تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الثاني عشر)
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَميعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحيصٍ (21)}
القرآن الكريم يعالج جذور مشاكل البشر، لو تدبّرنا في آياته المباركات ومن أخطر تلك المشاكل أنّ أغلب الناس يعيشون العبودية للغير، وهكذا نجد في التاريخ القليل من الناس كانوا يُفكّرون بشكلٍ مستقل بينما باقي الناس يتبعونهم، سواءً عن طريق القوّة أو المادّة، أو بإستخفاف العقول وبث الفسوق بينهم كما قال ربّنا تعالى عن فرعون: فَاسْتَخَفَ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقينَ
في يوم القيامة يحاسب ربّنا سبحانه، الطُغاة لإضلالهم الناس، ويحاسب الناس لاتباعهم لاولئك الطغاة وعدم التفكير فيما يدعوهم اليه..أليس ربّنا تعالى أعطانا العقل والوجدان؟ وهكذا جاء الأنبياء ليُخرجوا الناس من عبادة عبيد الله الى عبادة الرب سبحانه.
وقد جاء في الحديث عن الامام أمير المؤمنين: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»
فدأب الطُغاة أنّهم يحاولون استعباد الناس وإخضاعهم لكن يبقى المؤمن صامداً أمام تلك الضغوطات ويكفر بالجب والطاغوت ويؤمن بالله وحده.
يُحدّثنا القرآن الكريم عن مشهد ذلك اليوم العظيم، يوم يأتي المستكبر هو والمستضعف ليقفان أمام الله في صفٍّ واحد..:
[وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَميعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ].
فلا يقدر الانسان على تبرير موقفه والقاء اللوم على المستكبر، وهكذا على الإنسان أن يجعل الطاعة لله ولمن هو منصّبٌ من عنده عزّ وجلّ.
[قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ].
أمّا ذلك الذي هو في ضلال فلا يستطيع هداية غيره وهكذا علينا تجنّب اتباعه.
[سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحيصٍ]
فالامتحان انتهى في الدنيا، أمّا في القيامة فليس الّا الجزاء، فلا مجال للزحزحة عن عذاب اللّه.
تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ – (الدرس الثالث عشر)
لوموا أنفسكم
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي فَلا تَلُومُوني وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمينَ لَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ] (22)
نحن البشر نواجه عدّواً أقسم بربّ العزّة أنّه ليغوينا أجمعين، وهو الشيطان الرجيم، وقد حذّرنا الرب سبحانه وتعالى منه في آيات عديدة، قائلاً: [أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ][1]
وسلطان ابليس على الذين يتّبعونه، أمّا عباد الرحمن فليس له عليهم سلطان ومن هنا علينا أن لا نغفل عنه ولو للحظة، لأنّ من العقل أن يعرف الانسان عدّوه وأساليبه وطرقه.
ربّنا سبحانه أعطى البشر المزيد من وسائل الهداية لكنّ ابليس يحاول جاهداً اغوائهم، وهكذا بالاستعاذة بالرب سبحانه من شرّ الوسواس الخنّاس يقترب المرء من الهداية والكمال.
يقول ربّنا تعالى:
[وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ]
يسعى الشيطان لخداع البشر بأنّه صديقه، و أنّ ما يشير إليه من الضلالة محض نصيحة، و قد يسترسل البعض معه بحجة أنّهم خدعوا به، و لكن ربّنا يقول: إنّه عدو واضح، و لا عذر لأحد في اتباع عدوّه، وتبرز تلك الحقيقة بوضوح في يوم القيامة بعد أن يُقضى الأمر وينتهي البرزخ والحساب والميزان ويُحكم على أهل النار بالنار يخاطبهم ابليس فيقول:
[إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي]
وعود الشيطان أماني و أحلام تتناسب و شهوات الفرد، و هي تشبه التبريرات الثقافية التي ترتاح إليها النفوس الكسولة و الأمم المتخلفة مثل انتظار المستقبل بلا سعي يصنعه، و إلقاء المسؤولية على عاتق الزمن، أو لا أقل على كاهل الآخرين أموات أو أحياء، ومن هنا يعالج القرآن الكريم ذلك في أكثر من آية حيث يقول: [وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعىِ] [2]
[فَلا تَلُومُوني وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ]
و في يوم القيامة يعترف الشيطان، بأنه كان خادعا في قوله هذا، و ان ارادة الإنسان هي التي تصنع واقعه، و انه لا حول و لا قوة له، فلا يغيث و لا يغاث.
[ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ]
فلا أنا أغيثكم و لا أنتم.
ومن هنا علينا أن نُفكّر ونحن في الدنيا بأن لا نتبّع ابليس لكي لا نُبتلى بتلك النهاية، وبدل لوم ابليس على الانسان أن يلوم نفسه لإتباعه لإبليس.
[إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمينَ لَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ]
ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم فحُكم عليهم بالعذاب الأليم ومن هنا لا يستطيع الانسان ان يتهرّب من مسؤولية أفعاله والقاء اللوم على ابليس لغوايته.
[1] سورة يس، الآية: 60.
[2] سورة النجم، الآية 39.