رأي

مسؤوليتنا إزاء اللطف الإلهي

عندما نتابع بغير قليل من الأسى والأسف تساقط الآلاف من البشر ضحايا وباء ..؟؟

عندما نتابع بغير قليل من الأسى والأسف تساقط الآلاف من البشر ضحايا وباء “كورونا المستجد” في دول بعينها مثل ايطاليا وفرنسا واسبانيا واميركا، ثم نلاحظ الاعداد القليلة من الاصابات في العراق وبلاد اسلامية اخرى، يتعزز في نفوسنا الإيمان برحمة الله –تعالى- وقانون اللطف الذي يسود البشر في كل زمان ومكان، فالأصل في العلاقة بين الله وبين خلقه؛ الرحمة التي من صفاته –تعالى- وبها نسمّي الله دائماً، فهو الرحمن، الرحيم، اللطيف، الودود، ورحمته تسع الجميع؛ المؤمن والكافر؛ العاصي والمُتقي، إنما الاختبار في كيفية الاستفادة من هذا الغيث السماوي العذب، و العطاء المستمر.
عدم قراءة هذا القانون والايمان به هو الذي أدى بسقوط كل التحليلات والتكهنات والتوقعات، بل وحتى بعض الدراسات العلمية بخصوص هذا الوباء الغريب والفتاك، فقد توقع البعض أن يكون العراق في مقدمة البلاد المنكوبة بأرقام الوفيات بالآلاف، لتعليلات معروفة لا داعي لتكرارها، بينما تكون بلاد متقدمة في علم الطب، وفي نظامها الصحي، مصونة من العدوى ومن الموت بالجملة. ولكن! حصل ما حصل اليوم.

[.. العلماء يؤكدون حاجة الانسان الى التذكّر المستمر والتلقين الدائم بأنه محتاج الى المغفرة، والى الرحمة الإلهية، والإقرار الدائم بانه ضعيف ومحتاج للقوى الكبرى اللامتناهية ..]

كل الدلائل تشير الى أننا في مرحلة متقدمة من دراسة قانون اللطف الإلهي، فالقضية ليست بالسهلة، لأول مرة ترى دول متقدمة ومقتدرة أنها عاجزة ليس أمام قوة اقتصادية او عسكرية، وإنما أمام كائن حيّ مجهري (فايروس)، وهذا لم يكن إلا بفضل المتضرعين في جوف الليل، والمتوسلين بالأولياء الصالحين، وبتوفر خصال وصفات، ليس بالضرورة في الملايين، وإنما لدى شريحة معينة في المجتمع، ولعيون هؤلاء المتقين، والمتهجدين في الاسحار، وحالة التراحم والتكافل التي نشهدها دائماً، ينزل الله رحمته على الناس.
هذه الحظوة والمنّة الخاصة تستوجب استشعار المسؤولية العظيمة أمام الله –تعالى- بأن نمضي قدماً في طريق التكامل والتسامي، وصولاً على الغاية القصوى التي كشفت عنها الآية الكريمة منذ عهد النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، حيث كانت الأمة عبارة عن ذلك المجتمع الصغير في المدينة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، (سورة آل عمران، 110).
بعد الخطوة الاولى في توثيق العلاقة مع الله، تأتي الخطوة التكميلية بتقوية العلاقة بين الانسان ونفسه، ثم العلاقة بينه وبين افراد المجتمع والأمة لأن “من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس”، يقول: أمير المؤمنين، عليه السلام. وهذا يحتاج برنامج متكامل ومتواصل يتضمن جملة أعمال منها:

  • أولاً: الاستمرارية في تهذيب النفس

يتسائل البعض؛ لماذا التكرار في الاستغفار، او في قراءة بعض السور القرآنية في صلوات مندوبة لمئة مرة، او ألف مرة في الأعمال المندوبة والمذكورة في كتب الأدعية؟
العلماء يؤكدون حاجة الانسان الى التذكّر المستمر والتلقين الدائم بأنه محتاج الى المغفرة، والى الرحمة الإلهية، والإقرار الدائم بانه ضعيف ومحتاج للقوى الكبرى اللامتناهية التي توفر له الأمن والسلامة وسعة الرزق وحسن الحال، وليس الى قوى أخرى في العالم.
هذه العملية الروحانية، لاسيما في شهر رمضان المبارك الذي نستقبله هذه الأيام، تمثل مصداقاً عملياً للإيمان وللتقوى وأثرهما التكويني والمباشر في النفس الانسانية، مما يفتح الطريق لدخول آخرين في ظل الرحمة الإلهية ليستشعروا هم ايضاً باللطف الإلهي ثم ليشكروا الله –تعالى- ، وهكذا؛ تتسع مساحة الإيمان، ثم تتوفر مساحة للعدل والحرية وكل قيم الحق والفضيلة في المجتمع.

