أسوة حسنة

الإمام الرضا غيظ الملحدين

قال دعبل الخزاعي

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

اه من شهر صفر كم لك في القلب جرح؟

إن أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، قد أخذت وغطت كل المساحات، بل كل المناسبات فكل مناسبة دونها تتلاشى وتصغر لهول مصاب آل البيت ع في هذا الشهر ومن تلك  المصاب استشهاد الإمام الحسن، عليه السلام، المسموم إلى استشهاد ثامن أئمة أهل البيت الإمام الرضا في ١٧من صفر صاحب المناسبة

عاصر الإمام الرضا، عليه السلام، خلال فترة إمامته المباركة التي استمرت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العباس وهم هارون الرشيد لمدة عشر سنوات 183) – 193هجرية) ومن بعده ولداه الأمين والمأمون.

بعد استشهاد الإمام الكاظم سنة 183هـ وتسلّم الإمام الرضا الإمامة عانى الكثير من ظلم هارون، ولكن لم يظهر منه أي تصد علني لمنصب الإمامة، ولم يسجل له أي حضور في المجالس والمحافل العامة، وذلك لأسباب متعددة منها الوصية التي ركز فيها الإمام الكاظم عل على أن إظهار ابنه الإمام للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده أي سنة 178هـ وذلك لإدراك الإمام الظروف القاسية التي ستمر بها الأمة في ذلك الوقت.

 وبالفعل في سنة 187هـ تصدّى الإمام لمنصب الإمامة علناً، ولذلك قال له محمد بن سنان: “لقد شهرت بهذا الأمر – الإمامة – وجلست في مكان أبيك بينما سيف هارون يقطر دما فقال الإمام: إن الذي جرأني على هذا الفعل قول الرسول: لو استطاع أبو جهل أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأني لست نبياً وأنا أقول: لو استطاع هارون أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأني لست إماما”).(الكافي للكليني؛ ج٨؛ ص٢٥٧).

سلب القداسة والمظلومية عن الثورة الشيعة، فلم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة، ولم تكن ثورتهم لتقف عند حد، وهذه المواجهات كان لها خاصيتان الأولى المظلومية الثانية: القداسة؛ المظلومية التي كانت تتمثل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الذي تعرض له أئمة أهل البيت، من عهد مولانا الإمام علي إلى عمر مولانا الرضا وما بعده، أما القداسة فهي التي يمثلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم، وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمدي الأصيل.

إن المأمون العباسي حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلومية اللتين تشكلان عامل النفوذ الثوري في المجتمع الإسلامي؛ لأن الإمام عندما يصبح ولي عهد سينضم، حسب تصوّر المأمون، إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في  التصرف بالبلاد إذا فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدساً.

إن مبايعة الإمام للمأمون تعني حصول المأمون على اعتراف من العلويين على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية وقد صرّح هو بذلك: (فأردنا أن نجعله ولى عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا). (الشيخ الصدوق عيون اخبار الرضا ج٢، ص١٨١

بعض الاساليب التي أتبعها المأمون العباسي لاستمالة شيعة الإمام علي عدة أمور منها :

أ- أن الإمام علي، عليه السلا، أكثر أهلية وأولى بالخلافة بعد النبي، صلى الله عليه وآله.

ب- جعل لعن معاوية وسبه أمراً رسمياً.

ج- أعاد للعلويين ما غُصب من حق السيدة الزهراء، عليها السلام،  في فدك بالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة.

من مكتسبات هذه الولاية حقن الدماء، فقد أصدر المأمون العفو العام عن قادة الثورات كزيد وإبراهيم أخي الإمام ومحمد بن جعفر

مكتسبات ولاية العهد

اولا: توظيف الإعلام لصالح الإمام الرضا عليه السلام، وقد تم ذلك من خلال عدة خطوات:

أصبح أئمة الجمعة يدعون للإمام الرضا في كل جمعة وعند كل مناسبة.

ضرب النقود باسم الإمام الرضا في جميع الأمصار.

كثرت الخطب والأشعار المادحة للإمام علي  وأهل البيت، حتى إن المأمون نفسه قال:

لا تقبل التوبة من تائب

إلا بحب ابن أبي طالب

أخي رسول الله حلف الهدى

والأخ فـوق الـخـل والـصاحب. (باقر القرشي، حياة الإمام الرضا، ج٢، ص:٢٤٩)

ثانيا: حرية الإمام في المناظرة

ويكفي أن نعرف أن مناظرات الإمام كثيرة جداً مع كل المذاهب والأديان حتى  لقب بغيظ الملحدين.

فقد جمع المأمون للإمام الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب  زرادشت، وعلماء الروم، والمتكلمين، فناظرهم بأجمعهم في مناظرات مشهورة، وغلب عليهم بالحُجّة البينة والبراهين التامة، وأذعنوا لتمام فضله في العلم

ثالثا نشر فضائل أهل البيت ومقاماتهم :

فقد نشر الإمام فضائل أمير المؤمنين علي وكراماته، ويكفي أن نعرف أن نفس المأمون في سنة قد أمر أن ينادي: (برئت الذمة ممن يذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلائق بعد رسول الله علي بن أبي طالب). (السيوطي، تاريخ الخلفاء،ص:٢٤٧)

رابعا: حقن دماء المسلمين

من مكتسبات هذه الولاية حقن الدماء، فقد أصدر المأمون العفو العام عن قادة الثورات كزيد وإبراهيم أخي الإمام ومحمد بن جعفر.

صفات الإمام الرضا وشمائلة

فمن أخلاق الإمام الرضا عليه السلام، ما جاء عن إبراهيم بن العباس أنه قال: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا، وشاهدت منه ما لم أشاهده من أحد، وما رأيته جفا أحداً بكلامه قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، وما رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان التبسم.

وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان قليل النوم بالليل، كثير السهر، يُحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصوم، ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول ذلك صوم الدهر، وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.

وعن محمد بن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.

 وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا الله، ولا رأه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم  حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور، ولقد سمعت علي بن موسى الرضا يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم من مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلى بالمسائل فأجيب عنها”. (الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ج 2، ص 64).

يقول أبو الصلت الهروي لما عزم المأمون على الذهاب إلى العراق والإمام معه بدا لهم أن يدسوا له السم فدخل عليه رسول المأمون يستدعيه فلما دخل عليه ناوله رماناً اعتصره بيده وكان قد دس السم فيه أو عنقود عنب قد أكل نصفه و كان شربه بالسم، وقال للرضا ع : حمل إلي هذا العنقود فاستطبته فأكلت من وتركت هذا لك فقال الله: أو تعفيني من ذلك ؟، قال: لا والله  فإنك تسرني بما منه فأخذ منه ثلاث تأكل فاستعفاء الإمام ثلاث مرات فلم يقبل منه فأخذ  منه ثلاث حبات فأكلها فلما أحس بالسم يسري في بدنه غطى رأسه ونهض من عنده ولما أتى بيته دخل حجرته وتمدد على فراشه وهو يتألم من حرارة السم وأحس بالسم به يسري في بدنه ومرت به ساعات يمتزج فيها الألم بالشعور بالغربة والبعد عن الأهل وفي الساعة التي دنا فيها أجله جلست عنده ثم طلب مني أن أسجيه إلى القبلة فأسبل يديه ورجليه وفاضت روحه الطاهرة.

عن محمد بن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم

وكان استشهادة في السابع عشر من شهر صفر سنة ٢٠٣ للهجرة، وإذا المأمون قد وافى وهرع الناس كلا ينادي : واسيداه وأماماه وتصدر المأمون تشييعه حتى جاؤوا به إلى قبره ودفن في مدينة طوس

وقبر بطوس يالها من مصيبة

توقد في الأحشاء با الحرقات

الى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا