الشعوب ذات الجذور الثقافية والحضارية تحتفل بذكريات تخصّ الجانب العقدي (الديني) أو الانساني (الاجتماعي) في جانب الفرح منه والحزن، وذلك في طقوس خاصة تعمّ الحياة العامة لتكون بمنزلة المدرسة لتربية الجيل الجديد على ما اختزنه الآباء واحتفظوا به من ذكريات ومواقف فتظهر على شكل احتفالات وفعاليات مختلفة، تشمل الخروج الى دور العبادة، ثم الى المناطق الخضراء وأحضان الطبيعة للتنزّه والاستجمام، كما هي الاعياد الدينية في العالم، وهنالك أعياد وايام بهيجة مثل؛ يوم الطفل، ويوم المرأة، وعيد الشجرة، وغيرها كثير، وايضاً مراسيم إحياء الذكريات المرّة في العالم، مثل إحياء ذكرى ضحايا الحروب، وفي بلادنا؛ إحياء ذكرى واقعة الطف وعاشوراء الامام الحسين، عليه السلام.
كل هذه تشترك في نقطة واحدة؛ بناء ثقافة الشعوب وتوجيهها الوجهة المطلوبة، وفي يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في السنة العاشرة للهجرة، سجل التاريخ لنا عيداً عظيماً وهو عيد الغدير حاملاً معه كل المعاني الانسانية والدينية، فهو عيدٌ عظيم بتأكيد الروايات الشريفة، بيد أنه ليس كعيد الأضحى والفطر المباركين، مستحب فيه الصيام، بينما هو منهيٌ عنه بشدة في العيدين، وهو عيد الولاية لأمير المؤمنين، عليه السلام، بما نستدلّ به على الطابع الديني، بيد أنه في الوقت نفسه ذو دلالة انسانية، لان غياب أمير المؤمنين، وغياب الغدير عن حياة الأمة تسبب في ضياع المسلمين و زجّهم في ظلمات متعاقبة لم يخرجوا منها حتى اليوم.
وعندما نحتفل بهذا اليوم في بعض بلدان العالم، فإننا نستذكر تلك المعاني والدروس والمناهج السامية التي حملها الغدير الى المسلمين والى البشرية جمعاء، ثم تسبب البعض في هدر هذه النعمة الإلهية العظيمة، وربما يسهم البعض الآن في هذا الهدر بشكل غريب ومريب حتى اليوم!
إذن ـ والحال هكذا- ألا يجدر بنا ملء الشوارع والهيئات والحسينيات والجوامع والمراكز الثقافية في كل مكان بكل ما يرمز الى الفرح والبهجة بهذه الذكرى العطرة؟
في أيام عاشوراء والاربعين، عرف الطفل الصغير السبب في مظاهر الحزن على الامام الحسين، عليه السلام، وعرف من يكون يزيد بن معاوية، ومن هو الشمر، ومن هم في الطرف المقابل مثل؛ العباس، والحر، وحبيب بن مظاهر وما الذي قاموا به، وما هي قضيتهم.
نفس هذه المعرفة يجب ان تُغرس في نفوس الصغار في طابعها البهيج هذه المرة، ولا ضير في الأمر فنحن أتباع أهل بيت رسول الله، نضع حديث الامام الصادق، عليه السلام، نصب العين: “شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا”، فليس من اللائق على مجتمع وشعب يجهل فيه الطفل او الشاب السبب في عدم التزام الناس قبل اربعة عشر قرناً بالبيعة لأمير المؤمنين بحضور نبيهم الكريم، وهو خاتم الانبياء والمرسلين، وأفضل الخلق اجمعين، وأن يجهلوا العلاقة بين الوضع الذي يعيشونه والوضع الذي خلقه المعارضون للغدير ولرسالة السماء في تلك الفترة.
فالقضية ليست تاريخية بحتة، إنما قضية انسانية بدرجة كبيرة -كما اسلفنا- وقد أكد العلماء والباحثين والمفكرين، المسلمين منهم وغير المسلمين على أن العالم بأسره خسر خسارة فادحة وعظيمة بإبعاد أمير المؤمنين عن الحكم، ولو لم تكن السقيفة والردّة على أوامر النبي والسماء، لكان العالم اليوم في مسار آخر، والحياة لم تكن رهينة للحروب والأزمات والكوارث البشرية، ولكان العدل والتسامح والحرية الحقيقية والكرامة الانسانية تعمّ البشرية جمعاء.