  • ثانياً: الاستفادة من الفرص والامكانات.

يمكن قراءة هذه المفردتين في ضوء القرآن الكريم بكلمة واحدة: “النِعْمَةَ” التي وردت في سياق آيات عديدة تشير كلها الى آلاء الله –تعالى-، وفي معظم الحالات جاءت مع لفظ التذكير ليعرف الانسان أنه محظيٌ دائماً بالفرص والامكانات من حوله ليستفيد منها بالشكل الصحيح بما ينفعه وينفع الآخرين، لا أن يحول النعمة الى نقمة، وسبب للدمار والويلات والكوارث التي نشهد جانباً منها في ظل انتشار فايروس “كورونا المستجد”، وإلا فان الدول المتقدمة علمياً في مجال الطب، سقطوا فيما سقط فيه الأمم من قبلهم عندما وظفوا العلم لخدمة مصالح سياسية واقتصادية، وما ظهر من أخطاء علمية، شملهم بالدمار ايضاً.

[.. إن مظاهر التكافل والتراحم التي شهدها العراق في مشاريع تغطية نفقات العوائل المتضررة من اجراءات الوقاية من الوباء، تمثل جانباً من جوانب الاستفادة من نعمة الإيمان بصورة ابتكارية كما حصل في فكرة “الأقراص الملونة الممغنطة” في المخابز بمدينة كربلاء ..]

إن مظاهر التكافل والتراحم التي شهدها العراق في مشاريع تغطية نفقات العوائل المتضررة من اجراءات الوقاية من الوباء، تمثل جانباً من جوانب الاستفادة من نعمة الإيمان بصورة ابتكارية كما حصل في فكرة “الأقراص الملونة الممغنطة” في المخابز بمدينة كربلاء المقدسة لتقديم الخبز مجاناً للمحتاجين، ومثل مجتمع كهذا لهو قادرٌ على مواجهة تحديات أكبر بكثير من هذا الوباء، عندما يشعر الجميع أنهم محميون وآمنون من أي خطر محدق في قادم الأيام.

  • 3- كبح جماح الأنا

في الوقت الذي جعل الله –تعالى- نزعة حب الأنا في النفس الانسانية، فانه دعاه في الوقت ذاته لخوض الصراع بين هذا الثنائي (الأنا والجماعة) مع تزويده بكامل السلاح المعنوي بما يمكنه الخروج من قوقعة الذات والأنا والمصلحة الضيقة والخاصة، الى رحاب المصلحة العامة والبحث عن السعادة الحقيقية بين افراد العائلة والأقارب والجيران وسائر افراد المجتمع.
هذا كان باختصار؛ أعمال تمثل شيئاً من رد الجميل على تلك النعمة الإلهية العظيمة، وإن قَصُر الانسان على طول الخط عن أن يؤدي حق نعمة واحدة من ملايين النعم الإلهية، بيد أنه يكون علي خير عندما يكون في خط الشكر والعرفان، ثم في طريق تحويل هذه النعم والرحمة الإلهية الى اسباب للعيش بأفضل ما يكون.
قرأت تقريراً في احدى المواقع الخبرية العالمية تتحدث عمن نجح ومن فشل في مواجهة وباء كورونا، فتغافلت عن البلاد الاسلامية وراحت تقلب البلاد الغربية مثل المانيا التي نجحت في كبح جماح الوباء بأنها تمكنت من إيقاف الوفيات الى حوالي ثلاثة آلاف انسان، بينما ايطاليا وفرنسا واسبانيا واميركا تواجه الموت بالآلاف!! بينما في العراق الذي شهد الوباء منذ أيامه الاولى في شهر شباط الماضي، لم يتجاوز عدد الوفيات اليوم ثلاثة وثمانين شخصاً، فيما تسارع المصابون بالشفاء الواحد تلو الآخر، ليصل عددهم حوالي الألف مصاب، وبقي عدد بسيط في الحجر الصحي.
العراق وغيره من البلاد التي حققت نجاحاً حقيقياً لن يكون بحاجة الى ترويج إعلامي لان التاريخ سيذكره كما تشهد له الشعوب والأمم، كما شهدت له صفاته الاجتماعية الحسنة مثل الكرم والعطاء للجميع.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا