تتسارع الأيام في شهر شعبان المعظم نحو يوم الخامس عشر منه، حيث يتلهف العراقيون، ثم المؤمنون من كل أنحاء العالم لأن يكون لهم قصب السبق في الحضور الى جوار مرقد الامام الحسين، عليه السلام، ويحظوا بزيارته في ليلة النصف من شعبان، وينعموا بالفضيلة العظيمة المنصوص عليها من الأئمة المعصومين، عليهم السلام، وقد شهدنا في بعض السنوات الخوالي كيف أن المحبين استنسخوا المشي في زيارة الأربعين لزيارة النصف من شعبان، بتشكيل مواكب خدمية على الطرق المؤدية الى كربلاء المقدسة، ومواكب أخرى للزائرين المشاة قاطعين مسافات بعيدة الى مدينة الحسين، عليه السلام، تعبيراً عن مدى حبهم وولائهم لأهل البيت، عليهم السلام.
إن البلاء المبين(كورونا) الذي جاء {بما كسبت أيدي الناس}، وبغض النظر عن المنشأ والاسباب، فهو بلاء عظيم، تخللته جملة اختبارات لاحظنا منها الكثير على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
لا مجال للشك مطلقاً في دور التوسل بالمعصومين، وايضاً؛ الأولياء الصالحين لحل المعضلات وتحقيق المستحيلات، وكيف أن المؤمنين المخلصين يحصلون على ما يريدون من المراقد المشرفة بما شرفها الله –تعالى- من منزلة وكرامة، بما لم يحصلوا عليه من الطبيب الأخصائي، ومن المستشفيات الحديثة، وحتى من مؤسسات الدولة بامكاناتها الضخمة.
الحب الصادق والعميق، مع صفاة أخلاقية باهرة مثل؛ العطاء، والضيافة، مع هذه الخصيصة الأخيرة كون استجابة الدعاء تحت قبة سيد الشهداء يرتجى. كل هذه الامتيازات العظيمة التي لا مثيل لها في اي بقعة بالعالم أمام تحد كبير اليوم، ليس بنوع التحديات المعروفة والقابلة للمواجهة والانتصار كما جربناها مع الانظمة السياسية المعادية لثقافة ومنهج أهل البيت، عليهم السلام، إنما هو تحد غير مرئي، وفيروس مستجد ليس مثل الفيروسات المعروفة لدى علماء الطب، سريع الانتشار، وسريع الأثر في جسم الانسان، من شأنه الحكم على المصاب بالموت دون أن يعلم.
إنه البلاء المبين الذي جاء {بما كسبت أيدي الناس}، وبغض النظر عن المنشأ والاسباب، فهو بلاء عظيم، تخللته جملة اختبارات لاحظنا منها الكثير على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقبلها جميعاً؛ العقدية، وفي كربلاء المقدسة، وبتاريخ الخامس عشر من شعبان المعظم سنة 1441هـ اختبار كبير آخر في احتفاظ مدينة الحسين بريادتها في أمور كبرى بالعالم، وهذه المرة في مواجهة فيروس كورونا المستجد أو “كوفيد19)، والخروج من هذا الابتلاء بأقل الخسائر بحول الله –تعالى- وببركة الإمام الحسين، وأخيه أبي الفضل العباس، عليهم السلام.
ان الامام الحسين، وأهل بيت رسول الله، صلوات الله عليهم، يريدون منّا أن نوظف كل ما وهبنا الله –تعالى- من قدرات وامكانات لتحقيق أفضل الاوضاع والأحوال، في كل الأوقات
لقد ضحى الأئمة المعصومون من اجل تحقيق الحياة الفاضلة والسعيدة للبشرية جمعاء، ولشيعتهم مواليهم بشكل خاص، فهذا أمير المؤمنين، وهو على الساعات الاخيرة من حياته يطلب ممن حوله بأن يسألوه عن طرق السماء، لنتصور! أن ان الامام يريد ان يتعلم المسلمين في ذلك الوقت كيفية غزو الفضاء واكتشاف ما تم اكتشافه بعد اربعة عشر قرناً من الزمن، وكان يردد: “سلوني قبل أن تفقدوني“، وهو يعلم علم اليقين ضآلة استيعاب الاذهان آنذاك، فالواحد منهم لم يكن فكره يعدو خيمته التي يسكنها، والفرس الذي يمتطيه، وما يأكل ويشرب، وبعض الاموال التي يحصل عليها، مع ذلك يُشعرنا بحرصه، سلام الله عليه، بأنه يفكر بمستقبل الأجيال تلو الاجيال، ربما الى آلاف السنين، والى يوم القيامة.
وكذا الحال بالنسبة لسيد الشهداء، الامام الحسين، عليه السلام، فقد أغنى العلماء والمفكرون والباحثون المكتبة الحسينية بما يعزز هدفية النهضة الحسينية –من جملة اهدافها- وهي؛ أن يعيش المسلمون حياة العزّ والكرامة والسعادة في الدارين، وهذا ما نطلبه من زياراتنا للإمام الحسين، المنصوص عليها في ليالي الجمعة طيلة العام، والمناسبات الاخرى.
ولمن يسعى للربط بين زيارة الإمام الحسين، وتحدي الصعاب والعقبات، مستصحباً الحالة السابقة في عهود الظلم والجور والسياسات الدموية البائدة، ويسعى للربط بين مشاكله الخاصة، والقدرات الغيبية للمعصومين، على أن الإمام المعصوم، وتحديداً في مكان مرقد الشريف، يكون الأمان من كل مكروه، يكفي أن نكون صريحين بما يصارحنا التاريخ، ونكون صادقين مع أهلنا وشعبنا بأن مرقد الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس، لم يكونوا المكان الآمن من القصف المدفعي الصدامي في الساعات الاخيرة من حياة الانتفاضة الشعبانية في كربلاء المقدسة، وقد سقط عدد كبير من الشهداء داخل الحرم الحسيني الشريف، وهم قمة في الإيمان والولاء لأهل البيت، عليهم السلام، وذهبوا شهداء على الظلم والطغيان والانحراف كما فعل اصحاب الامام الحسين، عليه السلام.
ان الامام الحسين، وأهل بيت رسول الله، صلوات الله عليهم، يريدون منّا أن نوظف كل ما وهبنا الله –تعالى- من قدرات وامكانات لتحقيق أفضل الاوضاع والأحوال، ليس في ظل هذا الوباء الراهن، وإنما في جميع مراحل حياتنا وعلى مر الزمن، ثم نكون النموذج الرائع أمام العالم بأن مدينة كربلاء المقدسة التي يؤمها الملايين من الزوار في الخامس عشر من شعبان، تحقق أقل نسبة من الاصابات بمرض كورونا، بفضل وعي وثقافة العراقيين الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، فيما انهارت مدن سياحية كبرى في العالم، تستقبل اقل بكثير عدد السواح والزائرين وهي تتمتع بأفضل الامكانات الصحية والخدمية.
بسمه تعالى
السلام على الحسين أبد الدهر
السلام على العباس مدار العصر
السلام على ساكن كربلاء قديما وحديثا..
نعم؛ احسنتم بما تفضلتم، وأفدتم بما قدمتم أستاذنا الفاضل.. ستبقى كربلاء قدوة في كل خير، وستبقى قبلة لكل قلب محب طاهر..
دمتم بحفظ الله جميعا..