لم تكن شهادة الحسين، عليه السلام، بحق ولده علي الأكبر، عليه السلام، حين قال: “اللهم أشهد على هؤلاء القوم فقد برز اليهم غُلامٌ أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد، صلى الله عليه وآله، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا اليه”، شهادة عاطفية، او تقييم أب لولده، بل كانت شهادة موضوعية وفق ما رأهُ الامام المعصوم في علي الأكبر، فهو اكثر الهواشم شبهاً برسول الله، صلى الله عليه وآله، بالشكل.
تتحدث الروايات عن صدمة ذلك الرجل النصراني حين طلب من الحسين، عليه السلام، ان يرى شبيه لرسول الله، صلى الله عليه وآله، فجاء الامام الحسين، عليه السلام، بولده الأكبر وكان طفلاً صغيراً يشع النور من وجه حتى قيل إن الرجل أصيب بالإغماء من شدة تقارب الشبه بينهما .
ترعرع علي الأكبر في جوٍّ أُسري سليم يملئهُ الحب والعطف المتبادل بين الابن و والده وانصب اهتمام اهل البيت، بعلي الأكبر لإظهار اهمية التربية الصالحة التي تلقاها هذا الشاب والأخلاق التي امتلكها أباهُ الحسين، عليه السلام
ولم يقتصر ذلك على الشكل فحسب بل كان (خُلقاً ومنطقاً)؛ كان إذا نطق تكلم بحديث جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، تميز بخصائص عدة يشهد التأريخ لها من الكرم، والشجاعة، والخلق الحسن امتداداً على خط جده ، صلى الله عليه وآله، انتقلت اليه من الوراثة وبعضها من التربية السليمة التي تلقاها من البيت الذي نشأ فيه فوالده الحسين، عليه السلام، وامه ليلى ابنة أشراف العرب.
ترعرع في جوٍّ أُسري سليم يملئهُ الحب والعطف المتبادل بين الابن و والده وانصب اهتمام اهل البيت، بعلي الأكبر لإظهار اهمية التربية الصالحة التي تلقاها هذا الشاب والأخلاق التي امتلكها أباهُ الحسين، عليه السلام، فأحسن تربيته، فكانت ثمره تلك التربية المباركة بولده البار به السائر على نهجه المضحي لاجله الذي اقتطفته المنية في كربلاء.
فضرب أسمى أمثلة الشجاعة والتضحية في سبيل الله على طريق جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، كان كالبدر في الليلة الظلماء يمتطي فرسه شاهراً سيفه لايهاب الموت، بل وكان يشدُّ على أبيه الحسين حين قال: “يا ابه اولسنا على الحق اذن لانبالي والله ان نموت محقين”، روح صلبة قدمت عطاء لا نظر له، وبذلت النفس في سبيل الحق بلا ادنى شك.
فكانت له منزلة خاصة في قلب الحسين، عليه السلام، في حياته، وعند مصرعه اخذ من الحسين مأخذ عظيم ، لم يراه احد بهذا الحزن والتأثر إلا عندما سقط ابنه الاكبر شهيداً عطشاناً في ارض كربلاء.
علي الأكبر قدوة الشاب المسلم
لابد من الشباب إعادة النظر في بعض المواضيع واتخاذ علي الأكبر قدوة لهم في ما يخص علاقة الابن بوالده وكيفية التعامل معهما، وعن اهمية االبر بالوالدين التي هي من اهم أسباب الصلاح في الدنيا، ونبذ العقوق الذي اعتبره الاسلام من الكبائر وجعله في كفة واحدة مع الشرك وقتل النفس، فالعقوق إغضاب الله ــ تعالى ــ حتى وإن كان بنظرة قاسية للوالدين، بكلمة “أُفٍ”، بفعل قاسي يصيبهما بالحزن بل وتطور العقوق ليصل إلى مرحلة تشمئز منها الإنسانية اجمع.
فموضوع كبار السن من الآباء والأمهات الذين تعرضوا للعنف من قبل اولادهم اصبح شيء متكرر، وكم من حالة يصل بها العقوق إلى رميهم في الشارع، بلا مأوى ولاحيلة.
ولعلَّ من ابرز أسباب العقوق الفجوة الكبيرة بين الابن والوالدين، إذ لعبت دوركبيرة في تلك المشكلة، فيكون وجودهما في حياة الابن يقتصر على سد احتياجاته اليومية دون الاهتمام بمناقشته وارشاده بمختلف أمور الحياة، وتغذيته روحياً وفكرياً ودينيا.
فإبتعاد الابن عن الله ــ تعالى ــ يظلم قلبه ويعمي عينه ويؤدي به إلى طريق الانحرا ، إضافة إلى السلوك الخاطئ في التعامل مع الابن، أما القسوة او التدليل الزائد وفي كلا الحالتين يتولد التمرد تدريجياً إلى ان يصل لمرحلة العقوق.
لعلَّ من ابرز أسباب العقوق الفجوة الكبيرة بين الابن والوالدين، إذ لعبت دوركبيرة في تلك المشكلة، فيكون وجودهما في حياة الابن يقتصر على سد احتياجاته اليومية دون الاهتمام بمناقشته وارشاده بمختلف أمور الحياة، وتغذيته روحياً وفكرياً ودينيا
والحل لهذه المشكلة هو فتح دائرة النقاش وتعويد الأبناء عليها من الصغر والاستماع اليهم وإشراكهم في اتخاذ القرارات لتوطيد الروابط الاسرية بينهم، حتى يشعروا بأهمية الأسرة وتقديره ، وان يكون سلوك الأبوين بالتربية نهجاً وسطاً بين القسوة والتدليل.
ولاننسى اهمية الاستعانة بالله على تربية الأولاد واتباع تعاليم الاسلام وإبراز اهمية احترام الوالدين ومكانتهم عند الله امر ضروري، لخلق جوٍّ اسري سليم، وبالتالي تعويد الأبناء على البر منذ الصغر والتخلص من العقوق الذي اصبح كالآفة تنهش روابط المجتمع وتنتهي بوضع الوالدين بدار العجزة عن دموع آباءٍ وأمهات بذلوا قصارى جهدهم لتوفير متطلبات الأبناء، وافنوا حياتهم وطاقاتهم لذلك فكان رد الجميل غير متوقع، فأصبحت دور العجزة وكبار السن تكتظ بالوافدين اليها لتضاف قصصاً إلى قصصهم وحزن وغصة لاتنتهي .