لم تأخذ قضية حيزاً ومساحةً في الفكر الإنساني إهتماماً وجدلاً كقضية الإمام المهدي “عجل الله تعالى فرجه الشريف” نظراً لما تمثله فكرة أو نظرية الإمام الغائب من قضية لها حساسيتها وخصوصيتها في التفكير على مستوى التاريخ الإنساني ومستقبله والمصير الذي يمضي إليه العالم.
ليس من السهل الإبحار في سفينة هذه القضية أو النظر إليها ببساطة وسطحية متسرعة وعاجلة، ذلك أن قضية بحجم ما تثيره قضية الإمام المهدي “عجل الله تعالى فرجه الشريف”، لابد أن تأخذ مداها من العمق والجدية بحيث تصل من غير زيادة أو نقصان إلى شواطئها المطلوبة.
قضية لها تأثيراتها بحجم قضية الإمام المنتظر أو الإمام الغائب أو الإمام صاحب العصر والزمان لا يمكن أن تكون مسألة عادية أو تقليدية يمكن العبور عليها او من خلالها بدون عمق في التفكير أو دون وعي وبصيرة لما هو أبعد من الأحاديث المستعجَلة التي قد يمر بها الإنسان دونما إكتراث أو إعتداد يذكر بأهميتها وبخطورة تداعياتها على الفكر والعقل الإنساني.
⭐ قضية لها تأثيراتها بحجم قضية الإمام المنتظر أو الإمام الغائب أو الإمام صاحب العصر والزمان لا يمكن أن تكون مسألة عادية أو تقليدية يمكن العبور عليها او من خلالها بدون عمق في التفكير أو دون وعي وبصيرة
تتعدد الزوايا التي يمكن النظر بواسطتها إلى قضية هذا الإمام الغائب، وعشرات الأبحاث والدراسات من مختلف المدارس الأيديولوجية والمذهبية والفكرية تناولت الإمام الفكرة والنظرية، كلها يستهدف الإقتراب من منطقة يكون فيها العقل الإنساني متحملاً ومستعداً لإستقبال الفكرة والمشروع الأخلاقي لما يرتبط بالإمام الغائب “عجل الله تعالى فرجه”.
في هذه السطور القليلة لن نتوقف عند خلاصات تلكما الأبحاث والدارسات وإنما نشير إلى حقيقة أن كل هذه النقاشات حاولت أن تقترب من إثبات الفكرة والنظرية وإمكانية تحققها، وبعض هذه النقاشات كانت تناقش قضية الإمام المنقذ من زاوية العقائد، وما أنبأت به الديانات السماوية سيما في الكتب السماوية السبع، وما أشارت إليه من الظهور في آخر ونهاية التاريخ أو الزمان البشري.
اليوم وبعد أكثر من إثني عشر قرناً من الزمن ومع التطورات المذهلة في عالمنا المعاصر تقنياً ومعرفياً وعلمياً لم يبارح أهل الفكر والعلم منطقة الأحاديث التي كانت سائدة لدى أرباب الفكر والفلسفة حول الإمام الغائب “عجل الله تعالى فرجه”.
طغت في الأمة طيلة قرون متمادية نقاشات مستفيضة حول الإمام وأخذت فلسفة الإنتظار تهيمن على السجالات الفكرية في الأمة والتي سنقتصر على الإشارة إليها فيما يلي من السطور.
لقد تجاوزت النقاشات في ساحة الأمة فكرياً حول نظرية الإمام الغائب المنتظر “عجل الله تعالى فرجه الشريف”، العديد من المحطات وصولاً إلى محطة علاقة الأمة بهذا الأمام وطبيعة ماهية هذه العلاقة، وقد أشبع علماء ومفكرون فلسفة الإنتظار بحثاً، وسبرواً أغوارها في عدة إتجاهات بعد أن إفترضوا من الناحية العقائدية أن وجود وظهور الإمام الغائب هي قضية مركزية وأساسية في العقيدة، وأن سلامة العقيدة تقتضي التسليم بوجود هذا الإمام المنقذ، ووجوب الإنقياد له وطاعته وإعلان الولاية له، بل تزخر كتبنا العقائدية بالعديد من المستحبات التي تحدد طبيعة ونمط العلاقة مع الإمام الموعود المنتظر “عجل الله فرجه الشريف”، كالدعاء له وزيارته وإظهار الشوق للقائه والتصدق لسلامته وتعجيل فرجه.
ونظراً لما تعرضت له الأمة طيلة هذه القرون من ظلم واضطهاد فاحش كان الفكر المهيمن في ساحة الأمة حول دورها تجاه الإمام المنتظر وطبيعة علاقتها به، والذي تم تلخيصه بفكرة الإنتظار ودافع أساطين وأرباب الفقاهة والفكر الإسلامي في الأمة على أنها المسؤولية الكبرى للأمة بإزاء الإمام “عجل الله تعالى فرجه الشريف، طارحين بذلك العديد من الروايات والأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام بهذا الخصوص.
⭐ في ثنايا التفكير لدى الإتجاه الرسالي في الأمة يستند القائلون بضرورة الجهاد لمقارعة جبهة الفساد والظلم في الأمة على قاعدة وركيزة أساسية تتمثل في أنه لا يمكن تبرير التقاعس والخنوع والقبول بالظلم والفساد تحت ذريعة الإنتظار
لقد برزت بعض التيارات الفكرية التي تبنت منهجاً ونمطاً آخر رأته مسؤوليتها الكبرى في زمن الغَيبة يتلخص في ضرورة مجابهة الإنحراف في الأمة بما تتطلبه من مسؤولية أخلاقية وحضارية تقوم على أساس فهم مختلف لمسؤولية ودور الأمة تجاه الإمام الغائب والمنتظر “عجل الله تعالى فرجه الشريف”، ويستند أصحاب هذا الإتجاه الفكري في الأمة على أن الأمة لابد أن تقوم بواجباتها في إقامة العدل في المجتمع الإنساني كمسؤولية شرعية يقضتيها الإيمان والفهم العميق بأن رسالتنا في زمن الغيبة الكبرى ما هي إلا فرصة لتجسيد المسؤولية الكبرى التي سيضطلع بها الإمام المهدي “عجل الله تعالى فرجه الشريف” عند ظهوره الشريف من إقامة العدل ودحر الجور والظلم عن العالم.
وفي ثنايا التفكير لدى الإتجاه الرسالي في الأمة يستند القائلون بضرورة الجهاد لمقارعة جبهة الفساد والظلم في الأمة على قاعدة وركيزة أساسية تتمثل في أنه لا يمكن تبرير التقاعس والخنوع والقبول بالظلم والفساد تحت ذريعة الإنتظار خاصة لإمام يَعتقد الجميع بأن مسؤوليته الكبرى إقامة العدل والقسط في ربوع العالم وما يعنيه من تحمل مسؤولية الإصلاح في هذا العالم وما يقتضيه من ضرورة مواجهة بل ومجابهة الفساد والظلم وأدواته.
ولذلك فإن مجابهة الفساد والظلم لابد أن تكون هي قاعدة التواصل والترابط الأساسية بين الأمة والإمام الغائب لإعتبارين أساسين وهما:
الإعتبار الأول: إن مجابهة الظلم والفساد وإقامة القسط والعدل في المجتمع الإنساني هي رسالة الإمام المنتظر “عجل الله تعالى فرجه الشريف” الأولى والنهائية ولذلك لابد من إعتمادها كمنهج وتحمل المسؤولية الإخلاقية والشرعية على ضوء معطياتها.
أما الإعتبار الثاني: إن الإمام “عجل الله تعالى فرجه الشريف” بإعتبارها قائداً وإماماً قائماً فلابد من أن يكون نمط الإرتباط به كقائد للأمة وما يتطلبه ذلك من تحمل مسؤولية تكريس نهجه وتطلعاته في بسط العدل ونشر القسط في العالم.