حينما يكون هنالك خطأ في مكان معين، فلا بد من معالجته في ذلك المكان، وإلا فلا ينفع أن تعالج المشكلة في غير مكانها، فلو افترضنا أنك أصبت بوجع في الرأس، فهل ينفعك ان تفرك أصابع يديك بمادة مسكّنة.
وكما في جسم الإنسان كذلك في جسم الأمة، فإذا كانت الأمة مصابة في روحيتها، فهل ينفع تغيير بعض الشكليات؟
لا شك أن للشكليات تأثيرها، وللقضية الادارية تأثيرها، ولنوعية الآليات التي نستخدمها تأثيرها أيضا، ولكن إذا كانت المشكلة في الروحية، فلن ينفع تغييرالشكليات، او الآليات، أو الاداريات.
إن كلا النظامين الملكي والجمهوري في بلادنا ـ لا أقول ذلك دفاعا عن النظام الملكي ولا ادانة للنظام الجمهوري ـ مجرد شكل في الوضع القائم، وإطار مفرغ من محتواه الحقيقي يستخدمه كل حاكم حسب حاجاته ورغباته، بينما المشكلة في حقيقة النظام لا في شكله، فرئيس الجمهورية المستبد لا يختلف عن الملك المستبد
مثلا: يتساءل البعض هل المشكلة في النظام الملكي، بحيث لو استبدلناه بنظام جمهوري تغيرت أوضاعنا الى الأصلح؟
ويجيب البعض بنعم، كأن المشكلة هي في الإطار العام للنظام، بينما المشكلة الحقيقة تكمن في الوضعية.
غير أن كلا النظامين الملكي والجمهوري في بلادنا ـ لا أقول ذلك دفاعا عن النظام الملكي ولا ادانة للنظام الجمهوري ـ مجرد شكل في الوضع القائم، وإطار مفرغ من محتواه الحقيقي يستخدمه كل حاكم حسب حاجاته ورغباته، بينما المشكلة في حقيقة النظام لا في شكله، فرئيس الجمهورية المستبد لا يختلف عن الملك المستبد.
هنالك مشكلتان رئيسيتان هما: روحية الخضوع في المحكوم، و روحية الاستبداد في الحاكم.
فنفوس الكثيرين تحكمها روحية النهب، فإذا كان الحاكم ملكا نهب الناس، وقتلهم، وإذا كان رئيسا للجمهورية نهبهم وقتلهم أيضا، المشكلة في روحية الاستئثار ولا فرق في الأسماء، أو أن يكون الحاكم ملكا يستأثر أو رئيسا للجمهورية يفعل ذلك، ولا فرق في الأنظمة سواء سميناها تقدمية أم رجعية، وكما يقول الشهيد السيد حسن الشيرازي:
والاشتراكيون أضحوا بروجُاً
زِييّن في جمع الثراء سواءُ
إن الذي يستأثر فيما الناس فيه سواسية يكون ظالما، سواء كانت اللافتة المعلقة فوق رأسه لافتة ملكية أم لافتة جمهورية، وسواء كانت الألقاب التي تسبق اسمه تختص بالملوك، أم تختص برؤساء الجمهوريات، ولا فرق أن يكون على رأسه العقال، او التاج أو أي شيء آخر.
لقد عمل رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما بُعث الى العرب في عصر الجاهلية على تغيير روحياتهم، وبناء نفوسهم؛ فدفع العبيد وشجعهم على التحرر من الخضوع والعبودية لأسيادهم، وكذلك أخذ بأيدي الأسياد وخلصهم من روحية الاستعلاء واستعباد الناس
وفي الامة هنالك روحية الخضوع، أي روحية القبول بالدونية وتقبل الظلم، والسكوت عن الظالم. وهكذا فإن المشكلة هي مشكلة روحية، ولكي تتبدل الأوضاع لا بد أن تتبدل هذه الروحية كي تتغير الاوضاع في كل مكان.
إن الوضع يشبه مجموعة من اسلاك ليس فيها طاقة، فكل ما بدلت هذه الاسلاك وغيرتها لن تحصل من ورائها على الانارة مثلا، فالطاقة الكهربائية منقطعة عنها، وأي اصلاح لايتناول دفع الطاقة الكهربائية في الاسلاك لن يصلح الخلل، ولن تفيدك الشركة المصنعة للاسلاك أكانت شركة مشهورة وذات انتاج متين، أو أنها كانت شركة ذات انتاح سيء.
المشكلة أن الامة لا تملك الطاقة الحضارية التي تدفعها باتجاه الاصلح، فلا تمتلك روحية النهضة، وقبول الحق، وفرض الحق على من لا يقبله، سواء كان حاكما أم محكوما، فردا أم جماعة، ومع قطع النظر عن الاسماء.
لقد عمل رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما بُعث الى العرب في عصر الجاهلية على تغيير روحياتهم، وبناء نفوسهم؛ فدفع العبيد وشجعهم على التحرر من الخضوع والعبودية لأسيادهم، وكذلك أخذ بأيدي الأسياد وخلصهم من روحية الاستعلاء واستعباد الناس، وبذلك كان، صلى الله عليه وآله، ينقذهم من التسافل في درك الجاهلية، يقول الله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}، ولولا رسول الله، لاستمر هؤلاء في جهلهم وغيّهم، ولما استطاعوا ان يبنوا حضارة عريقة.
إنّ روحية الاستبداد من جهة، وروحية الخضوع والخنوع من جهة أخرى هما مدمران للحضارة والبناء الحضاري، والتخلص منهما كفيل بإعاجة تقويم البناء الحضاري.
هنا المشكلة ومن هنا يبدأ الحل، و {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.