يقول ابن أحد الأشخاص: كانت أعظم هدية تلقيتها على الإطلاق هي تلك التي منحها أبي إياها في أحد الأعياد، لقد أعطاني رسالة تقول: ولدي العزيز، هذا العام سأمنحك 365 ساعة من وقتي، ساعة كل يوم بعد العشاء. ولم يوفِ أبي بوعده فحسب، ولكنه راح أيضاً يجدده كل عام منذ ذلك الحين، إنها أعظم هدية تلقيتها في حياتي على الإطلاق، إنَّ ما أنا عليه هو نتاج وقت أبي.
وبالفعل ليست أفضل الهدايا دائماً هي المغلفة في ورق جميل، وغالبا ما يغفل كثير من الآباء والأمهات عن أهمية وضرورة تواجدهم بجانب أبنائهم، وشدة حاجة الأخير إلى دعمهم وعطفهم ومساندتهم في شتى مراحل حياتهم، ليس هذا فحسب بل تفتقر أغلب الأسر في مجتمعاتنا إلى ثقافة و دِقة الأساليب المستخدمة في تنشئة أبناهم وفلذات أكبادهم، وأن الطريقة التي يستخدمونها ما هي إلا وسيلة خاطئة للتعبير عن حبهم ورغبتهم في إيصالهم إلى أفضل ما يمكن.
عزيزي المربي: أبناءكم بمثابة مرآة لكم تعكس كل ما تراه منكم حسناً كان أم شينًا جميلاً كان أم قبيحاً، مرآة صافية تكسب من الصفات ما تراه أمامها فقط، و أنتم على وجه التحديد فقط من له القدرة على تحديد ما ستكتسبه من صفات.
فمثلا كم مرة اكتشفت – بعد انتهائك من ارتداء البلوز – أنك قد ارتديته بالجهة المعاكسة وها هو ذا الخطأ واضح أمامك في المرآة.
ماذا نفعل عادة؟
طبعاَ سوف نتحمل المسؤولية ونصحح الخطأ.
إلى أين نوجّه أيدينا عندما نصلحه؟
باتجاه أنفسنا بالطبع بالرغم من أننا رأينا الخطأ في المرآة.!
لكن ماذا إن وجهناها تجاه المرآة؟
ستُكسر المرآة ونجرح أيدينا وعندئذ لا نرى الخطأ بالرغم من أنه ما زال موجوداً.
وعليه يجب أن تعي أن من الجهل أن يقصر الأب ويفشل في عملية التربية، ثم يلقي باللوم على أبنائه وعلى هذا الجيل، وعلى المدارس الفاسدة، ورفاق السوء، و على التلفاز، وشبكة الاتصالات(الأنترنيت)، وعلى الزوجة التي لم تعرف كيف تربي الأبناء، ومن ثم يحاول مداراة فشله وتغطية قلة مهاراته ونقص خبرته، بادعائه أنه لم يفشل في التربية، ولكنّ الأبناء هم الذين فشلوا، متناسياً أنه لم يؤدِ واجبه تجاههم على أتم وجه.
“هناك وسيلة واحدة لتنشئة طفلك بحيث يتخذ الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه، وتلك الوسيلة هي أن تسير أنت نفسك في هذا الطريق” (أبراهام لنكولن)
أما الاستراتيجية المثلى للتربية حسب تصنيف أحد المختصين ,تتكون من ثلاثة محاور:
1-بناء الثقة.
2-اصطياد الإيجابيات.
3-إعادة توجيه السلبيات.
- أولاً. بناء الثقة:
يحتاج الطفل إلى الشعور بالاطمئنان التام وذلك بالامتناع عن كل ما يمكن أن يسبب له الخوف والارتباك، وذلك بالتخلي عن كل ما اعتدناه من أساليب استخدام القوة والإكراه والتهديد واللوم والشتائم وما إلى ذلك من الأساليب التي لا تؤدي إلا الى الخوف، والخوف يشل الحركة، لذلك أول خطوة لتوطيد العلاقة بين المربي وابنه هي إزالة الخوف، وعليه إذا زال الخوف حدث الاطمئنان و بُنيت الثقة.
ولهذا فعندما يثقون بك ينصتون إليك، ويسمعون نصائحك وينفذونها، ويأتمنونك ويَصدقون معك وبالتالي بإمكانك توجيههم كيف ما أردت.
كيف تجذب أبنائك إليك؟
يَصف أحد الكُتاب مهارة الجذب على أنه ” يمكن اكتسابها بأن تكون متواجداً بينهم، عالماً بأخبارهم وأحوالهم، مقدماً يد المساعدة والعون كلما أمكنك ذلك ومشاركتهم أوقاتهم.”
– أهم خطوة يقدم عليها المربي هو أن يكون صديقاً لأبنائه قريباً منهم ينصت لهم قدر ما أمكن يفهم دواخلهم وميولهم ورغباتهم يسمع مخاوفهم ومشاكلهم وأخطائهم ويساعدهم على حلها وتجاوزها بحب وعطف والابتعاد عن اللوم والعتاب، واذا أردت أن تسرع عملية النضج عند أبنائك فاستخدم أذنيك أكثر عبر الاستماع إليهم.
– أن تقضي أوقاتاً من اللعب والمرح معهم واعطائهم مساحة شاسعة لإفراغ طاقاتهم واستغلالها بتطوير امكانياتهم ومساعدتهم في اكتشاف مواهبهم ودعمهم وتشجيعهم عليها.
– تجنب تقطيب الجبين واستبدله بابتسامة، ذكرهم دائما أنك تحبهم دائما وبلا شروط وأغدق عليهم بالحنان، و قدّم الثناء والمديح والمكافئات لهم على الدوام ذلك يعزز الثقة لديهم، ولئلا يفقدوا الدافع والحافز للعمل والدراسة.
– التقليل من السيطرة والتحكم بهم تدريجيا وحتى المراهقة تتحول الى صداقة وتفاهم وحوار، لتعزيز قدرتهم على تحمل المسؤولية ومواجهة الصعاب دون الاتكال على الأبوين في كل الأمور والتالي ضعف شخصيته.
– احترامه وعدم التقليل من شأنه وعدم معاملته على أنه مجرد طفل بل انه المستقبل بعينه، فعلى المربين أن يتواضعوا أمام الطفل ويقدمون له من الاحترام ما يطالبونه منه.
– استخدام أسلوب القدوة، وبما أن الأطفال يميلون إلى تطبيق الأفعال التي يرونها لا الكلام والمواعظ التي تنهال عليهم فعلى المربين أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم، وكما ذكرت أعلاه انهم مرآة لنا، فالطفل العنيد وراءه أم أكثر عناد منه، والطفل الذي لا يحترم والديه وراءه عائلة لا يحترم أفرادها بعضهم البعض. والطفل كثير الصراخ وراءه أسرة لم يعوّد فيها الأبوان نفسيهما ضبط النفس وخفض الصوت، والطفل الذي يضرب عندما ينزعج من شيء، قد ضُرِبَ مراراً من قبل أبويه عندما انزعجوا منه.
-
ثانياً. اصطياد الإيجابيات:
كما يَلتفت الشخص المتشائم الى الربع الفارغ من الكأس، ويغفل عن الحجم الأكبر الممتلئ، كذلك يغفل الآباء عن الكمية الكبيرة من الصفات، والتصرفات الحسنة للأبناء، ويتذكرون السيء القليل منها، ويضخمون من حجمه فإن نسي كتابة وظائفه مرة فقد كان مجداً وكتبها في جميع الأيام التي سبقت بالفعل، وأيضا لا يعني ذلك انه كسول، وانما نسي كتابتها فقط.
فبدلاً من اصطياد السلبيات وتهويلها وإيهام الطفل أنه شخص مهمل وكسول، يلزم اصطياد الايجابيات، ومكافأته عليها مادياً ومعنوياً من هدايا و مدح وثناء أمام الآخرين فلها الأثر الأكبر في تشجيع الطفل وتحفيزه.
-
ثالثاً. إعادة توجيه السلبيات:
عادةً ما يلجأ الآباء إلى اسلوب العقاب والتوبيخ واللوم، إذا ما رصدوا أي خطأ صادر من أبنائهم، وتتدرج شدة هذه العقوبة بفداحة الخطأ المُرتكب، أي انهم بهذه الطريقة يتعاملون مع شخصية المخطئ لا مع السلوك الخاطئ و بالطبع هناك فرق كبير بينها.
ـ الإنسان ومنذ ولادته ولد فطريا وهو ميّال للبحث عن السعادة والاستمتاع والكمال، وكل تلك المقاصد هي مقاصد إيجابية لكن تختلف سبل الوصول إليها، وواجب الأهل هو إرشاد الأبناء إلى السبل الصحيحة المؤدية لها.
وعليه يمكننا القول أنه: “وراء كل سلوك قصد إيجابي “.
فإذا ما أخطأ الابن يلزم على أبويه معاملته بهدوء وعطف، ومعرفة القصد الإيجابي وراء سلوكه وإرشاده إلى السلوك والفعل الأفضل للوصل إلى ذلك المقصد.
“ليس الهدف من العقوبة الانتقام من المخطئ
الهدف الحقيقي مساعدة المرء على تجاوز الخطأ”
(د.مسلم تسابحجي – مدرب تنمية بشرية)
لو نتذكر الطريقة التي يتعلم بها الأطفال المشي والكلام فيتلعثم ويقع مرة ومرتين وثلاث وعشر، فماذا يفعل الأب والأم؟
المشي والكلام مهارتان لا يمكن أن يكتسبهما الطفل دون عدد من الأخطاء، وكلما أخطأ أكثر أتقنها أكثر، فهل يُعقل أن يقول الأب لطفله الذي وقع عدة مرات في اليوم هذا يعني أنه كسول وفاشل؟
بالطبع لا فهو يتعلم كذلك أبنائكم أيها المربون إذا أخطأوا فلا تعاقبوهم أو توبخوهم وتلوموهم، لأنهم لم يفعلوا ذنباً يستحق العقوبة والتوبيخ، إذا أخطأ الأولاد فهذا يعني أنهم يتعلمون، وإذا تعلم الأبناء فهل ينبغي أن نعاقبهم؟
ونُنزل عليهم وابلاً من الإهانات والكلام الجارح؟
بالعكس يجب أن نُسَر بهم ونساندهم ونشجعهم على مزيد من التعلم ومزيد من الخبرات، ففي كل خطأ يقع فيه يكسب مهارة وخبرة ويتعلم درساً جديداً، وعليه فإن أكبر معلم للإنسان هو الأخطاء التي يقع فيها، خاصة إذا جاء من يساعده على الاستفادة منها، بدلا من أن يجعله يعيش صدام مع نفسه وشعور بالفشل والذنب والخوف من المحاولة مرة أخرى.
يزعم الكثير من الآباء أن العقاب بشتى أنواعه من تقطيب الجبين والعبوس وحتى العنف والضرب الشديد يعتبر مهماً في تأديب الأبناء وتعليمهم أن يكونوا أكثر طاعةً واحتراماً وأكثر حرصاً و انتباهاً.
سؤالي لهم: هل ما تفعلونه يساعد أبنائكم على التعليم أم على الانزعاج والضيق وربما الاكتئاب والانطواء على الذات؟
-
ما هو الأسلوب الأفضل؟
هل هو اللوم والاتهام بالتقصير والعتاب والتوبيخ أم تقبل الأخطاء على أنها مرحلة لابد منها، و أنه يستطيع أن يتعلم من أخطائه والأخذ بيده ورحمته وتشجيعه والرفع من معنوياته وتوجيهه؟
ولو فرضنا أن الضرب هو وسيلة لتأديب المخطئ وعقابه فلِمَ، لا يضرب الكبار أحدهم الآخر لارتكابهم الكثير من الأخطاء كالمدير لموظفيه، والزوجة زوجها والصديق صديقه، وبالعكس اذا ما ارتكب احدهم خطأً ما.
لكن هذا غير ممكن طبعا فهناك حقوق يجب احترمها كما أنه قد اعتاد الكبار احترام بعضهم البعض، واتخاذ اسلوب الحوار والتفاهم فيما بينهم لمعالجة الأخطاء، لكنهم لم يعتادوا على احترام شخصية الطفل ونفسيته، غافلين عن أننا -نحن الكبار الناضجون المدركون لأمور الحياة – نرتكب من الأخطاء الكثير مما لا يقارن بأخطائهم الصغيرة، هم الذين لم ينضج عندهم الحس الإدراكي وحس المسؤولية بعد، فبدلاً من الضغط عليه وتهديده وعقابه من اللازم الصبر عليه وتركه ينمو.
وبدل أن تعكّر صفو مزاجك وتشحن أجواء المكان بالتوتر وتجرح مشاعر ابنك المخطئ، اضبط نفسك وخذ نفساً عميقاً، خذه وتكلم معه على انفراد ولا تحرجه أمام اخوته، أو أيّاً كان حاضراً، و أعد عليه ما فعل بسرعة واختصار واجعله يفهم السلوك الخاطئ الذي قام به، وأخبره أنك تحبه وراضٍ عنه لكن فعله لم يكن مستحسناً، و انك تتوقع منه سلوكيات أفضل، و أنك ما أنبته إلا لأنك تحبه ثم ضمه إلى صدرك بقوة.
سيعرف الابن أنه تصرف تصرفاُ خاطئً ويعرف أنه انسان طيب ومحبوب من قبل أبويه و أن لديه بدائل وخيارات كثيرة يمكنه العمل بها.
يجب أن نتذكر أن الاستجواب والاتهام والعقاب هو عمل السجانين والمحققين فقط ويستحقه السجناء المجرمون فقط لا الأبناء الأبرياء.
أما الأب العطوف والرحيم فيتفهم، ويرحم ويوجه، ويصبرعلى أبناءه، و لأهم يحفظ نفسية الطفل وعقله وقلبه.
فما أوجب الله تعالى على الأبناء البِّر والرحمة بالوالدين إلا لمسؤوليتهما الكبيرة الواجب عليهما القيام بها على أتم وجه.
يتضح لنا مما سبق الفرق بين كيفية تنشئة انسان خائف بالعنف والترهيب , وانسان واعي مدرك للخطأ يمضي بالحياة متعلماً واثقاً من نفسه، لا خائفاً متشتتاً ينتظر العقاب والتوبيخ، ابن بار مدرك لا ابن عاق متردد.