تطرقنا في مقالين سابقين إلى سبل استثمار زيارة الأربعين في المجالين الاقتصادي و التربوي، وفي هذا المقال الثالث سوف نتناول إمكانات وفرص الاستثمار الاجتماعي لهذه المناسبة الدينية الكبرى، ونصفها بالكبرى لأنها أكبر تجمع بشري يحدث في عموم العالم، ولا سبيل لمقارنة التجمعات الأخرى التي تقل كثيرا عن الحشود المليونية التي تتواجد في كربلاء المقدسة لإحياء مراسيم زيارة أربعينية الإمام الحسين.
من الجذور الأساسية لهذه الزيارة المباركة وما رافقها منذ الأزل هي تلك العلاقات الاجتماعية الكريمة التي تربط بين الزوار الكرام وبين مستقبليهم من الأهالي ومن أصحاب المواكب الحسينية والقائمين على الحسينيات وتنظيم نشاطاتها المختلفة، الدينية والتثقيفية وغيرها، وكذلك هناك علاقات اجتماعية تتأسس وتنمو بين الزوار أنفسهم.
فحين تزور عائلة من الزوار سواء من داخل العراق أو من خارجه، إحدى العائلات وتحل بضيافتهم، هذا يعني بداية لتأسيس علاقة متبادلة بين هاتين العائلتين، فالعائلة المضيِّفة تقوم بكل ما يلزم وكل ما تحتاجه العائلة الزائرة من خدمات واحتياجات كونها قادمة إلى، الحسين عليه السلام، من أقاصي الدنيا، ولهذا وجب خدمة أفراد هذه العائلة وتقديم كل ما يخفف عنها من وعثاء السفر.
وأثناء هذا التواجد للعوائل الزائرة في بيوت المضيّفين يتم عقد علاقات كريمة بين الطرفين تقوم على الود والاحترام المتبادَل، فتجد الضيوف في غاية الامتنان للمضيفين، حيث يشعرون كأنهم في بيوتهم ومع أهلهم، ليست هناك غربة، ولا نقص معين، وإنما هم يعيشون أيام الزيارة بكل أريحية ولا يشعرون مطلقا بأنهم غرباء.
من الجذور الأساسية لهذه الزيارة المباركة وما رافقها منذ الأزل هي تلك العلاقات الاجتماعية الكريمة التي تربط بين الزوار الكرام وبين مستقبليهم من الأهالي ومن أصحاب المواكب الحسينية
في نفس الوقت تسعى العائلات التي تضيّف الزائرين كي تقدم كل ما تستطيع من خدمة واحتياجات للضيوف، حتى يكونوا في راحة تامة، مع بشاشة الوجوه وحسن الاستقبال، وحسن التصرف معهم بأفضل المشاعر وألطف الكلمات، فتنشأ علاقات اجتماعية غاية في القوة والنقاء كونها تقوم على محبة الإمام الحسين، عليه السلام.
وكذلك حين يذهب الزائرون العراقيون إلى المراقد المقدسة في خارج العراق، كالإمام الرضا عليه السلام، الموجود في مدينة مشهد في إيران، فإن العوائل العراقية تجد الكثير من العوائل الإيرانية تقوم بضيافتها، ردَا لضيافتهم في زيارة الأربعين أو سواها من زيارات ومناسبات أهل البيت، عليهم السلام، وهكذا تتوطد علاقات اجتماعية قوية ونقية ودائمة.
في هذه الأثناء يكون هناك تبادل للأفكار والأخلاقيات والسلوكيات بين العوائل المضيِّفة والمُستضافة، ويحدث تبادل للقيم، بل الأكثر من ذلك يكون هناك تبادل للتأثير الجيد المتبادَل بين الطرفين أو العائلتين، حيث تنتقل الأخلاقيات الجيدة بينهما، وكذلك يحدث نوع من التبادل الثقافي والسلوكي، بل حتى تبادل بعض العادات والأعراف والحكايات الجيدة عند الطرفين، وهذا ما يسميه المختصون بالتنمية الاجتماعية.
وهي علاقات تساعد على التقريب بين المجتمعات وحتى بين الدول نفسها، فالتقارب الاجتماعي عادة ما تتولد عنه علاقات سياسية واقتصادية جيدة، فيكون هناك تبادل جيد وتنامي في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الشعبين والبلدين، وهذا يعد من المكاسب والاستثمارات المهمة لزيارة الأربعين التي تعود على العراقيين بخيرات وفيرة.
وفي كثير من الأحيان تنتج عن هذه الزيارات المتبادلة أثناء زيارة الأربعين علاقات اجتماعية قوية ترقى إلى التصاهر بين العائلتين، فيكون هناك زواج بين العائلتين، وهذا يعني اختلاط الدم بالدم، الأمر الذي يقرّب بين المسلمين مع بعضهم، بل ويقرب البشرية بعضها من بعض، وهذا يساعد على الاستقرار الاجتماعي العالمي، وغالبا ما تعود نتائجه بالخير والتقدم والاستقرار على الجميع.
هذه الأمور والمواقف والعلاقات هي غيض من فيض مما يحدث بين الزائرين ومضيّفيهم، ولهذا نلاحظ أنه في كل زيارة أربعين جديدة تتضاعف أعداد الزوار الكرام القادمين إلى الحسين، عليه السلام، وفي المقابل تزداد وتتضاعف بالمثل أو أكثر أعداد الأفراد والعوائل والمواكب والحسينيات التي تتهيّأ لاستقبال الزوار الكرام، مما يدل على أن ما يجري هو في المسار الصحيح لما يتنماه ويريده أهل البيت، عليهم السلام، لمحبيهم ومواليهم.
في زيارة الاربعين يكون هناك تبادل للأفكار والأخلاقيات والسلوكيات بين العوائل المضيِّفة والمُستضافة، ويحدث تبادل للقيم، بل الأكثر من ذلك يكون هناك تبادل للتأثير الجيد المتبادَل بين الطرفين أو العائلتين، حيث تنتقل الأخلاقيات الجيدة بينهما
هذا هو المشهد الاجتماعي لزيارة الأربعين، حيث يتشكل طرفان، أحدهما زائر كريم من داخل أو خارج العراق، والطرف الثاني مستقبِل من داخل العراق، يكون مستعدا ومتهيّئا لتقديم كل ما يحتاجه الزائرين، حتى يشعروا أنهم بين أهلهم وفي بيوتهم، وألسنة الأهالي المستقبلين تردد وتقول (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل).