ليس العراق وحده مبتلى بهذه الظاهرة السياسية، فمعظم أنظمة الحكم –إن لم نقل جميعها- في البلاد الاسلامية، وغيرها ايضاً، ممن يفكر رجالها بمصالحهم الخاصة قبل مصالح الشعوب، ويتبعون المبدأ القائل: “كل ما يصدر منّا فهو خير، وكل ما يصدر من شر فهو من المجتمع”، فهو دائماً مصدر الفوضى، والشكوى، والطلب غير المحدود دون مقابل، فهو مصدر المشاكل، لذا فان تجهيز الكهرباء، او تدفق المياه في الانابيب، وخدمات المستشفيات والمدارس والجامعات، و وجود الشرطة في مخافرهم في المناطق السكنية لتوفير الامن للناس، وحتى إنارة الشوارع وجمع القمامة، وغيرها من الخدمات، إنما هي منحة و”مكرمة” من الحكومة، وربما من “السيد الر ئيس”.
وعندما أتابع سياسات الحكام في بلادنا –ومنها العراق طبعاً- وطريقة تعاملهم مع الازمات، تحضرني حالة بعض الآباء المبتلين بسوء تنشئة الابناء، فهم يواجهون المشاكسة، والتمرّد، وخلق المشاكل، فهم يمارسون معهم سياسة الترضية، يعطون شيئاً ويأخذون أشياء، وربما يفهم بعض الاولاد هذه السياسة، فيسكتون عندما يحصلون على شيء، مقابل غضّ الآباء الطرف عما يقومون به، ولعل الشوارع والمتنزهات ومقاهي “كوفي شوب” وغيرها من الملتقيات الشبابية –طبعاً هذا قبل أزمة كورونا التي حبست الجميع في البيوت- هذا علاوة على عالم الانترنت والتواصل الاجتماعي، كلها تشكل علائم الفشل التربوي الذريع لبعض أولياء الأمور وما يفرزه بين فترة واخرى من جرائم ومخالفات.
[.. التخبّط والقرارات غير المدروسة بات يمثل عنوان الأداء الحكومي ما عدا القطاع الصحي الذي يتحمّل كامل أعباء المسؤولية ..]
هذا حال حكوماتنا وأدائها السياسي وطبيعة علاقتها مع الناس، فهي إن فكرت بالحلول الجذرية توجب عليها التفكير بجذور المشاكل قبل الشروع بحلها بشكل جدّي وحقيقي، وهذا يتطلب التنكّر للذات، وتجاوز المصالح الشخصية المؤسسة لجميع هذه المشاكل والازمات، ولعل أهمها وأبرزها؛ الكهرباء، فقد عرف الجميع لماذا لا يتم حل هذه المعضلة؟ ولماذا يجب يستمر حرمان الناس من هذه النعمة، و تستمر معاناة الناس، لاسيما في فصل الصيف اللاهب؟
ما جنته الاحزاب السياسية والشخصيات المتنفذة طيلة سنوات “الحكم الديمقراطي” من أموال تحت شعار “حل مشكلة الكهرباء” ربما يفوق أي مصدر آخر للنهب الصريح للثروة الوطنية، وأموال الشعب العراقي، فقد راحت عشرات المليارات من الدولارات في حسابات هذا وذاك في بنوك خارج البلاد، ولم يدخل الى البيت العراقي إلا ساعات متقطعة من الكهرباء.
هذه الحلول الترقيعية تنسحب على كل اشكال الازمات في البلاد، وآخرها أزمة “كورونا المستجد”، او “كوفيد19″، فحتى الآن لم تقدم الحكومة حلولاً تواجه الوباء او الجائحة بما يقلل من انتشار العدوى والخسائر المادية والمعنوية.
[ .. الحلول الجذرية ليست بالصعبة ولا المستحيلة، إنما تحتاج بعض الوقت والجهد وطول أناة من المسؤولين والمعنيين، يبقى التنفيذ والالتزم على المواطن، وقد جربنا في أوقات ماضية، وحالات مختلفة التزام الناس بالاجراءات الحكومية عندما يشعرون أنها تصب في صالحهم ..]
التخبّط والقرارات غير المدروسة بات يمثل عنوان الأداء الحكومي ما عدا القطاع الصحي الذي يتحمّل كامل أعباء المسؤولية، ونجد شريحة الاطباء والممرضين والعاملين في المستشفيات ومراكز الحجر الخاصة بالمصابين، يحملون بحق صفة “الجيش الأبيض”، فقد أبدوا بسالة رائعة، وقدموا تضحيات جسام من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه لمواجهة هذه الجائحة، أما في الشارع، فان الاجراء السائد هو قطع الطرق الرئيسية مع فسح المجال للطرق الفرعية، او اغلاق المحال التجارية لساعات طويلة، وكان آخر ما ابتكرته مديرية المرور، فرض غرامة على كل سائق سيارة لا يضع الكمامة على وجهه! في وقت اتفق جميع الاطباء على أن الكمامة تستخدم لفترة وجيزة، وخلال التواجد في الزحام، وإلا فانها تسبب احتباس الاوكسجين، وتعيد لصاحبه الزفير وثاني اوكسيد الكاربون مما له تبعات صحية سيئة.
الحلول الجذرية ليست بالصعبة ولا المستحيلة، إنما تحتاج بعض الوقت والجهد وطول أناة من المسؤولين والمعنيين، يبقى التنفيذ والالتزم على المواطن، وقد جربنا في أوقات ماضية، وحالات مختلفة التزام الناس بالاجراءات الحكومية عندما يشعرون أنها تصب في صالحهم.
لنأت على الكهرباء –مثالاً- فاذا يجد المواطن ان بامكانه سحب كيبُل كهرباء من الخط الرئيسي أمام بيته دون هاجس من مراقبة حكومية، فانه يشعر أنه يمارس حقه الطبيعي في الحصول على الكهرباء بالمجان! وكذا الحال بالنسبة للماء، بينما المفترض من الناحية القانونية، والمعمول به في جميع انحاء العالم، أن يكون لكل دار جهاز مقياس للكهرباء وايضاً مقياس للماء حتى يعرف المواطن مقدار ما يستهلكه ثم يدفع بهذا المقدار الأجور بشكل مرضٍ له وللجهات المعنية، وقد أجمع الخبراء والمختصين في هذا الجانب، أن وجود هذا المقياس في كل بيت عراقي من شأنه ان يسهم بدرجة كبيرة في إنهاء مشكلة الكهرباء بما يجعل المواطن في غنً عن المولدات الأهلية ومشاكلها ونفقاتها الكبيرة، مع تجهيزها القليل من الطاقة التي لا تفي بحاجة البيت كاملة.
ونفس الأمر ينسحب على الآثار التي تركتها جائحة كورونا على مجمل الحياة العامة في العراق، كما تركته في العالم بأسره، ولعل أبرزها الحركة التجارية، ومسيرة التعليم، فكان بالامكان تطبيق اجراءات التباعد الاجتماعي في الجامعات والمدارس خلال فترة الامتحانات على الاقل، وكذا الحال بالنسبة للشارع والاسواق والاماكن العامة وحتى المتنزهات، وأن لا تتحول هذه الجائحة من اختبار للذكاء والقدرات الى محن ومعاناة جديدة.