بعد مضي عشرين عاماً على انهيار نظام حزب البعث ومنهجه العلماني في العراق، وعودة النظام الإسلامي الى بعض مفاصل الحكم، وتثبيت “الإسلام أحد مصادر التشريع”، تم سنّ قانون ينظم الجرائم الجنسية تحت عنوان “قانون البغاء والشذوذ الجنسي”، ليكون بديلاً لقانون أقّره مجلس قيادة الثورة المنحل في عهد النظام البائد، والمعروف “بقانون البغاء” رقم 8 لسنة 1988.
ورغم إيجابية الحدث، بيد أن التأخير طيلة هذه الفترة له دلائله واسبابه، مما وسمه كتّاب ومتابعين على أنه انتصار للفضيلة على قوى الرذيلة، فيما تحدث آخرون عن حجم التحديات التي واجهها هذا القانون من اطراف دولية، وتحديداً؛ الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة سنّه بدعوى التقاطع مع مبادئ الديمقراطية المفروضة على الدستور العراقي.
اعتقد من الأحسن عدم الاعتناء بالتصريحات الأميركية والبريطانية حول الموضوع، فلا يهمنا رأيهم حول قضية تخصّنا بالدرجة الأولى، رغم معرفتنا بخلفيات الموقف الغربي الرافض لأي قيود على الإباحية الجنسية في البلاد الإسلامية، إنما المهم لدينا المزيد من رصّ الصفوف واتخاذ إجراءات رديفة أخرى تعزز السلامة النفسية لافراد المجتمع من خلال قوانين تنظم كل ما يتعلق بالجنس.
🔺 المجتمع العراقي بشكل عام، يتصف بالمحافظة على القيم، ومن حيث المبدأ يرفض الإباحية الجنسية ولا يتقبلها كحالة عامة بأي شكل من الاشكال، كما هو عديد المجتمعات الإسلامية
وكما جاء في الفقرة الأخيرة للتعديل على القانون بانه جاء “انسجاماً مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية”، فان إضافة تشريع يجرّم اللواط (الشذوذ الجنسي) الى جانب الزنا، يُعد تحصيل حاصل لمسألة يفترض البتّ بها منذ زمن بعيد، لشدة تعارضها مع الفطرة البشرية، فالخطوة التالية والأهم؛ في مكافحة المثيرات والمحفزات لهذه المنكرات قبل وقوعها، بما يمكن عدّه؛ الوقاية قبل العلاج.
المجتمع العراقي بشكل عام، يتصف بالمحافظة على القيم، ومن حيث المبدأ يرفض الإباحية الجنسية ولا يتقبلها كحالة عامة بأي شكل من الاشكال، كما هو عديد المجتمعات الإسلامية، إنما المثيرات الخارجية هي التي تلعب دورها في استسهال الانحراف، ثم جعله أمراً طبيعياً، وإلا فان عديد الدول الغربية ودول أخرى في العالم تجرّم البغاء، وتفرض عقوبات على السمسرة بما يسمى بالرقيق الأبيض، او تحظر وجود دور البغاء بشكل علني، فيما تبيحها دول أخرى، فما فائدة تلك القوانين والعقوبات عندما يكون الانسان هناك أمام مثيرات ومحفزات تدعوه كل لحظة لارتكاب ما يحظره القانون؟
و حسناً فعل المشرعون من نواب الشعب العراقي في إدراج فقرة تتعلق بهذا الموضوع تحديداً، في المادة 2، رقم 5 بأن “تلتزم هيئة الاعلام والاتصالات، و وزارة الاتصالات باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الترويج للشذوذ الجنسي او نشر المواد الإباحية او المخلّة بالحياء والأخلاق والآداب العامة”، مما يساعد على توفير الوقاية من المثيرات الجنسية، لاسيما على شبكة الانترنت كما تفعل عديد الدول في العالم المدركة لتأثير الاعلام على الثقافة والتربية والسلوك.
وهنا لابد من تسجيل ملاحظة خاطفة على القانون الجديد، إقحام جملة أراها مقصودة من جهات معينة فيما يتعلق بالمادة الخاصة بالتخنّث، فجاء التعريف به بانه: “كل ممارسة مقصودة للتشبه بالنساء، ولا يعتدّ بما يقع منه لأغراض التمثيل”! فهل يا ترى ان الفن يقتضي تشبه الرجال بالنساء؟! ولماذا يجب ان تبقى ثغرة في هذه المادة ذات المحتوى الإنساني الواضح؟
علماً أن القانون السابق الذي تم التعديل عليه كان يتضمن عقوبة الإعدام لكل من تثبت عليه جريمة اللواط او تبادل الزوجات لأغراض جنسية، وفي هذا التعديل تم حذف هذه العقوبة، واستبدلت بغرامة مالية والسجن لفترة لا تقل عن سبع سنوات، فاذا كان تشريع هذا القانون “انسجاماً مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية” كما جاء في نصّ التعديل، فهل من انتهاك أكثر وقاحة لهذه الفطرة الإنسانية من جريمة اللواط؟
🔺 رغم إيجابية الحدث، بيد أن التأخير طيلة هذه الفترة له دلائله واسبابه، مما وسمه كتّاب ومتابعين على أنه انتصار للفضيلة على قوى الرذيلة
يبدو اننا بحاجة الى وقت طويل لتتطابق قوانيننا مع الشريعة الإسلامية السمحاء التي لم تترك شاردة ولا واردة تحمي حقوق الانسان وتحفظ كرامته وحريته، إلا ووضع لها قانوناً وضابطة يحتكم اليها.
ولا نستطرد اكثر في الموضوع، فان قانون البغاء اساساً وضعه النظام البائد لترميم التشوّه الخطير في صورة المجتمع العراقي بعد ثمان سنوات من الحرب، وتأثره بالافرازات السيئة من فقر، وفقدان للأزواج في ساحات القتال، الى جانب فقدان القيم الدينية والأخلاقية بنسبة كبيرة، اضطر ذلك النظام لسنّ هذا القانون وفرض عقوبة السجن والإعدام على البغي ومن يمارس اللواط، في محاولة بائسة منه للسيطرة على الأوضاع. مما يعني اننا في هذه البرهة الزمنية، وبعد نضوج ثقافي وأخلاقي وديني، يفترض ان نتطلع الى ما هو أبعد في بناء مجتمع متماسك ومتعلم ينشد التنمية والتطور من خلال الابتعاد من كل اشكال الميوعة والتحلل، حتى وإن كانت على شكل صور منتشرة في الأسواق وواجهات المحال التجارية بدعوى الإعلان التجاري ينتهك حرمة المرأة والفتاة العراقية، ويخدش صورتها وكرامتها في عيون الرجال.