قراءة فی کتاب

رحلة النجاة بين أمواج الدنيا

“يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى الله وَحَشْوُهَا الْإِيمَانَ وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ وَقَيِّمُهَا الْعَقْلَ وَدَلِيلُهَا الْعِلْمَ وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ”.

هذه الرواية الحكيمة، جاءت على لسان الإمام الكاظم، عليه السلام، ينقلها عن لقمان الحكيم لأحد أبرز علماء الشيعة في عهده، وهو هشام بن الحكم، تمثل واحدة من البصائر الضرورية لكل ساعٍ للنجاة في هذه الحياة الدنيا، وما فيها من الازمات والمشاكل والهموم، وأن يعيش فيها حياة طيبة، ويخرج منها راضياً مرضياً، وهي مهمة ليست بالهيّنة لأنها تعبر عن فلسفة الابتلاء الإلهي للإنسان.

ولأن في الموضوع جانباً عملياً وحيوياً فقد جعله سماحة الشيخ مرتضى السوداني، وهو أحد طلبة الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، محور مؤلفه الجديد تحت عنوان: “رحلة النجاة بين أمواج الدنيا”، وراح يتدبّر في هذه الرواية العميقة الدلالات، موجهاً خطابه بالدرجة الأولى لشريحة الشباب بالتفاتة منه كريمة لمن يرنو الى النمو والتطور والابداع ويبحث عن الجديد والمثير، وهي سمة شريحة الشباب.

الكتاب قدّمه سماحة السيد محسن المدرسي المعروف ببحوثه التبصيرية –إن جاز التعبير- لشريحة الشباب فيما يتعلق بصناعة الشخصية الناجحة، والارتقاء بالوعي والثقافة الى ما هو أسمى من الأفكار البشرية، حيث قيم السماء والتكامل الإنساني، ونفى سماحته أن يكون الكتاب “مبحثاً وعظياً وارشادياً من جنس المباحث التي اعتاد الانسان سماعها في مجالس الحزن على فقدان الأعزة، تخفيفاً لثقل المصاب، إلا أنه ليس كذلك، إذ أن التبصّر بحال الدنيا، وموقعية الانسان منها، و دوره فيها، وطبيعة العلاقة التي ينبغي ان تربطه بها، يعد من صميم المباحث المعرفية، فضلاً عن دوره التربوي في بناء الشخصية المتكاملة”.

قسّم المؤلف كتابه الى فصلين يجيبان عن سؤالين: ما هي الدنيا؟ والثاني: “كيف لنا عبور بحرها المهول بسلام”. وقد جاء عنوان الفصل الثاني: عبور بحر الفتن، لكل فصل مبحثين، فقد تضمن الفصل الأول: تأملات من الحديث الشريف، والمبحث الثاني: “إثارات مشرقة” من سيرة أمير المؤمنين، عليه السلام، مع عناوين فرعية أخرى تسلط الضوء على حقيقة الحياة الدنيا.

أما الفصل الثاني، فقد تضمن المبحثين نفس العنوانين في الفصل الأول، إنما سياق الحديث يختلف باختلاف عنوان البحث الرئيس، فالتأملات في الفصل الأول جاءت لتبيين حقيقة الحياة الدنيا، ويشير المؤلف الى “التناقض الظاهري” بين أحاديث الذمّ، وأحاديث المدح للحياة الدنيا في روايات أهل البيت، عليهم السلام، ويخرج بنتيجة انه “اذا جمعنا بين هذين الجانبين، يتضح مفهوم مهم: الدنيا وسيلة وليست غاية”.

ومسألة غاية في الأهمية يسلط الضوء عليها سماحة الشيخ المؤلف، ويقدم فهماً صحيحاً لنبذ الحياة الدنيا من خلال قيمة الزهد بأنه “ليس ترك الدنيا بمعنى الانعزال عنها، بل هو التحرر من التعلّق القلبي بها، مع ممارسة الحياة بشكل طبيعي وفق أوامر الله –تعالى- ونواهيه.

وهي مسألة باتت محور جدل في نقاشات ساخنة بين افراد المجتمع، فمن يدعو الى الدين بشكل عام، فهو يدعو للانعزالية والانطوائية، والبعد عن تطورات الحياة ومستلزماتها، وهو ما ينفيه الدين جملةً وتفصلاً، إنما الروايات تحثّ على طلب العلم والمعاش والتجارة والتطور في جميع مجالات الحياة وفق الموازين الأخلاقية والدينية.

الكتاب جدير بالقراءة، فهو جميل في موضوعه، وفي طرحه الفني والمنهجي، وقد حرص المؤلف على عدم الإطالة المُملة في البحوث الفرعية، مع عناوين جاذبة ومعمّقة مثل: الألوان ظلام، وماء لا يروى، وذهب أم نحاس؟ والصيد المربح، دور الشيطان في المعادلة، كما تضمن الكتاب محطات استراحة للقارئ تحت عنوان “عبرة”، تهدي القارئ ملخصاً لما مرّ عليه من الحديث الشيّق والجميل.

الكتاب بواقع 168صفحة، تبنت طباعته ونشره، دار البصائر للطباعة والنشر، وهو متوفر للقراء الكرام في مكتبة الدار في كربلاء المقدسة، شارع قبلة الامام الحسين، عليه السلام، الشارع المؤدي الى فندق الميزان.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا