ثقافة رسالية

مقومات الحياة الطيبة (١) الأمن

قال تعالى:  {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.

الشريعة الإسلامية عندما نزلت أرادت أن توفر للبشرية حياة طيبة وذلك عبر عدة مقومات قد تكفلت ببيانها والإرشاد إليها وتوضيح سبل الحصول عليها.

ومن تلك المقومات؛ الأمن، ذلك العنصر المهم في الحياة، فإذا فُقد فإن صفو الحياة يتعكر، وتُسلب الراحة والسعادة منها.

فمن أراد أن يعيش حياة طيبة يحتاج إلى أن يشعر بالأمان، فكيف يا تُرى يحصل على الأمن؟

ان من أهم مصادر الأمن هو الإيمان، كما تصرح بذلك الآية الآنفة الذكر، حيث ان الإنسان إذا كان مؤمناً بالله حقاً فإنه يشعر بالأمن والأمان ولا يخاف من شيء، كما في الحديث الشريف: “من خاف من الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخفِ الله أخافه الله من كل شيء”. فمن سنن الله في الأرض أنه قد جعل الإيمان سبباً للأمان وعدم الخوف.

📌 من أهم مصادر الأمن هو الإيمان، كما تصرح بذلك الآية الآنفة الذكر، حيث ان الإنسان إذا كان مؤمناً بالله حقاً فإنه يشعر بالأمن والأمان

دعونا نبين ما هي موارد الخوف والتي تسلب الأمن من الحياة وكيف يمكن معالجتها بالإيمان؟

ومن تلك الموارد هي:

١- الخوف من الطبيعة.

٢- الخوف من الطغاة والمستكبرين.

٣- الخوف من المستقبل.

٤- الخوف من الفقر.

ففي المورد الأول مثلاً، وهو الخوف من الطبيعة ويكون ذلك الخوف من الكوارث الطبيعية؛ كالزلازل، والفيضانات وما أشبه، ومن خطر الوحوش، ومخلوقات الطبيعة الأخرى وغيرها من البلاءات التي قد تحدث.

وذلك يمكن معالجته بالإيمان، حيث أن المؤمن يكون في مأمن من تلك المخاطر والكوارث الطبيعية، حيث أن الكون قد خُلق ونُظّم على سنن ثابتة ومنها الإيمان بالله، فمن يؤمن بالله فإن كل ما في الكون يكون في خدمته، ومن يكفر بالله فإن كل ما في الكون سيخالفه ويكون ضده، ويكون عرضة لنزول البلاء والعقاب الإلهي الذي قد يتمثل في الكوارث الطبيعية أو ما أشبه، حيث يقول ـ تعالى ـ : {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}.

أما من يؤمن فإن الله ـ تعالى ـ يقول: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ}، فهولاء قد نفعهم إيمانهم وانجاهم من العذاب.

فهكذا أن الإيمان بالله ـ عزوجل ـ يعطي للإنسان الأمن من المخاطر ويجنبه غضب الله وعقابه، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

أما المورد الثاني وهو الخوف من الطغاة والمستكبرين، فايضاً بالإيمان نحصل على الأمان حيث يقول الله ـ تعالى ـ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، فكيف يخاف المؤمن وهو يعلم أن الله هو الذي يدافع عنه وهو الذي ينصره، {إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، فإن المؤمنين لا يخافون من أحد ابداً، فبإيمانهم بالله ـ عزوجل ـ يرجون إحدى الحسنيين. {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}. فهذا الشيء يجعلهم يقدمون ولا يخافون أحد ولا يهابون شيء.

أما المورد الثالث وهو الخوف من المستقبل، فإنه يسبب قلق للإنسان وعدم اطمئنان وبالتالي لا يشعر بالأمان، ومعالجة ذلك يكون بالإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه، حيث يقول الله ـ عزوجل ـ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وأيضاً: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وأيضاً {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

والمورد الرابع وهو الخوف من الفقر، أيضاً يكون علاجه بالإيمان بأن الله هو الرزاق وقد أكدت الآيات القرآنية على ذلك، فلماذا القلق والخوف؟

ومن تلك الآيات: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

📌 المؤمن الحقيقي هو من يلتزم بتلك القوانين والأحكام التي يشرعها الدين، والتي تحد من الجريمة بكل أنواعها وترفصها وتمنع من وقوعها، من أجل أن يعيش الناس بأمن واستقرار في ظل الدين الإسلامي

وكذلك يقول ـ تعالى ـ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. وأيضاً؛  {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}.

إن جوهر الأمن هو حالة الاطمئنان والاستقرار الداخلي والذي يتحصل بالإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

وأما ظاهره فهو حالة الاستقرار الأمني في المجتمع والذي يأتي من خلال الالتزام بالاحكام والقوانين والتشريعات التي جاء بها الدين الإسلامي، والتي تصون حرمة الإنسان وتحافظ عليه وعلى ما يملك.

وطبعاً المؤمن الحقيقي هو من يلتزم بتلك القوانين والأحكام التي يشرعها الدين، والتي تحد من الجريمة بكل أنواعها وترفصها وتمنع من وقوعها، من أجل أن يعيش الناس بأمن واستقرار في ظل الدين الإسلامي.

فإذا توفر ذلك الاطمئنان الداخلي فإنه ينعكس على واقع الإنسان وخارجه وبالتالي يصير يعيش بأمان وعنئذ يكون قد حصل لديه أحد مقومات الحياة الطيبة.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا