ماذا تعني هذه العبارة في أيام أربعينية الامام الحسين، عليه السلام، وما فيها من ذكريات السبي الأليمة، والدروس والعبر العظيمة في مواجهة الطغيان والانحراف؟
تذكرني بأيام الصبا في المدارس الابتدائية كيف يتوعد التلميذ زميله بأن يلقنه درساً – غير الدروس في المدرسة!- بعد انتهاء الدوام وعند الخروج من باب المدرسة، رداً على مشاكسته، كأن أوقعه ارضاً، او سلب منه قلمه او شيئاً من الطعام وغير ذلك، كما هي الحالة مستمرة حتى اليوم.
📌 انه لأمر مؤسف بما لا حدّ له بأن نصل الى هذا المستوى الضحل في رؤيتنا وفهمنا للقضية الحسينية بأن نؤجل تصفية الحسابات فيما بيننا على المناصب والمكاسب المالية الى ما بعد الزيارة الاربعينية
انه لأمر مؤسف بما لا حدّ له بأن نصل الى هذا المستوى الضحل في رؤيتنا وفهمنا للقضية الحسينية بأن نؤجل تصفية الحسابات فيما بيننا على المناصب والمكاسب المالية الى ما بعد الزيارة الاربعينية.
وحتى أحسن الظن وأكون ايجابي، ربما يكون هذا من حرص المتخاصمين على سلامة الزيارة والزائرين من تعرضهم لشضايا المواجهة؛ مادياً (النار) ومعنوياً(الضغوط النفسية)، ولكن!
لن يكون هذا تبريراً بالمرة لتكرار هذه المقولة من شريحة تدّعي الثقافة والوعي وتحمل مسؤولية الإصلاح والتغيير في ضوء مبادئ عاشوراء، فالقتلى من هذا الطرف او ذاك (المخالف) يُحملون على أكفّ المُشيعين في مقصد واحد نحو حرم الامام الحسين، وأخيه أبي الفضل العباس، كمرسوم أجتماعي وعقدي يلتزم به الجميع دون استثناء، والجميع يهتف بالوصل بين القضية التي قُتل من أجلها صاحب الجنازة، وبين قضية الامام الحسين، عليه السلام.
هلّا سأل أحدنا نفسه، هل نحن حقّاً على طريق الامام الحسين؟
يكفي أن تهزّنا حقيقة منجز حسيني واحد وهو؛ توحيد الانسانية كلها على مبدأ الحرية والكرامة والتصدّي للظلم والانحراف، لنعرف حجم المسافة بيننا، كعراقيين ندّعي التشيّع، و مدرسة أهل البيت، عليهم السلام.
من المؤسف أن يجتمع المسيحي والصابئي والهندوسي والبوذي، فضلاً عن ابناء المذاهب الاسلامية في مسيرة المشي الى كربلاء يوم الأربعين، بينما يتفرق بعض الشيعة تحت عناوين مختلفة، وينتظرون انتهاء هذه الزيارة ليتفرغوا لتصفية الحسابات بينهم، كما لو أن هذه الزيارة تحولت الى عبئ عليهم!
حصل هذا قبل ثلاثة أعوام ولم تثر المسألة أحد مطلقاً، و مرت مرور الكرام، ورأينا كيف تجسدت مفاهيم و مبادئ الثورة الحسينية خلال أحداث الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومة والنظام السياسي؟ ويتكرر الأمر ثانية خلال الاحداث الاخيرة، وبشكل غريب.
اذا كنّا حسينيين حقيقيين، و نريد تجسيد أهداف النهضة الحسينية في واقعنا الاجتماعي والسياسي، فالزيارة خير فرصة لأن تتحول الى تيار جارف يجتث الفساد والانحراف من جذوره، او على الاقل يشكل خطراً على المحاصصة السياسية، وعلى منظومة تقاسم السلطة والثروة، ففي أيام النظام الديكتاتوري الحزبي والفردي، جربت الجماهير استخدام الخطاب الحسيني لمواجهة ظلم السلطة وجورها، واليوم بالامكان تجربة الخطاب الحسيني لتحقيق الإصلاح في بلد يفترض ان يرفل في ظل نظام ديمقراطي (برلماني)، ومحاربة الفساد والانحراف، إلا اللهم اذا كان محاربة الفساد بوسائل نبتكرها نحن لانفسنا، وبالشكل الذي يلبي رغباتنا ويرضي نفوسنا، ونجدها لا تتناسب مع أجواء الزيارة الاربعينية!
قبل التفكير بإصلاح الحكومة والقضاء والبرلمان والقوانين والدستور، اعتقد أننا في حاجة شديدة لإصلاح انفسنا بوقفة تأمّل وصمت، ثم مطابقة ما جرى في كربلاء عام 61للهجرة، وما نحن عليه عام 1444، علماً أن مجرد رؤية الفارق الزمني الهائل والمريع بيننا وبين واقعة الطف، يبعث في النفس الخيبة بوجود أمل في الأفق، ولكن الارادة والعزيمة عن إيمان تكفي للعودة الى طريق الامام الحسين، والى ما ضحى من أجله وصنع هذا المشهد الحضاري الخالد.
📌 قبل التفكير بإصلاح الحكومة والقضاء والبرلمان والقوانين والدستور، اعتقد أننا في حاجة شديدة لإصلاح انفسنا بوقفة تأمّل وصمت، ثم مطابقة ما جرى في كربلاء عام 61للهجرة، وما نحن عليه عام 1444،
إنّ النقطة المحورية في قضية الامام الحسين، عليه السلام؛ الله ـ تعالى- فقط، فهو لم يحمل قضية شخصية، او طموح سياسي كإمام معصوم، وابن إمام مارس الحكم لفترة من الزمن، وهو ابن بنت نبي، بل هو مرشح من قبل جمهور عريض في مدينة مثل الكوفة لأن يكون القائد المُطاع بجدارة، كل هذه الاعتبارات كانت بعيدة عن كربلاء، إلا قيم السماء وأحكام الدين التي تجسّدت في الحرية والمساواة والكرامة وتحقيق السعادة الحقيقية، وهذا مصداق القول: بأن “الحسين أعطى كل شيء لله فأعطاه الله كل شيء”.
أمامنا حوالي عشرة أيام حتى يوم العشرين من صفر، وأربعين الامام الحسين، عليه السلام، والزائرون يحثّون الخطى من أقصى بقاع العالم للوصول الى مرقد الامام الحسين، فالجميع في حركة سريعة لا كلل فيها ولا ملل، فهل “الساسة” ودعاة الإصلاح والتغيير يتحركون ايضاً، أم هم في حال آخر؟