قد لايخفى على الجميع ما ألقته الظروف الأمنية والاقتصادية من ظلالها على الواقع التعليمي، وهذا ما أدى بدوره الى تضاؤل الكثير من الأفكار والمشاريع التنموية الخاصة بالتعليم، هذا من جانب.. ومن جانب آخر توسع الافق الرحب للعراق بالانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي، وايضاً في مجال تقنية الاتصال عبر العالم، وانتشار المعلومات بشكل مذهل، مما دعا أغلب المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي النظر بجدية للآفاق المستقبلية التي تحتم عليهم خلق مناخات ملائمة للطالب تمكنه من تنمية مواهبه وقدراته، وإيجاد أرضية مناسبة لاكتشاف هذه المواهب الكامنة في دواخل الطلبة، والتي لا يتسنى للكثير الانتباه إليها واكتشافها.
وبطبيعة الحال تجد هناك من الكادر التدريسي من يتعامل بشكل سطحي مع جميع الطلاب، وينظر اليهم بناءً على احكام مسبقة وانطباعات معينة عن حالة الإهمال وعدم الجدّية لدى بعض أولياء الأمور إزاء ابنائهم، وهي ظواهر تم رصدها، بيد أنها لا تمثل حالة عامة.
الأسرة والشراكة الحقيقية مع المدرسة
لا يخفى على الجميع ما لجوانب مثلث التعليم الأهم؛ الطالب – البيت – المدرسة، من دور مباشر في اكتشاف المواهب وصقلها، ومع هذا قد ينعدم اهتمام بعض العوائل بأبنائهم بسبب انشغالهم بمصاعب الحياة ومشاكلها، أو فتح باب الحرية الواسع لأبنائهم للولوج الى عوالم الشبكة العنكبوتية بلا رقابة.
هذه الشراكة الحقيقية بين المدرسة والأهل تساهم بشكل فاعل في فتح آفاق جديدة لدى الطالب بما من شأنه مساعدته على الوصول للخيارات الايجابية المتاحة في مسيرته التربوية والتعليمية.
الابداع في دور المدرس والمعلم
مما لا يخفى على الكثيرين الأدوار الكبيرة للكادر التدريسي؛ من معلمين ومدرسين في صقل شخصية الطلاب، وتهيئتهم لأخذ زمام الأمور في المجتمع وتحمل مسؤولية القيادة والانتاج في ميادين شتى.
والقضية لا تقتصر في الجانب العلمي، بل يتعداه الى الإسهام في تكوين الشخصية السويّة التي تتحول مستقبلاً الى أب أو أم، فيكون لدينا المربي الفاضل والمبدع والمنتج الذي يواجه التحديات ويقاوم التثبيط ودعوات التحلل التي تبثها قنوات فضائية ومواقع على النت، ثم كسر حاجز الانهزامية النفسية واستبدالها بروافد إيمانية أساسها الثقة بالله – عز وجل – وبقدرة الانسان المؤمن في التغلب على اعتى الصعاب، وخاصة فيما نسمع من قصص الخوف والقلق او اللامبالاة بالتعاليم السماوية، والتي تجعل المعلم هو البادئ والباني لشخصية الطالب تباعا في مستويات دراسته يهيئها بالاعتماد على قواعد منها:
أولا: الاستشعار برقابة الله وحياطته، فقد جاء في الحديث عن الامام الصادق، عليه السَّلام: «يَا إِسْحَاقُ، خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، فَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّهُ لَا يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ ثُمَّ بَرَزْتَ لَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَقَدْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَهْوَنِ النَّاظِرِينَ عَلَيْكَ».
ثانيا: تأسيس علاقة تامة كاملة مرتكزاتها الحب والتواصل والهدفية مع الطلاب، ويتواصل بالتعليم له بمبدأ الأجر والحسنات وسن السنّة الحسنة للآخرين.
ثالثا: تعليمه الاهتمام بالوقت وعدم إهدار رأس مال الانسان الاثمن للانسان، والاستشهاد بقول المصطفى الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَ».
رابعا: التحفيز والمتابعة اليومية او الاسبوعية للطالب المتميز كتابة او خطاً، القاء أو رسماً، فكراً او حسابا أو حتى بسرعة البديهة والنشاط الحركي.
المعلم والطالب ووسائل التواصل الحديثة:
من المهم على المعلم الذي يقضي ساعات طوالاً مع الطالب.. ومع ما يملكه من كاريزما قوية وحب وقبول ومتابعة تصل الى مستوى الاقتداء به من قبل الطالب بأغلب الجوانب قولا وفعلا وتطبيقا، الاستفادة من الوسائل التعليمية الجديدة الجاذبة للافكار، والخلّاقة للطموحات، وذلك عن طريق مواكبة أحدث الطرائق التعليمية العصرية التي توائم روح العصر وذهنية ونفسية الطالب في كل وقت وحين..
فلا يمكن الركون الى نفس الأساليب القديمة التي لا يستسيغها شباب اليوم، أو الاعتماد على طريقة التلقين فقط.. من غير أن تكون هناك أساليب تستفز الذاكرة، وتعصف بالذهن نحو استخراج طاقات أكبر، ومواطن ذكاء أعمق..
الى جانب الاستفادة من فعاليات ومناسبات ثقافية مثل المعارض والمنتديات الثقافية والتواصل الاكاديمي مع الخبرات الواعدة الصاعدة لدى الطالب، وحثه على الابداع أكثر وأكثر خاصة في أفق الشبكة العنكبوتية التي من الممكن والمحبذ استثمارها بتنمية المواهب تلك، كسماع الشعر ومحاضرات الالقاء لمن يريد ان يكون خطيبا، وسماع الدروس التعليمية لمن يريد ان يكون محاضراً لبقا، ومشاهدة روابط الاعمال اليدوية للرسم والنجارة لمن يحب هذا المجال، واتباع خطوات الطبخ وفنونه لمن تريد أن تكون بارعة بهذا المجال، او التواصل مع الرياضة وخطواتها، او الحساب أو العلاقات العامة، هذا علاوة على باب الاختراعات والاكتشافات لمهارات وقدرات متفرّدة ترفع من شأن البلد في العالم.
النشاطات اللاصفية.. بوابة نحو الابداع
النشاطات اللاصفية تمثل نافذة كبيرة تتيحها المدرسة للطالب لاختبار قدراته ومواهبه واستقصاء الابداع وتشخيصه، ويمكن ان نجدها في معارض الرسم، والمهرجانات الثقافية والفعاليات الفنية، ومسابقات الخطابة السنوية، ومسابقات الرياضة، وغيرها، بل وحتى النشاطات المتعلقة بالجانب النفسي والمعنوي التي تثير في الطالب الروح الايجابية، كالعمل بحديقة المدرسة، والكتابة في النشرات الجدارية، والرسوم على جدران المدرسة، ووضع الزينة وغيرها الكثير من النشاطات التي تشمل الجنسين؛ (ذكوراً وإناثا)، كلها أبواب ومجالات ونشاطات مهمة جدا لتطوير الخبرات واكتشاف المواهب الدفينة لدى طالبنا العزيز.
ويمكن للبطاقة المدرسية المهمّشة أن تساعد في هذا الطريق وتقود المعلم، من خلال عنوان البطاقة التي تحدد موهبة الطالب وتخصصه، للوصول الى الطالب المميز بالنشاطات الفاعلة اللاصفية الهادفة على مدار مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ولتكون حلقة وصل وجسر معرفة لسيرة هذا الطالب الابداعية الممتلئة بالحماسة والنشاط والمشاركات.
ومادمنا قد دخلنا لعمق المدرسة وبحارها الابداعية التي ترسو بها سفن الطلبة المتميزين على شواطئ الابداع والفكر.
نذكر بابين آخرين لتوسعة الفكر للوصول إلى التطبيق بأطره الرحبة المباركة:
الباب الاول:
المحاضرات التنموية، التي تقدم لطلاب المدارس حاليا والتي ترعاها المراكز الاسرية او المؤسسات التنموية بالشرح عن التخطيط ووضع الهدف وأسس النجاح، والتي تعد بابا كبيرا للتحفيز وخلق القدرات الابداعية بعد تجاوز المشاكل الاسرية للطالب وبث روح الامل والتفاؤل والقدرة به على ارتقاء سُلم المجد.
ونضيف لها الاصطفاف الصباحي الذي من الممكن ان يكون عاملا مساعدا بالارشاد التربوي والتوجيه واستنفار الطاقات وخلق المنافسة الجميلة بين الطلاب.
والباب الثاني:
هو باب الحسين، عليه السلام، فالاغلب أن شهري محرم وصفر هيما من ضمن الاشهر الدراسية، ولا يخفى على الجميع ما لوهج الحسين، عليه السلام، وثورته المعطاءة من دور في استخراج كل الطاقات الخلاقة الابداعية والايمانية لدى الطلاب، متمثلين بحديث الامام جعفر الصادق، عليه السلام: «كلنا سفن النجاة، ولكن سفينة جدي الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع».
فباب الخدمة الحسينية والقضية العاشورائية والنهضة الكربلائية باب واسع كبير الافق رحب الفضاء بالحث واثارة الحماسة والوعي بالنفس والعقل الانساني، ونذكر من تلك المواهب:
(الخطابة، المحاضرات، الخدمة بالمواكب وما يتبعها من أعمال، اللطميات، التشابيه، التكيات وغيرها الكثير الكثير من الابواب الواسعة التي تدفع الشباب للعمل الحسيني المبدع)، خاصة لو كانت بأياد تربوية واعية ووفق إشرافهم لجعل الحسين عليه السلام منهجاً ومنارا وشريعة وشعارا ننثر بذور حبه الغضة بقلوب أبنائنا وبناتنا لتتفتح القدرات زينبية عباسية حسينية ومع الايمان بالطاقات الذاتية الكامنة، والمواهب التي اودعها الرب سبحانه لبني البشر ليكونوا قادة الحياة وصناع ازدهارها.