رأي

الانفجار السكاني أم انفجار الفساد؟

حذرتنا الأمم المتحدة مؤخراً من احتمال “انفجار سكاني” بسبب الاقبال المتزايد على الزواج وتشكيل الأسرة، ثم الرغبة في الانجاب، وهو ما يسبب “بمضاعفة شريحة الشباب إلى أكثر من 60 بالمئة من سكان العراق”! وعليه اقترحت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، ريتا كولومبيا، على العوائل العراقية “الاهتمام بمواضيع تنظيم الأسرة وتمكين الشباب وتعزيز برامج الصحة الإنجابية…”!

ربما تكون المرة الاولى التي تتدخل فيها المنظمة الدولية في موضوع كهذا ضمن اهتمامها بالشأن العراقي، وهو موضوع غاية في الحساسية، يتعلق بثقافة شعب، ونظام اجتماعي عمره حوالي اربعة عشر قرناً، فضلاً عن الاشارة الأممية في التقرير الى “التنمية”، و”الفقر”، وتغافله بشكل غريب عن امتلاك العراق لثروات وقدرات هائلة، ولا اعتقد أن مكتب صندوق الاسكان الأممي في بغداد يعجز عن الوصول الى معلومة بسيطة عبر بحث “كوكل” لمعرفة أن في شهر كانون الاول من العام الماضي فقط صدر العراق ما قيمته 70مليار دولار من النفط، وهو رقم هائل بالنسبة لبلد في حجم العراق و نسبة سكانه الاربعين مليون، و ربما يفوق هذا الرقم موزانة عام كامل لدول فقيرة في العالم.

الأمم المتحدة، والعواصم المعنية، وتحديداً؛ واشنطن ولندن وباريس يعلمون علم اليقين أن بإمكان كل فرد عراقي التمتع بأفضل سبل الحياة التي يتمناها كل انسان في العالم

التقرير يلوّح للعراقيين ـ في هذه المرحلة – بضرورة الالتزام بتنظيم الأسرة (منع الحمل) عبر الوسائل المتاحة وعدم إطلاق العنان للانجاب مما يمكن ان يسبب بـ”انفجار سكاني”!

الخبر مر مرور الكرام، سوى ما صدر من رد لوزارة التخطيط العراقية على لسان المتحدث باسمها؛ عبد الزهرة الهنداوي مستنكراً على التقرير الأممي استخدام مصطلح “الانفجار السكاني”، بانه “غير سليم لوضع مماثل لوضع العراق”، في حين أن التقرير يشكل تدخلاً سافراً وخطيراً في شأن داخلي بحت، يستدعي الرد و تبيين الحقائق؛ ليس للمنظمة الدولية، فقط، وإنما للرأي العام العالمي.

فالعراق من الناحية الاقتصادية لا يشبه مطلقاً دولاً في اميركا الجنوبية، او القارة الافريقية، او في جنوب شرق آسيا، حيث التزايد في الانجاب وارتفاع عدد السكان مع فقدان للموارد المالية، والبرامج الاقتصادية، فضلاً عن تدني المستوى الثقافي والعلمي، إنما مشكلة العراق الأزلية من الناحية السياسية وهو ما لا نجده، ربما في تلك الدول الفقيرة، فالقائمون على النظام السياسي القائم متمسكون الى حد الموت بالفساد والمحاصصة ونهب ثروات البلد، فبعد سلسلة طويلة من التفجيرات الارهابية التي حصدت الآلاف من الابرياء في الاسواق والشوارع والمساجد والحسينيات، انطلق هؤلاء ليفجروا الفساد بشكل مُقرف وغريب، بلا خوف أو حرج، وباتت مقاطع الفيديو لشخصيات “سياسية” تعترف بكل وقاحة باختلاسها وسرقتها للملايين والمليارات، منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الصغار والكبار، والأغرب من كل هذا، نجد حضوراً لهذه المنظمة الدولية بين هؤلاء “الساسة” لما يمكن ان نسميه: تقريب وجهات النظر لتشكيل الحكومة، وقبلها الاشراف على إجراء الانتخابات البرلمانية، بما يمكن وسمه بالدعم والمساعدة في إنجاح العملية الديمقراطية!

الأمم المتحدة، والعواصم المعنية، وتحديداً؛ واشنطن ولندن وباريس يعلمون علم اليقين أن بإمكان كل فرد عراقي التمتع بأفضل سبل الحياة التي يتمناها كل انسان في العالم؛ بأن تكون له فرصة عمل مضمونة وراقية، و سكن جميل وفخم، وسيارة فارهة، وتعليم وصحة وخدمات بأرقى ما يكون، حتى وإن بلغ سكان العراق 50 مليون نسمة، كما يعلمون جيداً أن السيطرة على الانجاب، وحتى خفض عدد سكان العراق لن يؤثر مطلقاً على الوضع الاقتصادي، ولن يقضي على الفقر، أو يحدّ من الهجرة بسبب وجود الاسباب الحقيقية وراء كل هذه الازمات.

الامر يستدعي المعنيين بالشأن الثقافي والمجتمعي للرد، ولكن؛ بطريقة مختلفة، بأن يكون العمل على نشر ثقافة العمل والجدّ والاجتهاد لكسب العلم والمعرفة ومختلف المهارات

هذا التقرير يمثل بداية، وربما يكون جسّ نبض للشارع العراقي لمعرفة ردود الفعل، بل ومعرفة نسبة المؤيدين لتحديد الانجاب، من المعارضين لهذه الفكرة، الامر الذي يستدعي المعنيين بالشأن الثقافي والمجتمعي للرد، ولكن؛ بطريقة مختلفة، بأن يكون العمل على نشر ثقافة العمل والجدّ والاجتهاد لكسب العلم والمعرفة ومختلف المهارات، ثم التمسك بمكارم الأخلاق، وما من شأنه تحويل الكثرة الى مصدر قوة اقتصادية تفرض نفسها على الواقع مهما كان سيئاً وفاسداً.

ثم الخطوة التكميلية والأكبر؛ التأثير على القرار الحكومي بمنح المزيد من فرص العمل والابداع للشباب بشكل خاص، ولعامة افراد الشعب بشكل عام، وإلا فان المجتمع العراقي لن يُترك لحاله وسط المتغيرات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية في العالم، و حتى لا يكون الغزو في عقر دارنا!

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا