يُقصَد بمنظومة القيم الأصيلة، تلك المعايير والضوابط التي تنظّم العلاقات الاجتماعية، وتضمن الموازنة الدقيقة بين الحقوق والواجبات، ولهذا يتم التأكيد دائما على الصفة الجماعية لتحقيق هذا الهدف الاخلاقي الاجتماعي الأساسي، فالقيم يحتاج إليها الجميع، أطفالا وشبابا وكبارا، رجالا ونساءً، المجتمع برمّته في حاجة مستمر لمنظومة القيم.
لماذا نحتاج إلى القيم لتنظيم النشاط الاجتماعي، مع أن القيم تضع حدودا لا يجوز تجاوزها، بهذا المعنى فالقيم تحدد تصرفات الإنسان، فلماذا يكون بحاجة لها؟
(حماية منظومة القيم)، تكون مسؤوليته جماعية، بمعنى أن الجميع يشتركون في هذه المسؤولية، ولا يصح التهاون من قبل البعض
كما هو معلوم أن الإنسان يطمح للحصول على كل شيء في حال غابت الضوابط والحدود، فهو مثلا لا يشبع من الأموال مهما بلغت المبالغ التي يحصدها، وكلما كثرت أمواله يريد المزيد منها.
قيمة الاكتفاء الإيجابي هي التي تضع حدا لرغبات الإنسان الكثيرة، فالإيمان والزهد قيم كبيرة تساعد الإنسان على التخلص من رغبة التملك اللامحدودة، نعم هناك رغبات عند الإنسان لا حدود لها، ولا يضع لها نهايات سوى القيم التي تضبط رغبات وسلوكيات الناس، وعندما تغيب القيم تغيب الضوابط، وفي هذه الحالة تصبح حياة الناس فوضى عارمة.
الكل يتحرك في مساحة المصالح، والكل يرغبون بالمزيد من المكاسب، هذه هي طبيعة الإنسان وحب التملك الموجود لديه، لكن لابد من العيش وفق قواعد شرعية وأخلاقية وقانونية تضمن للجميع حقوقهم، وتطالب الجميع القيام بواجباتهم.
الخلل في ميزان الحقوق والواجبات سببه الدائم ضعف القيم وعدم رسوخها بين أفراد المجتمع، لذلك نلاحظ عملية التركيز على القيم دائما من قبل المصلحين والفلاسفة الإيجابيين ودعاة الحقوق الجيدين، والمفكرين الأخلاقيين، هؤلاء جميعا يتحركون بشكل مستمر لتفعيل منظومة القيم الأصيلة، ويسعون دائما لملء النقص والفراغ في هذه المنظومة التي تضبط حراك البشر وتنظّم العلاقات والمصالح فيما بينهم.
نعاني في العراق من مشكلة اجتماعية واضحة، وهي تراجع القيم الأصيلة وظهور قيم أخرى لتحل محلّها، القيم البديلة لا يمكن أن تكون أصيلة، لأنها قيم تقوم على النزعة المادية والاستحواذ وضرب الضوابط والقواعد الشرعية والقانونية والأخلاقية المتعارف عليها، فقد ظهرت بيننا نزعة الاستحواذ بشكل كبير، فنلاحظ الرغبة العامة بالامتلاك عند الناس، حتى لو تم ذلك خارج إطار الحقوق، وهذا يتسبب بمشاكل واختلافات شديدة بين الناس.
العراقيون بعد عقود من الحرمان والظلم والتجاوز الفاضح على الحقوق، يسعون اليوم لتعويض عقود الحرمان والاضطهاد، ولكن عليهم أن لا ينسوا أن تحطيم القيم والتجاوز عليها سوف يعود بهم إلى المربع الأول، لهذا من حق كل عراقي تم حرمانه واضطهاده أن يعوّض ما فاته في السنين والعقود الماضية، ولكن يجب أن يتم هذا التعويض في إطار القيم الصحيحة وليس في إطار ضرب القيم وإضعافها كما يحدث أحيانا.
الخلل في ميزان الحقوق والواجبات سببه الدائم ضعف القيم وعدم رسوخها بين أفراد المجتمع
نحن نحتاج في هذه المرحلة إلى التمسك بالقيم أكثر من أي وقت مضى، ونحتاج إلى رفض الظواهر الاضطهادية والقمعية السابقة، كما أننا يجب أن نرفض سلوكيات الفساد كافة، وعلينا جميعا أن نتماسك ونتعاون فيما بيننا كي ندعم منظومة القيم الأصيلة، وأن نرفض رفضا قاطعا أي تجاوز على الحقوق، كما أننا يجب أن نرفض أية محاولة لإضعاف قيمنا الأصيلة، وعدم السماح للقيم الدخيلة بأن تتسلل وتخترق قيم المجتمع الأصيلة.
هذا الهدف ونقصد به (حماية منظومة القيم)، تكون مسؤوليته جماعية، بمعنى أن الجميع يشتركون في هذه المسؤولية، ولا يصح التهاون من قبل البعض في أداء هذه المسؤولية بشكلها الصحيح، فهناك من يضرب هذه القيم من أجل تحقيق مصالحه، ولكن بالنتيجة سيكون هو أيضا من الخاسرين، كونه يخسر البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
لا فائدة للغني أن يعيش في مجتمع فقير، ولا فائدة للقوي أن يعيش في مجتمع الضعفاء، فالتجانس الاجتماعي مطلوب للجميع، والسماح للتفاوت الطبقي بالتزايد حالة لا تخدم الأغنياء ولا الأقوياء، لأنهم سوف يصنعون مجتمعا هشًّا ضعيفا تسحقه الجريمة، وتفتك به حالات الاضطهاد والفتن والشعور العام بالغبن السياسي والاجتماعي.
بالنتيجة مطلوب عملا جمعيا لترسيخ منظومة القيم الأصيلة كونها السبل الوحيد لتوفير الحياة السليمة المستقرة الآمنة للجميع، لأن القيم هي تحمي حالات التوازن في العلاقات الاجتماعية المختلفة، وتقلّل الفجوة بين الفقر والغنى وبين القوة والضعف، وتعمل على ترسيخ معادلة الحقوق في مقابل الواجبات بشكل ناجح ومستقر.