يواصل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، القاء دورس التدبر والتي ستستمر طيلة ايام شهر رمضان المبارك.
وتدبرات سماحة المرجع في شهر رمضان المبارك ستكون في هذا العام بسورة ابراهيم، وتبث عبر القناة الثالثة في التلفزيون الايراني وفي تمام الساعة السادسة صباحاً، وفيما يلي الدرس الثاني ..
تدبرات في سورة (إبراهيم) شهر رمضان المبارك / 1441 هـ –(الدرس الثاني)
من الظلمات الى النور
بسم الله الرحمن الرحيم
[الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزيزِ الْحَميدِ] (1)
حينما أخرج ربّنا سبحانه وتعالى البشر من العدم الى الوجود، جعل هذا التحوّل في عدّة مراحل، كما يقول ربّنا تعالى في سورة نوح: [وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً ][1]
أخرجهم من الظلمات الى النور؛ لكنّ هذا النور يتكامل في عدّة مراحل، وأحد أبعاد ذلك التكامل أن يخرج البشر من ظلمة الجهل والكِبر والأنانية والعصبية الى نور الأخلاق الفاضلة، وهكذا يهدي ربّنا سبحانه وتعالى البشر لكن بشرطين اضافيين اولاهما وجود الكتاب والثاني الرسول الذي يحمل الكتاب.
من هنا فإنّ الأنبياء يُخرجون البشر من الجهل وجنوده والاخلاق الرذيلة اولاً ثم يُعلّموهم الفضائل، لأنّ البشر اذا لم يُطهّر قلبه من ادران الجهل أنّى يمكنه أن يتزيّن بنور العلم المقدّس، ويدرك الحقائق الكُبرى يقول ربّنا تعالى:
[لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ][2]
وللوصول الى الهداية يحتاج البشر الى أن يُحدث تحوّل في داخله لاستيعاب تلك الحقائق بهداية الله سبحانه، ولولا وجود النور الالهي لا يستطيع الانسان الوصول الى ما يُقرّبه من الرب ورضوانه ويُدخله جنانه، كيف لا ونحن نجد البشر يصرفون مئات بل آلاف الساعات ليكتشفوا بعض الحقائق المرتبطة بالطبيعة وخِلقة الجسد، وهي لا تُقاس بالحقائق الكبرى من حيث التعقيد.
يقول ربّنا تعالى: [الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ]
الحروف المقطّعة
ماذا تعني الحروف المقطعّة؟ هل هي رموز بين الرب سبحانه وتعالى واوليائه؟ وهل جاءت آيات الكتاب بصورة مُعقّدة؟ -كما يقول البعض-
كلّا بل جاء القرآن بلسان عربي مُبين ومن دون أي تعقيد، معنى ذلك أنّ الكتاب الذي يرمز اليه الألف و اللام و الراء، أنزل من السماء، و انتقل الى الرسول دون ان يكون فيه أثر من شخصه، وبقي مصوناً من التحريف وذلك دليلُ إعجازه.
[كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ]
معنى الكتاب هو الشيء الثابت، وربّنا سبحانه وتعالى أنزله رُبّما بمعنى من مرتبة الى مرتبة أي من اللوح المحفوظ الى الدنيا ويسّره لهم، ولولا ذلك لم يكن بإمكان البشر فهم القرآن، والواسطة الذي نزل على قلبه القرآن هو النبي الاكرم (صلّى الله عليه وآله) لكي لا يظنّ البعض أنّه يمكنه الاستغناء عن النبي واهل البيت في فهمه.
[لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ]
لتخرج الناس فلم يكن القرآن لقومٍ دون قوم بل لكافّة الناس، والهدف منه اخراجهم من ظلمات الجهل والشرك الى رحاب التوحيد والايمان.
[بِإِذْنِ رَبِّهِمْ]
فبعد توفّر كل العوامل الظاهرية من الكتاب وسعي النبي والتزكية، لكن يبقى اللطف الخفي الى كلّ فرد من الرب المُتعال ضرورياً لايجاد التحول عند الفرد، واستخدام كلمة الرب هنا للتدليل على أنّ المُربّي الذي كان لطفه في كلّ ابعاد حياة الانسان سيشمل الفرد بهدايته ايضاً.
[إِلى صِراطِ الْعَزيزِ الْحَميدِ]
و النور الإلهي هو الهداية الى السبيل المؤدي الى اللّه العزيز، الذي قهر بقوته كل شيء، و الحميد الذي وسعت رحمته كل شيء، فلم يأخذ أحدا بقوته الا بعد ان أتم عليه حجته و أسبغ عليه من نعمه ظاهرة و باطنة.
[1] سورة نوح، الآية 14.
[2] سورة آل عمران، الآية: 164.