عادة ما يكون المستضعفون هم الفئة الأكبر في المجتمع؛ يعانون الحرمان الثقافي والمعيشي، وفوق ذلك؛ هم الاكثر مظلومية سياسيا، ولكن؛ هذا لا يعني أن هؤلاء المستضعفون ضعفاء، لأن الضروف القاهرة هي التي استضعفتهم، فهؤلاء يمثلون الميدان الأوسع للصراع بين القوى السياسية والتيارات والمناهج المختلفة، بينما نلاحظ الاقلية المُترفة تحاول أن تصعد على رقاب هذه الطبقة المستضفعة وتسخرها لمصالحها وتجعلها وسيلة للوصول إلى أهدافها.
وبسبب الحرمان الثقافي في هذه الطبقة الواسعة من المجتمع، وقلّة الوعي لديها، لا تستطيع أن تميّز بين الأفكار، كما انها لا تسطيع التمييز بين من هو صادق، ومن هو كاذب وانتهازي، فتكون هذه الطبقة، القاعدة التي تترتكز وتعمل عليها جميع الحركات، فكل حركة او تيار او منهج يحاول أن يعبئ ثقافته وافكاره في هذه الفئة من المجتمع، لأنها كما اسلفنا لاتستطيع التمييز وهي تتلقف كل فكرة تجدها لما تعانيه من فراغ فكري وثقافي، الى جانب ما تعانيه من ضغط مشترك وشديد اقتصادياً ومعيشياً، وايضاً من لدن الحكام والساسة الفاسدين، لذا هي تحاول التخلّص مما واقعها بأية طريقة، وبأية وسيلة، الامر الذي يدفع الحركات الانتهازية –للأسف الشديد- لأن تستغل هذا الوضع الاجتماعي الذي تعيشه هذه الفئة، بالخداع والتضليل للسيطرة عليها، ومن ثمّ جعلها وسيلة لتحقيق أهدافها المصلحية، ولا يهمّ تلك الحركات إصلاح وضع وحياة هذه الفئة، ولا تقديم أية خدمة لها، وربما احياناً، تكون هي الضليعة في تكريس حالة الجهل والتسطيح الثقافي في هذه الفئة.
لقد كانت هذه الفئة المستضعفة على مر التاريخ محط أطماع واستغلال الأقلية المُترفة والمستكبرة، ومن امثلة التاريخ في القرآن الكريم؛ قوم بنو إسرائيل، تلك الأكثرية المستضعفة التي كانت تسكن مصر، وكانت تعيش الاستضعاف والاستغلال من قبل الأقلية المترفة المتمثلة بفرعون وقومه (الاقباط).
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.
ولكن رسالة الانبياء والمصلحين والرساليين جاءت لتنقذ تلك الطبقة وتعيد إليها كرامتها، و توفر لها العيش الكريم، فالمنهج الديني الرسالي هو المنهج الوحيد القادر على إصلاح وضع هذه الطبقة؛ {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.
فالفئة الوحيدة التي تريد أن تخدم تلك الطبقة وتوفر لها الحياة الكريمة دون أن تستغلها لمصالحها هي فئة الانبياء ومن سار على نهجهم من الرساليين، بمعنى أن المستضعفين هم الهدف من حركة الرساليين، وهم الوسيلة أيضا لتحقيق الاهداف السامية.
نعم؛ فهدف حركة الرساليين هو الإصلاح، و تغيير وضع وحياة هذه الطبقة، و تورثهم الأرض، وتأخذ بحقوقهم من المستكبرين والمتسلطين، وهذا لا يكون إلا بتطبيق المنهج الديني لأنه المنهج الوحيد القادر على تقديم العدالة الإجتماعية الحقيقية، وتقديم الحياة الكريمة والعزيزة الخالية من الظلم، والجهل، والاستغلال، فالمنهج الديني الرسالي هو وحده القادر على استرداد حرية المستضعفين، أما الوسيلة لتطبيق المنهج الديني والأحكام الإلهية، فهم أبناء طبقة المستضعفين انفسهم لأنهم الأقرب لتقبل الحق.
وقد أدى تجاهل دورهم من قبل الكثير من الحركات الاسلامية إلى الفراغ الثقافي والسياسي ايضاً، ومن ثمّ خسائر عظمى بعد أن عرف الآخرون كيف يستغلون هذه الفئة فيما جهلت تلك الحركات ذلك.
من هنا؛ فان من يحمل لواء الدين والتديّن هم من يتحمل مسؤولية السمو بالمستوى الثقافي والفكري، ويكون النجاح مضمون لسببين:
الأول: لأنهم بطبيعتهم مؤمنون.
الثاني: لأن حركة الرساليين واهدافهم تصب بالأساس في مصلحتهم.
لماذا تكون الاكثرية المستضعفة قاعدة انطلاق للحكام والانتهازيين؟
عادة ما يكون المستضعفون هم الفئة الأكبر في المجتمع؛ يعانون الحرمان الثقافي والمعيشي، وفوق ذلك؛ هم الاكثر مظلومية سياسيا، ولكن؛ هذا لا يعني أن …
احسنتم سماحة الشيخ