وثائقية قصة (نمرة الفسحة) للقاص حيدر عاشور
كلنا يعلم ما كان يمارسه النظام البائد من قمع متواصل على مدى سنوات لمنع اقامة الكثير من الشعائر والطقوس الحسينية، وكان يراقب أي تجمع للشباب في المناسبات العاشورائية وغيرها من مناسبات خاصة بأهل البيت،عليهم السلام، فعيون جواسيسه تملأ كل مكان وفي حالة أي تجاوز على الاوامر يتم الهجوم المباغت عليهم واعتقالهم.
ولكن الكثير من الموالين ما كان يرهبهم هذا الفعل بل ينجزونه سرا او علانية وبطرق مختلفة تحديا للمنع المفروض من قبل النظام، وكان للمرأة أيضاً دور مهم بهذا التحدي الباسل وهذا ما سنطلع عليه في قصة (نمرة الفسحة) للقاص حيدر عاشور الفائزة بالجائزة الثانية في مسابقة القصة القصيرة الثانية لمهرجان تراتيل سجادية الدولي الخامس الذي اقامته العتبة الحسينية المقدسة والمنشورة في كتاب النصوص الفائزة سنة 2019.
قد كان لها دور في تحفيز النساء وبث روح العزيمة والارادة والقوة فيهن، فينمو اصرارهن على الطبخ بالرغم من محاولة احد الرجال (الزيتونيين) في منعهن
القاص حيدر عاشور له تجربة قيمة في السرد، وفي قصته (نمرة الفسحة) ينقلنا الى منطقة مهمة في كربلاء باب الخان وهي (الفسحة) وهو يقوم بتوثيق المكان بأسواقه ومقاهيه ومحلاته وبالشخوص التي أورد أسماءهم حيث كانوا اصحابا للمحلات المنتشرة في المكان اضافة الى البيوتات القديمة الموجودة، وتسكن في احدى البيوتات المرأة (صبرة) وهي تتابع دائما ما يجري في المنطقة من احداث تمتلك من الشجاعة والتحدي في إقامة الشعائر الحسينية ومنها طبخ (الشلة) في ذكرى وفاة الامام السجاد، عليه السلام، وفي مقطع يصف القاص حال المرأة الباسلة وهي تتابع ما يجري في المنطقة: “وأحسّت كأن روحها انقبضت وبصرها غيم وشعرت أن أصواتهم تتصاعد الى سطح البيت نظرت مجددا الى الشارع وجدته قد تحول الى عاصفة من النار تفرق الناس جميعا وداس بعضهم على صفائح البقوليات واشباح ترتدي ثيابا زيتونية تركض مع اسلحتها خلف الاهالي الهاربين من الضرب او القتل او الاعتقال”.
وبالرغم من هجوم أزلام النظام وملاحقة شباب المنطقة وتفريق الزائرين لمرات عديدة لكنهم لم يفلحوا، وكم كانوا يحاولون بث الفتنة والفرقة بين الشباب لكي يتقاتلوا فيما بينهم فيسهل السيطرة عليهم يتابع القاص: “كانت الحكومات تعجز عن ايقاف الشعائر الحسينية فتختلق الفتن بين منطقة واخرى والفسحة ساحة قتال دائمة مع حاملي السكاكين والهراوات من ابناء جلدتهم لكن العقل، كان دائما يرجعهم الى السكينة والوحدة، وكان الدور المثالي ايضا لتلك المرأة القوية صبرة حين اشتداد وطيس التنافس بين الفسحة وشباب المنطقة الاخرى على انطلاق مواكب التعزية في التاسع من محرم ايهما يدخل الحرمين الشريفين اولا”.
فكان للمرأة (صبرة) دور مهم في التدخل اذا حدث صدام بين الاخوة فقد خيطت راية بيضاء وكتب عليها بلون الدم عبارة “السلام عليك يا أبا الفضل العباس” وترفعها امامهم فيتراجعوا عن القتال ويسود الهدوء والعناق بينهم.
وقد كان لها دور في تحفيز النساء وبث روح العزيمة والارادة والقوة فيهن، فينمو اصرارهن على الطبخ بالرغم من محاولة احد الرجال (الزيتونيين) في منعهن.
حيث تستبسل المرأة (صبرة) ومن معها في ايقاع الرجل وضربه بأدوات الطبخ وحدوث اضطراب كبير جعل من (الزيتونيين) الانسحاب خوفا من اثارة الزائرين وحدوث احتجاج كبير .
أخرجوا صبرة تلك الليلة بطولها الجسيم المهيب وضخامة جثتها ولكن بدون صوتها الجهوري تنظر بعينها الواسعتين الكبيرتين بلونهما النرجسي الى الجميع بأنفة عجيبة
يستمر القاص حيدر عاشور بإسلوبه الواقعي الذي يلائم الحدث الرئيسي للقصة موثقا فترة من الفترات العصيبة التي عاشها العراقيون بكافة طبقاتهم الاجتماعية وفي عموم مناطق الوطن تحت الظلم والقمع والقتل، وهو يوثق اعتقال صبرة الشجاعة والقوية المتيقنة باعتقالها، وهي في كامل الاستعداد للتضحية في سبيل الحسين واهل بيته الطاهرين، عليهم السلام، مستمدة قوتها من صبر جبل الصبر بطلة كربلاء العقيلة زينب، عليها السلام
“أخرجوا صبرة تلك الليلة بطولها الجسيم المهيب وضخامة جثتها ولكن بدون صوتها الجهوري تنظر بعينها الواسعتين الكبيرتين بلونهما النرجسي الى الجميع بأنفة عجيبة، جعلت المشتركين في اعتقالها يضعون عباءتها على وجهها لان الابصار تتجمهر في المملكة وزاغت حولها ولمعت عيون الغضب فيها، لكن القوة المعتقلة كانت من الكثرة ما تجعل الشجعان يتصنمون كالرخام في اماكنهم واختفت نمرة الفسحة صبرة مدة من الزمن لا اثر لها ولا صوت، أفل شعاع تلك الانسانة الملتزمة في الانسانية والشجاعة واصبحت ذكرى خالدة على مدى السنين”.
استطاع القاص حيدر عاشور ان يوثق لنا هذا النموذج من البسالة و التحدي بإسلوب وثائقي وتصوير مؤثر وواضح لكل بصيرة متعطشة للجهاد والتضحية في سبيل تعظيم الشعائر الحسينية تعبيرا عن العشق والولاء لأهل البيت الاطهار، عليهم الصلاة والسلام، رغم كل انواع التحديات.