أدب

 فكرة الاقتداء في قصة (على ذات السبيل)

الكثير من المواقف التاريخية والانسانية منها لا يمكن نسيانها بمرور الأزمان كونها مواقف وأفعال ذات قيمة عالية وتهتم في الانسان وهمومه وتطلعاته لذلك لها تأثير قوي لبعدها الانساني هذا، وكيف بها إذا كانت هذه المواقف صادرة عن أئمة معصومين كل فِعالهم وخصالهم ومواقفهم خالصة لوجه الله ــ تعالى ــ ولها من المصداقية والقوة ما يجعلها تؤثر تأثيرا بالغاً على النفس.

و في قصته الفائزة في مسابقة تراتيل سجادية (على ذات السبيل) والمنشورة في كراس للنصوص الفائزة / مسابقة القصة القصيرة الثانية/ ضمن مهرجان تراتيل سجادية الدولي الخامس الذي أقامته العتبة الحسينية المقدسة/ طبع 2019/ استطاع الكاتب (صباح رحيمة) أن يوظف موقفا من هذه المواقف ومحاولته تجسيد مفهوم الاقتداء بأفعال الأئمة  المعصومين، عليهم السلام، من خلال ربطها بواقعنا المعاصر وما ينبغي لكل إنسان أن يقوم به من أفعال ويخلص بها لوجه الله تعالى و في خدمة الآخرين من الذين هم بأمسّ الحاجة لها.

ومن خلال هذه الثيمة التي كان يقصدها استطاع أن يوصل الفكرة بسرده الواضح الذي قاده الى تحقيق هدفه والوصول الى المغزى المراد تأكيده وبلغة بسيطة سلسة.

طوابير من النساء  تنتظر دورها للحصول على وجبة غذائية من احدى المؤسسات الراعية وحسب الحروف الأبجدية، يحدث حوار بين امرأتين حول معرفة وتحديد موعد امرأة عجوز يبدأ اسمها بحرف (ي) حيث يتأخر وصول دورها قريبا، وحتما ستتأخر ربما لأيام أُخر وهنا تتجسد مدى المعاناة التي يعيشها الايتام والارامل من زوجات الشهداء والمطلقات هذه الشرائح الاجتماعية التي تشكل عبئا كبيرا لأعدادها العالية، والتي تحتاج الى رعاية خاصة لانتشالها من حالة الحاجة والفقر وتحقيق كرامتها بين المجتمع، ويجسد الكاتب تلك المعاناة في مقطع من قصته عن احدى النساء فيقول:

“مرت على اطفالها الذين اعتادوا على ان يبيتوا ببطون خاوية بعد ان ألهتهم بشيء من الزاد وراحت تمر عليهم بنظرات حزينة ودمعات منسابة، تغطي هذا وتمسح على رأس ذاك، وتقبّل الصغير، تتكئ على الحائط تنظر اليهم، وقد تزاحمت الافكار داخل رأسها وتداخلت الصور في مخيلتها منذ ان ارتبطت بذلك الشاب الشهم والشجاع، وانجبت منه اولادها الثلاثة، حتى يوم فارق الحياة .. ليتركهم بلا مورد رزق ولا بيت ولا معين”.

هكذا يوصف الكاتب معاناة تللك المرأة الأرملة مع أولادها وهي تتأمل وتحلم في من ينقذهم هي وأولادها من الوضع المزري الذي تعيشه، إنها تحلم وتأمل من الله أكرم الأكرمين وأنها على إيمان ويقين من أنه ــ عز وجل ــ لا يمكن أن يتركهم هكذا وهي الصابرة المجاهدة المثابرة لذلك، وهي في أوج قوتها وعزيمتها وثباتها  تسمع طرق الباب فتذهب لفتحها لتتفاجأ بما رأت من خيرات كل ما كانت تتمناه لإطعام أولادها؛ أكياس الرز والدقيق والسكر وغيرها الكثير، ولكن لا من شخص هناك فيا ترى من الذي جلب كل تلك المؤونة التي أفرحتها؟!

استطاع الكاتب (عباس رحيمة) أن يشير هنا الى موضوع التصدق ومساعدة الاخرين بالسر للحفاظ على كرامة المحتاج وقد أعاد لنا بشكل متشابه نفس  الطريقة التي كان أئمتنا الكرماء يستخدمونها في عطائهم، وهي عدم الإفصاح بشخصياتهم ويكون عطاؤهم ليلاً وبالسر، وهنا أيضا اختفى الشخص المتبرع عن باب بيت المرأة ! فقط رأت ورقة كتب عليها بعض الكلمات والتي تقول:” تحيتي وبعد .. هذا ما أستطيع فعله .. اعذريني.. واسمحي لي فقد دفعت إيجار المكان واشتراك خط الكهرباء .. خادمكم”.

 “راحت تعيد قراءة تلك الكلمات مرة أخرى وتكرر… خادمكم , ويقفز الى رأسها السؤال : من هذا ؟ خادمنا!  كيف يمكن أن يكون خادماً وهو السيد الذي مسح عني وعن أولادي الحزن ومنحني الكرامة”.

وهنا الكاتب حاول احضار الزمن الماضي المتمثل بطريقة عطاء الإمام السجاد عليه السلام، بالزمن الحاضر بالشخص المتبرع الذي اختفى عن أنظار المرأة بنفس الطريقة، وقد أراد الكاتب بذلك أن يؤكد على ضرورة اقتداء الجميع بما فعله الإمام السجاد، عليه السلام، وغيره  من الأئمة، صلوات الله عليهم أجمعين، فهم الشجرة الطيبة والقدوة الحسنة، وهم الباذلون، أصحاب المواقف العظيمة، وأنَّ الأزمنة وإن اختلفت وتبدّلت يبقى الانسان محافظا على قيمه ومبادئه وبذله الغالي والنفيس من أجل كرامته وعزته وعلى امتداد الأجيال. وقد كان الكاتبُ سارداً موفقاً في توصيل هذه الفكرة الجوهرية المهمة.

عن المؤلف

كفاح وتوت

اترك تعليقا