تربیة و تعلیم

هل توجد بركة في حياتنا؟*

قال ـ تعالى ـ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

إذا طُلب منك أن تحول الزمان الى شيء ملموس ومجسّم، فهل الزمان ذو بعد واحد أم أنه ذو ابعاد مختلفة؟

البحث عن الأبعاد المختلفة للمال، وللوقت وما اشبه سؤال جوهري في هذه الحياة، لأن الانسان يعيش مرة واحدة، ولا يمكن أن يعود الى هذه الدنيا مرة أخرى، “يا ابن آدم إنما أنت ايام فإذا ذهبت أيام ذهب بعضك”.

وتخطابنا الأيام قائلةً: يا ابن آدم أنا يوم جديد وغداً عليك شهيد فقل فيَّ خيراً واعمل فيَّ خيرا فإنك لن تراني بعد ذلك أبدا.

كثيرون حاولوا أن يعيشوا في هذه الدنيا خالدين، فالبعض بنى الأهرامات، واكتشفوا طرقا لتحنيط البدن، وطوروا الجينات الوراثية، وعملوا مختلف الاعمال، وهناك من جمع الاموال كما يصف ذلك القرآن الكريم: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}، كل هؤلاء سعوا لأن يبقوا خالدين في هذه الحياة، ولكن هل حقّق أحد منهم ذلك؟

فإذا  كان الأمر ان الإنسان لا يمكن أن يبقى في الدينا خالداً، فهل يمكن أن يستفيد من المال، والعُمر، والوقت، بشكل آخر وبأبعاد مختلفة؟ كي نعيش، ونجني، أكثر، ولنعيش حياة مباركة.

حين نعود الى القرآن الكريم والى واقع حياتنا نجد أن الامور كلها على هذه الشاكلة، فمرة ربنا يتحدث عن زمانٍ مبارك، ومرة أخرى عن مكانٍ مبارك، {الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}

حينما نتحدث عن البركة والعمل، إنما يكون ذلك بأبعاد متعددة، ولهذا ترى الكثير يتعامل مع الزمان ببعد واحد، فعقارب الساعة نراها ذو بُعدٍ واحد، بينما الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا ينظر الى الأمور بهذه النظرة، فحين يجعل ـ تعالى ـ في الامور بركة نجد الأمر مختلف تمام.

 فمثلا؛ فتجد أن الزمان المعتاد يكون غيره، فالله ـ تعالى ـ حين أنزل الكتاب في تلك الليلة المباركة أصبحت: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، فالساعات في هذه الليلة أصبحت ألف ساعة.

وحين نعود الى القرآن الكريم والى واقع حياتنا نجد أن الامور كلها على هذه الشاكلة، فمرة ربنا يتحدث عن زمانٍ مبارك، ومرة أخرى عن مكانٍ مبارك، {الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، أو الوادي المقدس، أو مكة المكرمة التي اصبحت ارض مباركة، فالصلاة في الحرم المكي تعدل ألف ركعة في غيره من المساجد، وكذا فإن الصلاة في حرم الإمام الحسين، عليه السلام، تكون مضاعفة للبركة التي بذلك المكان.

فالله حين يبارك المال يكون مضاعفا: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}، ومصاديق الاماكن المباركة كثيرة، فترى مسجدا، أو حسينية مباركة، وقد ترى حسينية أو مسجدا ممقوتا لا بركة فيه.

🔶 كيف نعيش مباركين؟

فالبحث عن البركة أمر مهم، فكيف نعيش مباركين في شتى مجالات الحياة؟

عن الصادق، عن أبيه، عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: “صلى بنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، صلاة العصر فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك كبرا وضعفا، فأقبل عليه رسول الله، صلى الله عليه وآله، يستحثه الخبر فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فأرشني.

فقال، صلى الله عليه وآله: ما أجد لك شيئا ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة، وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه.

فإذا حكمت العدالة في بلد ما نزلت البركة وحلّت في كل شيء، سواء كان ذلك في دولة اسلامية، أم غيره، لأن هذه سنّة الله، {فلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}

 وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة، فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل، من عند رب العالمين فقالت فاطمة: وعليك السلام فمن أنت يا هذا؟

 قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجرا من شقة وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكبد فواسيني يرحمك الله، وكان لفاطمة وعلي في تلك الحال ورسول الله، صلى الله عليه وآله، ثلاثا ما طعموا فيها طعاما، وقد علم رسول الله، صلى الله عليه وآله، ذلك من شأنهما.

فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين فقالت: خذ هذا أيها الطارق! فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه، قال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب.

قال: فعمدت لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي فقالت:

خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه، فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله والنبي، صلى الله عليه وآله، جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة هذا العقد فقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك.

قال: فبكى النبي، صلى الله عليه وآله، وقال: وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.

فقام عمار بن ياسر رحمة الله عليه فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتره يا عمار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم الله بالنار، فقال عمار: بكم العقد يا أعرابي؟

 قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية أستر بها عورتي واصلي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي، وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله، صلى الله عليه وآله، من خيبر ولم يبق منه شيئا فقال: لك عشرون دينارا ومأتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك وشبعك من خبز البر واللحم.

فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال أيها الرجل، وانطلق به عمار فوفاه ما ضمن له.

وعاد الأعرابي إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أشبعت واكتسيت؟

 قال الأعرابي: نعم واستغنيت بأبي أنت وأمي، قال: فأجز فاطمة بصنيعها فقال الأعرابي: اللهم إنك إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك وأنت رازقنا على كل الجهات اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت”.

فعـمد عـمار إلى العـقـد فـطيبه بالمسك ولفه في بردة يمانية وكان له عـبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر فدفع العـقـد إلى المملوك وقال له خذ هذا العـقـد فادفعه إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأنت له .

فأخذ المملوك العـقـد فأتى به رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأخـبره بقول عـمار فقال النبي، صلى الله عليه وآله: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العـقـد وأنت لها .

فجاء سهم بالعـقـد وأخبرها بقول رسول الله، صلى الله عليه وآله، فأخذت فاطمة العـقـد وأعـتـقت سهماً المملوك.

فضحك الغلام سهم فقالت فاطمة،عليها السلام،ما يضحكك يا غلام؟

فقال سهم: أضحكني عِـظًمُ بركة هذا العـقـد أشبع جائعاً وكسى عـرياناً وأغـنى فقيراً وأعـتـق عـبداً ورجع إلى صاحبه.

فالبركة قد لا تكون بالضرورة في الزيادة، فقد تكون الزيارة وبال على الانسان، يقول الله ـ تعالى ـ في حديث قدسي: جعلت الرضا في القناعة والناس يطلبونه في الزيادة فلا يجدونه”.

🔶 أسباب البركة

اولا: هناك مجموعة من الآداب والسنن والتي تسمى بالمستحبات والمكروهات، والتي لابد أن نحاول تطبيقها في حياتنا، فالإنسان في بداية حياته، حينما يتعود على العادات الخيّرة فإنها تبقى معه مدى الحياة.

يقول السيد المرجع المدرسي: “درست كتاب حلية المتقين وكان عمري ست سنوات ولا زلت استفيد منه وانا بعمر الخامسة والسبعين سنة”.

كثير منا نسي دروس الكيمياء والفيزياء وغيرها التي درسها في الابتدائية وما بعدها، لانه لا فائدة منها إلا إذا كان سيتخصص في مجال معين منها.

وحين نقرأ كتاب “حلية المتقين” وغيره من سائر كتب الآداب والسنن، ونطبقها على في حياتنا اليومية، فإن الحياة تتغير الى الافضل والاحسن، فعلماؤنا يعيشون حياة طيبة وسعيدة مع زهدهم في ملذات الدنيا، لأنهم التزموا بتلك الآداب والسنن.

وجزء كبير من المستحبات تضفي البركة على حياة الانسان، فمثلا تحث الروايات أن على الانسان ان يبدأ كل عمل: “ببسم الله الرحمن الرحيم”،  قال اللّٰه جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي و حقّ علي أن أُتمم له أموره و أُبارك له في أحواله. فليس صعبا ان يبدأ الانسان كل عمل “ببسم الله”.

من الأمور التي تجلب البركة؛ إفشاء السلام، وكانت هذه الميزة من اخلاق النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، حتى أن حين كان يمشي كان يسلّم على الاطفال.

والرفق ايضا يجلب البركة، وللأسف ترى البعض في مجتمعنا أن تعامله مع الناس يكون بغلظة وخشونة، بينما الاسلام يريد الانسان ان يكون هشٌ بش، خصوصا في المعاملات التجارية.

ومن الأمور المهمة التي تضفي البركة في البيت، قراءة القرآن الكريم، قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَيهِ السَّلام: “الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُذْكَرُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيُضِي‏ءُ لأهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِي‏ءُ الْكَوَاكِبُ لأهْلِ الأرْضِ وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَلا يُذْكَرُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ وَتَهْجُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ”.

🔶 ثانيا: تطبيق المنهج الالهي:

عن امير المؤمنين، عليه السلام: “إن الناس يستغنون إذا عُدل بينهم وتنزل السماء رزقها وتخرج الارض بركاتها بإذن الله”.

فإذا حكمت العدالة في بلد ما نزلت البركة وحلّت في كل شيء، سواء كان ذلك في دولة اسلامية، أم غيره، لأن هذه سنّة الله، {فلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}.

من الأمور المهمة التي تضفي البركة في البيت، قراءة القرآن الكريم، قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَيهِ السَّلام: “الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُذْكَرُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ..

ولذا فإن تطبيق المنهج الإلهي مهم جداً في نزول البركات، ومن خطبة الزهراء، عليها السلام، بعد أن زرنها نساء الهاجرين والانصار، تقول عليها السلام: “وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه، ولا يكل سائره، ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا”.

بعض القوانين في بلادنا تخالف احكام الله، وحين نقف ـ مثلا ـ أمام قوانين الاحوال المدنية، أو قانون العنف الاسري الذي يراد ادخاله في القانون، فنحن نرى أنهم يسيرون في طريق مخالفة احكام الله، فعلى أي اساس تعطى الحضانة للأم؟

🔶 الثالث: الدخول في دعاء المعصومين

 مرَّ النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، ذات يوم فشاهد، عبد الله بن جعفر وهو صغير يصنع من الطين فخارة.

فسأله النبي قائلاً: “يا بني ما تصنع بها؟

 قال: ابيعها.

قال: وما تصنع بثمنها؟

 قال: اشتري به تمراً فاكله، فابتسم النبي ودعا له قائلاً: “اللهم بارك له في صفقة يمينة” ومن هنا يروى بان عبد الله بن جعفر لم يخسر بأي صفقة تجارية في حياته بل كان يربح بها، وذلك من بركات دعاء النبي صلى الله عليه وآله.

اليوم؛ نحن نفتقد النبي الأكرم، ولكن خليفته ووصيه موجود، وهو حي يرانا ويدعو لنا، وهو الإمام المنتظر، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، ولذا يجب أن نسعى لنكون ممن يدعو لهم الإمام الحجّة، وبهذا ينال الانسان البركة العجيبة في حياته؛ كأن يكون زواج الانسان مبارك، وامواله مباركة، وما اشبه.


  • اعداد هيأة التحرير.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا