غير مصنف

الزراعة في العراق وغياب فرص النمو والتطور

من أهم ما تميز به العراق؛ شهرته في مجال الزراعة، وقد سُمي قديماً بـ «أرض السواد»، لكثرة أشجاره وامتداد اراضيه الزراعية التي تنتج محاصيل مختلفة…

من أهم ما تميز به العراق؛ شهرته في مجال الزراعة، وقد سُمي قديماً بـ «أرض السواد»، لكثرة أشجاره وامتداد اراضيه الزراعية التي تنتج محاصيل مختلفة.

وقد لعبت الزراعة قديماً، دوراً مهماً في دفع الانسان العراقي لتغيير اسلوب حياته من التنقل الدائم، أي حياة الصيد والرعي، الى الاستقرار والسكن قرب الاراضي التي قام بزراعتها، وبذلك تكونت القرى الزراعية التي تحولت لاحقاً الى مدن كبيرة.

إن وجود نهري؛ دجلة والفرات واختراقهما الاراضي العراقية من الشمال الى الجنوب، وفّر ثروة مائية هائلة، ساعدت كثيراً على استصلاح اراضيه وجعلها صالحة للزراعة.

ورغم وجود النهرين العظيمين، والاراضي الصالحة للزراعة في مناطق واسعة من العراق، بيد أن قطاع الزراعة ما يزال يعيش وضعاً متردياً جداً يوجب على الجهات الحكومية انتشاله من واقعه البائس والمزري، وأن تسرع في تحديد الاسباب ومعالجة نقاط الخلل التي أدت الى تدهور الزراعة في عموم البلاد، وأن تعي الحكومة أن الأمن الغذائي هو جزء من الأمن الوطني، وعليه يجب ان يكون الاهتمام بالزراعة ضرورة قصوى لاهميتها في حياة المجتمع العراقي.

نحن نأمل ان تكون في العراق سياسة زراعية واضحة المعالم، ويُصار الى صياغة قوانين تراعي وتنظم الناتج الزراعي المحلي، وقوانين أخرى تقنن استيراد المنتجات الزراعية من الخارج، حفاظاً على انتاجنا الوطني واستقرار الاسواق المحلية.

 مكافحة الفقر وضمان الأمن الغذائي

كل شعوب الارض تستخدم الزراعة كعامل اساس ومهم في مكافحة الفقر لانها من أقوى الوسائل التي تستطيع من خلالها تعزيز الرفاه وتوفير الغذاء، وهذا ما لاينطبق علينا في العراق، فالامر لدينا مختلف تماماً، لان العاملين في الزراعة يشكلون الغالبية العظمى من الناس المسجلين تحت خط الفقر، ناهيك عن تحول الاراضي الزراعية الى أحياء سكنية ومحلات تجارية دون ضوابط قانونية تحت أنظار الدولة العراقية واجهزتها الرقابية التي التزمت الصمت إزاء ذلك.

ان الزراعة هي علم انتاج المحاصيل النباتية التي تنفع الانسان وتلبي احتياجاته، وتعد الزراعة المصدر الاساس والرئيسي لكافة المواد الغذائية التي تحقق الامن الغذائي لكافة شعوب الارض، وعليه يجب أن يكون الاهتمام بهذا القطاع الاستثنائي لتماسه المباشر بحياة الناس.

ولذا يمكن تصنيف الزراعة الى ثلاثة اصناف:

الأول: الزراعة المتقدمة ذات الاساليب الانتاجية الحديثة والعصرية.

الثاني: الزراعة النامية، هي الزراعة التي تحاول الخروج من اساليب الزراعة المتخلفة الى اساليب الزراعة الحديثة.

الثالث: الزراعة المتخلفة؛ وهي الزراعة التقليدية التي تستخدم الاساليب الزراعية القديمة والبدائية غير المتطورة، والمستخدمة لدينا في العراق بنسبة كبيرة جداً.

ولأهمية الزراعة في حياة الناس، فقد حثنا البارئ عزوجل، في القرآن الكريم على زراعة الارض وإحيائها:

{وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ َفَلَا يَشْكُرُونَ}، (سورة يس: 33-35).

وجاء في الحديث النبوي الشريف في الحثّ على الزراعة مهما كانت الظروف: «اذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها».

 معالجات جذرية

يتوجب علينا تحديد اسباب تردي الواقع الزراعي في العراق، ليتسنّى لنا وضع الآلية للنهوض بهذا القطاع الحيوي والمهم، ومن اهم الاسباب:

1- اعتماد اقتصاد الدولة على واردات النفط كمصدر للدخل الوطني، وهو خيار مؤقت وليس خياراً استراتيجياً ودائماً، كون النفط له عمر محدود، كما يؤكد الخبراء بالثروة النفطية، وبذلك أهملت مصادر الدخل الاخرى، ومنها على وجه التحديد؛ الموارد الزراعية.

2- عدم رعاية الدولة للفلاح بأي شكل من الاشكال وانقطاع الدعم الحكومي، مما أدى الى هجرة الفلاح من الريف الى المدينة.

3- تقاعس الفلاح العراقي عن أداء عمله في الحقل، ولجوئه الى الوظائف الحكومية التي تضمن له مرتباً شهرياً ثابتاً.

4- زحف الاحياء السكنية والمحلات التجارية على البساتين والاراضي الزراعية دون ضوابط قانونية، وبذلك نجد أن العراق يخسر باستمرار أراضي زراعية واسعة.

5- ممارسة الفلاح العراقي طرق الري القديمة والبدائية رغم أزمة المياه العالمية، وهنا ثمة إشارة الى الهدر الكبير للثروة المائية جراء هذه الطرق المتخلفة في الري.

6- عدم اتباع الطرق الصحيحة في الزراعة، ومنها استخدام المكننة الحديثة نتيجة عدم احتكاك الفلاح العراقي مع مثيله في الدولة المتقدمة زراعياً.

وهنا يتوجب على وزارة الزراعة إيفاد الفلاحين والمزارعين الى الدول المتقدمة لكسب الخبرة والتجربة من نجاحات الآخرين.

7- رداءة البذور المستخدمة وغير المحسنة وعدم توفير الاسمدة الكيمياوية في أغلب الاحيان.

8- عدم حماية الناتج المحلي وفق قانون ينظم استيراد وتصدير المحاصيل الزراعية وإنهاء حالة التخبط في استيراد محاصيل هي موجودة بالاساس في العراق مما يتسبب في خسارة المزارع العراقي.

من جهة أخرى ثمة خطوات إصلاحية يتوجب على الدولة اتخاذها للنهوض بالواقع الزراعي في العراق، وأن تحيط العملية الزراعية برعاية خاصة من خلال دعم كافة المؤسسات ذات العلاقة، وان تحرص على توفير مما يلي:

1- دعم الزراعة والمزارعين من خلال توفير المكننة الحديثة، والبذور المحسنة، والاسمدة بكافة انواعها، وأن توفر قروضاً ميسّرة للمزارعين بواسطة المصرف الزراعي، ودون فوائد.

2- إجراء مسح ميداني لكافة الاراضي الصالحة للزراعة، والاراضي التي يمكن ان تستصلح وتوجيه جهد الدولة لدعم مشاريع استراتيجية بهذا الخصوص.

3- تحويل الفلاح العراقي من طرق الري القديمة، الى طرق حديثة، مثل؛ الري بالرش والري بالتنقيط.

4- سن قوانين تحمي الانتاج المحلي الوطني وتنظم عملية الاستيراد والتصدير لعموم المحاصيل الزراعية المستوردة وايضاً المصدرة، حسب حاجة السوق العراقية.

5- إقامة مراكــــــز بحــــــثية متخصصة في مجال اســــــتخدام تقنيات متطورة في الزراعة مثل؛ استخدام الهندسة الوراثية وتعديل الجينات لتحسين المحاصيل الزراعية.

6- فتـــــح بـــــاب الاستثمار الخــارجي لاســـــــــتصــــلاح الاراضــــــــي في عموم صحــــــارى العراق وفق قوانين رصينة ومدروسة تعود بالنفع الى العراق والعــراقيين.

ومن خلال كل ما تقدم، ندعو الدولة بكافة مؤسساتها المختصة وكذلك الاكاديميين، ومنهم؛ المهندســـــون الرزاعيـــــون بالتحديد، وكافة الفلاحين والمزارعين وتجار المحاصيل الزراعية والمستوردين للمكننة الزراعية، والاسمدة الكيمياوية، وكل الجهات ذات العلاقة مدعوون جميعاً الى وقفة جدية وحقيقية لمعالجة اسباب تردي الواقع الزراعي في العراق، ونعتقد جزماً أن كل عوامل النهوض بهـذا الواقـــع ميسّرة في العراق متى ما كانت النيّة والعزيمة في العمل خالصة لله – تعالى- ولفائدة البلاد والعباد، لما تفضل به البارئ – عزوجل – على هذا البلد من وجود الانهار وخصوبة الارض، ولما تحتويه ارض العراق من مواد أولية في صناعة الاسمدة الكيمياوية، وسهولة استصلاح الاراضي.

كل ذلك يساعد على الارتقاء بالزراعة الى أفق أسمى وأرقى، وبذلك نكون قد حققنا للعراق تقدماً في مجال الزراعة بشكل خاص، وفي المجال الاقتصادي بشكل عام، عسى ان يكون فاتحة خير للتقدم في الميادين الاخرى.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا