وكان الأشد في عام 2022 بعد احتراق ما مقداره 50 إلى 60 دونما بحسب ما ذكرت مديرية الدفاع المدني وتحول مئات الأشجار من اليوكالبتوس لرماد”.
من جهته، يقول عمر الحسيني، المراقب للشأن الموصلي، إن “العديد من الحرائق كانت مفتعلة بهدف تحويلها للاستثمار، وبيعها لإنشاء مولات ومطاعم وكافيهات سياحية، باعتبار أن منطقة الغابات المتنفس السياحي الوحيد في محافظة نينوى”.
ويضيف الحسيني، أن “حادثة تحطيم أشجار في الغابات بواسطة جرافة، أثارت استياء الشارع الموصلي، بعد الحديث عن تحويل الأرض للاستثمار بهدف إنشاء مطاعم وكافيهات، الأمر الذي دفع محافظ نينوى السابق نجم الجبوري للتدخل وإيقاف الإحالة”.
ويمكن للمار بمنطقة الغابات في الموصل، أن يرى على جانبيها تحول المناطق بمسافة 10 كيلومترات إلى مرافق سياحية وتجارية وقاعات أعراس بعد أن كانت أراضي خضراء تملؤها أشجار اليوكالبتوس والسبحبح وغيرهما، كما يقول الحسيني.
ودفعت أزمة السكان، علاوة عن الارتفاع المهول بأسعار العقارات والأراضي في الموصل العديد من أصحاب المزارع في نينوى لتقسيم آلاف الدونمات الزراعية على شكل قطع بمساحات 100 و200 متر، وبيعها إلى مواطنين لبناء بيوت عليها، فتحولت على مدار عقد من الزمن مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء إلى قوالب كونكريتية، انحشر فيها آلاف الأشخاص الباحثين عن سكن.
ويعيب مهندسون مختصون على الحكومة المحلية عدم اهتمامها بعبث الجمعيات السكانية في الموصل، وما حولته من مساحات خضراء تقدر بآلاف الدونمات إلى قطع سكنية شوهت التصميم الأساسي للمدينة، وحشرت الآلاف من الأهالي في أحياء لا تتوافر فيها متطلبات الأحياء الرسمية، ولا حتى مساحات خضراء، حيث بدت هذه الأحياء عبارة عن شوارع طينية ضيقة وبيوت بأشكال وألوان مختلفة.
ويعد المهندس المعماري مؤمن العبيدي، بأصابعه اليمنى عدد الأحياء التي كانت عبارة عن مزارع لمحاصيل مختلفة بينها الفستق.
ويحدد العبيدي، أكثر من ثمانية أحياء سكنية كانت في الأساس أراضي خضراء، مضيفا أن “الجمعيات السكانية شوهت شكل المدينة، ومارست العبث في الأحياء والأراضي الزراعية”.
بينما يذهب مهندسون آخرون إلى أن الجميعات السكانية في الموصل ساهمت بالتقليل من أزمة سكن خانقة كانت تعيشها الموصل مع توسع المدينة وزيادة عدد السكان عبر بيع الأراضي لمواطنين يطمحون بسكن.
إلى ذلك، يقول رئيس لجنة الزراعة في مجلس محافظة نينوى ربيع سوران، إن “تقطيع الأراضي الزراعية، لاسيما المحاذية لمركز المدينة وبيعها على شكل أراض سكنية تدخل ضمن نطاق العشوائيات”.
ويؤكد سوران، على أن “تقديم خطط استراتيجية للحكومة المحلية لتبني مشاريع البناء العمودي ومغادرة الافقي حفاظا على المساحات الزراعية في المحافظة”.
وتحولت في الموصل مزارع عديدة إلى أحياء سكنية مثل: حي الكندي الأولى والثانية، حي المزارع، حي الملايين، حي فلسطين، حي مشيرفة، أحياء الحاوي، الكفاءات الثانية، حي الفلاح الأولى والثانية، حي كوبكليا، حي الزراعي، وأحياء في الرشيدية، وغيرها، بحسب سوران.
ويعد حي الحاوي، من أكثر الأحياء التي شهدت تعديا على الأراضي الزراعية، إذ تحولت آلاف الدونمات الزراعية المحاذية لنهر دجلة إلى بيوت ومساكن متناثرة بشكل عشوائي.
وما زالت أحياء عديدة من تلك المنازل المشيدة على أراض زراعية محرومة من الخدمات بسبب تشييدها خارج حدود البلدية، ما يصعب الأمر على الأخيرة في إيصال خدمات حياتية إلى تلك المناطق.
وكانت وزارة التخطيط قد كشفت في تقرير لها مؤخرا، بأن سكان العشوائيات في العراق يمثلون حوالي 12 بالمئة من مجموع السكان، وأن المساكن العشوائية تشكل حوالي 16 بالمئة من مجموع المساكن.
وفتح القرار الحكومي بشأن إيقاف البناء على الأراضي الزراعية بابا لحالات فساد ورشى تدفع لبعض العناصر الأمنية المنفذة لواجبات منع البناء في تلك الأراضي وحتى لجان البلدية التي تكشف عن الهياكل المشيدة فيها.
وأثارت حملة خدمات وترميم في الموصل أطلقت عليها الحكومة المحلية “حملة الإعمار” غضب ناشطين بيئيين وحتى مواطنين بسبب نسف حدائق وأشجار من جزرات وسطية في شوارع رئيسة بالموصل بهدف توسعة الشوارع وإضافة مساحات على جانب الطريق.
ويعلق المهندس الزراعي رضوان الحديدي، على التوسع العشوائي، بأنه “قتل لمتنفسات الشوارع، وتلوث بصري، بسبب تقليص الجزرات الوسطية التي كانت تعطي قيمة جمالية للشوارع”.
وقلصت بلدية الموصل عشرات الكليومترات من الجزرات الوسطية في المدينة ضمن خطة تهدف لتوسعة شوارع بقيت على حالها منذ أكثر من 30 عاما.
ويبدي مختصون بيئيون خشيتهم من مشروع توسيع المدينة بمقدار سبعة كيلومترات من جميع الاتجاهات، كونه سيلتهم ما تبقى من الأراضي الزراعية والتي تعتبر مصدر رزق للعديد من العوائل لا سيما في سهل نينوى.
وبرغم التحديات واللغط السياسي الذي رافق المشروع والذي استند على مخاطر التغيير الديموغرافي بحسب أقليات تسكن في مناطق تحيط بنينوى لاسيما سهل نينوى إلا أن التوسعة ستأكل مساحات زراعية من جميع اتجاهات الموصل.
ويقول عماد الشبكي، وهو ناشط بحقوق الأقليات في محافظة نينوى، إن “التوسعة تهدد أرزاق العديد من أبناء قومية الشبك، ويقضي على المهنة الأساسية لهم وهي الزراعة تربية المواشي”.
ويشير الشبكي، بيده إلى مساحات شاسعة في قرى تمتد على ذراع السهل ويردف “تخيل أن تتحول هذه الأراضي لشوارع ويتزاحم على أراضيها أصحاب رؤوس الأموال لشرائها من أصحابها وتقطيعها لبيعها وتحويلها إلى محلات تجارية وبيوت عشوائية عندها سيفقد السهل هويته الزراعية”.
ويكشف مدير زراعة نينوى عبدالله حمو، عن مقدار المساحات الزراعية في الموصل خصوصا ونينوى عموما.
ويقول حمو، إن “المساحات الزراعية في مركز مدينة الموصل تقدر بأكثر من 48 ألف دونم، وفي عموم محافظة نينوى سبعة ملايين دونم صالحة للزراعة من أجمالي المساحات في عموم العراق المقدرة بـ32 مليون دونم تقسم على 4 أقسام المروية والمضمونة وشبه المضمونة وغير مضمونة الأمطار”.
ويؤكد أن دائرته ستطفئ أراضي زراعية لصالح بلدية الموصل، مضيفا أن “أكثر من 660 ألف دونم زراعي يشمله مشروع توسعة التصميم الأساسي للموصل”.
وتشكل نسبة المساحات المستقطعة من الأراضي الزراعية لصالح التوسعة أقل من 10 بالمئة، بقليل من مجمل الأراضي الزراعية في نينوى، إلا أنها تعادل أكثر من ضعف المساحات الزراعية في مركز مدينة الموصل.
وعرفت العديد من الأحياء السكنية في الموصل، لا سيما المقسمة من فترة الستينات إلى سبعينات القرن الماضي منها بتقسيمات الـ600 متر مربع، وصولا إلى 1000 متر مربع لخلق مساحات خضراء في كل منزل تعرف بحديقة المنزل.
ويمكن للمتجول بحي الطيران، أن يلحظ تدلي الأشجار والمساحات المفتوحة أمام كل منزل في أكثر الأحياء، حفاظا على هذا الطراز، إذ أن العديد من الأحياء شهدت بيوتها انشطارا لاجتزاء الحدائق وبناء مشتملات عليها لتأجيرها أو حتى بيعها.
ولا يمكن تحديد مقدار البيوت التي شهدت هذا التحول إلا أن موظفين في دائرتي الكهرباء والماء يؤكدون أن ما يقارب الـ40 بالمئة من بيوت الـ600 والـ1000 متر مربع، ما زاد إنفاقها من الماء والكهرباء، بسبب انشطار تلك بيوت إلى بيتين أو أكثر.
من جهته، يكشف المهندس محمد العباجي، العامل في مكتب هندسي للبناء عن مشاريع عديدة قام بها المكتب لهدم بيوت كبيرة بعد تقادمها وتقسيم أراضيها إلى قطعتين أو ثلاثة، ومن ثم بناء بيوت عليها، ما يعني أن انتهاء حقبة البيوت الواسعة مع وصول تلك البيوت لمرحلة اليأس وسقوط سيؤسس إلى قيام بيتين أو أكثر على أرضه بلا حديقة أو شجرة.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا