ثقافة رسالية

معالم الشخصية الإيمانية (4) التطور في الحياة لا يأتي على فراش الاسترخاء

منذ خُلق الانسان في هذه الأرض كان يبحث عن رزقه، وأمنه، وبدأ يتحرك في أمور بدائية، وفي بداية الأمر كانت الحياة تسير على ما يرام؛ فكان يأكل من خيرات الارض، وينام عليها، بعدها جاءت التحديات؛ فالجفاف حلّ بالمنطقة وبالتالي لن تنمو الاشجار، فبعض البشر استسلموا لواقع الامر وماتوا جوعا، والبعض الآخر بدأ بالبحث عن مكان جديد تهطل فيه الأمطار، البعض الآخر منهم فكّر بطريقة أخرى في الحصول على الماء، وعدم الاكتفاء بأمطار السماء فحفروا الأرض ووجدوا الماء.

البشر ـ وحسب التقسيم السابق ـ كانوا على ثلاثة اقسام؛ فمنهم من اندثر، والآخر هاجر، والثالث طوّر، والذين طوّروا واقعهم شكّلوا نواة الحضارة، وحسب ما يقول البعض مثل آرنولد توينبي في كتابه المعروف دراسة التأريخ: “أن أول حضارة نشأت إما في دلتا النيل أو في وادي الرافدين”.

⭐ الدورة الحضارية هي: أن يعيش الانسان في مواجهة مع المشاكل التي تأتيه، فهو يتحداها بالتفكير، ثم التخطيط، والتغيير أخيرا

الدورة الحضارية هي: أن يعيش الانسان في مواجهة مع المشاكل التي تأتيه، فهو يتحداها بالتفكير، ثم التخطيط، والتغيير أخيرا، هذه الدورة الحضارية التي  ـ بدأت مع خلق الانسان ـ عادة تتكرر عند البشر؛ فالبشر ـ عادة ـ ما يواجه تحديات كثيرة، من خلال تلك التحديات يطوّر نفسه؛ فالحرب الأوكرانية ـ مثلا ـ شكلت تحديا للغرب، فبريطانيا صنعت طائرة مسيّرة بحجم الاصبع، وكذلك الروس في الجهة المقابلة طوروا من صناعتهم العكسرية في هذه الحرب.

القرآن الكريم يشير الى حقيقة؛ أن الله ـ تعالى ـ حينما يرسل رسولاً الى أي امة، فإن هذه الأمة تدخل في صعوبات، والتعامل مع هذه الصعوبات هو الذي يبيّن الناس؛ فمنهم من يستوعب الدرس، والبعض الاخر لا يعي الدرس فينتهي.

آيات القرآن الكريم تبين هذه  الحقيقة من خلال القصص الواقعية، يقول ـ تعالى ـ: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}، فمع مجيء النبي تبدأ الدورة الحضارية، والبأسأ هي الصراع بين الناس؛ بين القبائل، او بين الدول، و “الضراء” هي ما يصيب الانسان من الطبيعة؛ زلازل، وفيضانات، سيول، جفاف..، {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}، والهدف من “البأسأ والضراء” أن يصل الناس الى مستوى الضراعة؛ وهي أن الانسان يعمتد على ما يملك؛ على قوته، وامكاناته، اصدقائه..، لكن يأتي وقت فالذي يملكه لا يغنيه، فلا يستطيع أن يقوم بأي شيء، تأتي بعد هذه الحالة “الضراعة”، بأن يصل الانسان الى حالة صفرية او حالة الخسران.

⭐ الهدف من “البأسأ والضراء” أن يصل الناس الى مستوى الضراعة؛ وهي أن الانسان يعمتد على ما يملك

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ}، في هذه اللحظة ينتبه الانسان الى الله، وهذه من نعم الله ـ تعالى ـ أن يتوجه الفرد إليه في حالة الضرورة القصوى، وفائدة الضراعة، وبعد خلاص الانسان من المصيبة التي كادت ان تحل به، فائدها انه يفكّر أن الإمكانات؛ من مال، وسلطة، والعشيرة..، لم تنفع، بل هناك شيء آخر هو الذي نفع، وبهذا تتجدد حياته، ويحاول ان يغلي الجوانب السلبية من حياته، ويبدأ ينظر الى الجوانب الايجابية ويبحث عن الامكانات الجديدة التي يملكها، فتعود الى المجتمع روح الشباب وتبدأ مرحلة حضارية جديدة.

إذن ما هو دورنا عند تقلب الدورات الحضارية؟

دورنا ان نستوعب الحقائق عبر طريقين:

الأول: البصيرة وذلك يكون بقراءة التاريخ والمنعطفات التاريخية التي مرت بها الشعوب والأمم السابقة.

الثانية: القرآن الكريم: عبر قراءة التفاسير، فآية واحدة تعطي رؤية كاملة لكثير من الأمور، وإذا تدبرنا الآيات القرآنية ستنفتح لنا آفاقا كثيرة.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا