الأهداف العليا تكون في الغالب واضحة عند الإنسان، فهو يريد حياة سعيدة، ويريد أن يكون إنسانا مهذبا ذا أخلاق طيبة، ويبحث عن زوجة صالحة، وذرية طيبة، وهذه أهداف مشروعة وواضحة عند كل إنسان. ولكن لماذا بعض الناس يشقون والآخرون يسعدون؟
ولماذا البعض يحققون أهداف، والبعض الآخر يفشلون؟
تكمن المشكلة في ذلك؛ في السُبل والطرق لتحقيق الهدف المنشود، وكثير من الناس يتحركون بالعكس تماما في الطريق الذي يوصلهم الى الهدف، ولهذا نحن ندعو الله تعالى في كل يوم خمس مرات اثناء الصلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
والسؤال هنا ما هو السبيل الى الاهداف؟
قبل الاجابة على هذا السؤال لابد من بيان تفسير كلمتين:
(الخيبة) و ( الفلاح)
يقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، فالخيبة ليست ضد الفلاح، كما في كلمتي (السعادة) و (الشقاء)، فالفلاح هو أن يصل الإنسان الى أهدافه، وهذه الكلمة مرادفة لكلمات أخرى، كالنجاح والسعادة..، أما الخيبة فهي عكس الفلاح، فهناك من سعى وبذل جهده وفي الأخير لم يحصل على شيء. والمشكلة أن هذا الخايب لم يكن حبيس داره، بل سعى وتعب، ومن ثم لم يحصل على شيء.
والطريق الى تحقيق الأهداف هو نفس الإنسان، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}، فمن يسيطر على نفسه ويصلحها يصل الى أهدافه، فالعقل إذا كان هو المسيّر للإنسان في رحلته لتحقيق أهدافه فسيكون نصيبه الفلاح، أما إذا غلّب هواه، فسيقوده الى الخيبة.
تزكية النفس بداية النجاح في حياة الإنسان، يقول الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله: “النفس أخبث الدواب إن لم تُعقل حارت”، فإذا لم يتحكم الإنسان في نفسه فستجره الى الأهداف غير المشروعة.
الطيغان يسبب الهلاك، وتوجد علاقة فيزيائية بين الطيغان والاسراف والتبذير من جهة، ونزول العذاب من جهة أخرى، يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، فإذا أبقى الانسان على نفسه في وحل الشهوات، فسيبقى في الحضيض، ولذا فإن عليه أن ينتشلها من ذلك الوحل، ولهذا ترى الإنسان الموغل في الشهوات عندما يسعى خلف هدف ليحققه، يرجع خائبا، مثل الذي يدخل في التجارة دون معرفة بالحلال والحرام، يقول المثل العربي: من يعيش بالحيلة يموت بالفقر.
-
لماذا يطغى الإنسان؟
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، قوم ثمود وهي احدى القبائل جنوب الجزيرة العربية، وصلوا الى مرحلة الطغيان، ومعنى الطيغان: الخروج عن الحد اللازم، ولهذا فإن لكل شيء حداً وإذا تجاوز الإنسان هذا الحد سُمي طاغيا، ومن هنا قد يطغى الفرد في الطعام، فيأكل أكثر من حاجته، ويطغى في الشرب، فيشرب الماء أكثر مما يحتاج، ومشكلة البشر حينما يحصل على المال والراحة تأتيه حالة الطغيان.
يقول الإمام علي عليه السلام: “ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيّع”، فالمجتمع حينما يصل الى حد الإسراف تتداعى حالات أخرى من هذا الإسراف؛ منها الطغيان وتضييع حقوق الناس، فالإنسان الذي يسعى للحصول على الاموال الكثيرة، دون الإلتفات الى مصدر هذه الأموال، فإنه أولا؛ يسرف فيها ولا يضع حداً لإنفاقه، ويضيع حقوق الآخرين ثانياً.
والطيغان يسبب الهلاك، وتوجد علاقة فيزيائية بين الطيغان والاسراف والتبذير من جهة، ونزول العذاب من جهة أخرى، يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
فقبل إهلاك قوم ثمود أرسل الله تعالى نبي الله صالح، عليه السلام، لإرجاعهم الى الطريق السوي، وتحذيرهم من عذاب الله، بأن أعمالهم ستؤول بهم الى سخط الله وعذابه.
لكنهم أبوا إلا الطغيان، بعد أن جُعل امتحانهم في الناقة التي كانت معجزة نبي الله صالح على صدق رسالته، فعقروا تلك الناقة فاستحقوا عذاب الله تعالى، وإذا كان الله جل شأنه قد انتقم لناقته التي نسبت إليه كمعجزة لاولئك القوم، فكيف لا ينتقم لدم مؤمن يراق بغير حق؟
وكيف لا ينتقم الله لمقدساته؟
من هنا فإن الإنسان أو المجتمع الذي يسعى لتحقيق أهدافه العليا المشروعة، عليه أن يتخذ الوسائل الصحيحة والسليمة في الوصول الى أهدافه، ومما يعرقل المسير الصحيح، هو الطغيان والتبذير والإسراف.
——————————-
- مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي بتاريخ 12. 1. 2020.