هناك فرق كبير في تربية الأولاد بين الذكور والإناث تبعاً للاختلافات الفيسيولوجية والنفسية، فطبيعة تفكير وإحساس الذكور تختلف تماماً عن الإناث، وهذا الاختلاف كفيل بتمييز شخصية كل جنس وسلوكياتها تبعاً للعوامل البيولوجية والهرمونات الموجودة في الأنثى وما موجود عند الذكر، وما يتجسد على الواقع الخارجي من ردود فعل إزاء قضايا مختلفة، كذلك اختلاف أساليب التفكير والتصرف، واتخاذ القرارات، وإطلاق المشاعر المتأصلة والخاصة بكل جنس، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بالحسبان في أثناء التعامل معهم في التربية، والذي سنتطرق له في هذا المقال والخاص بتربية البنت.
-
من أين نبدأ ؟
لتربية الإناث أهمية كبيرة، لأننا إن أردنا أن نحفظ المبادئ والقيم في داخل المجتمع الواحد علينا أن نزرعها في داخل البنت ؛لأن مسؤوليتها في الأمومة تحتم عليها تصدير تلك المبادئ والقيم لأبنائها ومن ثم إلى المجتمع.
لذلك ينبغي الأخذ بالأمور التالية:
أولاً: تنمية الشعور الفطري الأنثوي:
وهي الفطرة التي غرسها الله –تعالى- في داخل كل أنثى، والتي تميزها من حيث الجنس عن الذكر، من خلال الهوايات والمشاعر والتفكير والميول إلى ما تدعو له الفطرة، ويتم تنمية شعور الأنثى بذاتها عن طريق التعامل معها كأنثى، ابتداء من توفير الألعاب التي تهتم بها؛ كالدمى، والتي تتناغم مع شخصيتها، واختيار الملابس والإكسسوارات التي تبرز جمالها؛ و غيرها من الأمور لكي لا تكتسب السلوكيات الذكورية التي تتنافى مع طبيعتها كأنثى دون قصد منها، وإذا حصل العكس وتعاملت كذكر منذ صغرها، فانه يسبب انعدام ثقة الفتاة بهويتها الأنوثية، وعدم ثقتها بنفسها، ما يؤدي أحياناً إلى نمو حالة الاسترجال لدى البعض في مراحل عمرية متقدمة، بسبب اختلاط البنات مع الذكور بكثرة، لاسيما في اللعب، وتقمص شخصيتهم في اللبس والحركات.
ثانياً: الحياء، وما يتلاءم مع أنوثة البنت، وهي أيضاً مسألة فطرية مغروسة في شخصيتها، والتي تميزها عن الذكر، ولا نعني بذلك الخجل المذموم الذي يدل على ضعف شخصيتها بالانعزال والانطواء وعدم الثقة بالنفس الذي هو من خصائص ضعف الشخصية، ولا علاقة له بفطرة الحياء التي تعدّ أخلاقية مع وجود ثقة بالنفس، والتي تعني مناعة داخل نفسها تحجبها عن كل ما يؤدي إلى الفاحشة قولاً وفعلاً.
ثالثا: تنمية المشاعر الجياشة؛ إن مشاعر البنت مليئة بالحب والحنان منذ نعومة أظفارها، فتجدها تحبب نفسها لأبيها ولأمها، وتقترب منهما فطرياً، وهذا يحتاج إلى معاملة بالمثل، باغداق الحب والحنان وبكثافة من قبل الوالدين لكي تبقى هذه الفطرة سليمة دون تشويه، كما يحصل عند بعض الآباء الذين يكرهون أن يكون أولادهم إناثاً، ويستمرون في كراهيتهم لبناتهم حتى عند كبرها، وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه الظاهرة بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}، وهي عادات جاهلية تمتد لزمننا الحاضر عند بعض الأسر مع شديد الأسف، ولا يعلم هذا الأب أنه بعمله هذا يقتل المشاعر داخل ابنته، فتفقد الثقة بمجتمعها بعد أن فقدت الحب والحنان عند رمز الأمان لديها وهو الأب.
وقد راعى الإسلام هذه العاطفة الجياشة عند البنت،فعن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم،”من كان له انثى فلم يئدها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله الجنة”. وبيّن أنه حينما يريد الأب ان يوزع ما جلبه للأولاد أن يبدأ بها، فعن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، من دخل السوق واشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور”، وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، كان إذا أراد سفراً كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، عليها السلام، وأول مَن يدخل عليها بعد رجوعه من السفر، فاطمة.
وهذا الحب والاحترام كفيل أن يجعل من الفتاة الصغيرة امرأة عزيزة عند أهلها، وهذه العزّة هي خير منبع لعاطفتها السليمة، الأمر الذي يجعلها ودودة بشوشة على غير التي تلقت الإهانات والضرب والتجريح من قبل أبويها والتي ستكون حقودة غير مسامحة يصعب الحياة معها، وقد أوضح ذلك نبينا عليه الصلوات والرحمة بقوله: (إن من خير نسائكم الولود الودود، العزيزة في أهلها، …. ثم قال: ألا أخبركم بشر نسائكم؟ ” قالوا: بلى، قال: ” إن من شر نسائكم الذليلة في أهلها،…)، ولذلك فإن عزة البنت في داخل أسرتها واحترامها كفيل بصقل شخصيتها على الود وتبادل الحب والاحترام وبذل العطاء لزوجها وأبنائها مستقبلاً.
رابعاً: لسانها وغضبها، علينا أن نربي أبناءنا على حلاوة اللسان وخاصة البنت التي ينبغي أن لا تكون سليطة اللسان والتي لا يحلو العيش معها بل تكون الحياة معها متعسرة والعكس صحيح في حال قد تربت على عذوبة الألفاظ فإنها ستكون مستقبلاً مع زوجها خير أنيس عندما تحدث زوجها كما قال الشاعر:
إن طال لم يُملل وإن هي أوجزت …. ودّ المحـدثُ أنهـا لـم توجـز
على عكس السليطة التي تكون ثرثرتها بلا فائدة وممتلئة بالنكد واللوم!.
وكذا الحال بالنسبة للغضب فلا شك أن الغضب لا يتلاءم مع السلوك الأنثوي لها فهي بذلك تقترب من الرجولة أكثر من الأنوثة، ولا يعني ذلك أنها لا تغضب طوال وقتها فهي بطبيعة الحال إنسان يشعر بالتعب والملل والضجر وتقلب المزاج ولكن أن لا يكون الغضب عادة وملكة راسخة فيها تنفعل من أدنى شيء بل أن تكون أكثر صبراً من الذكر ويتم ذلك من خلال ما تشبعت به في صغرها من لعب وتنمية هوايات ومهارات وحب وحنان فلعبها ومرحها ونشاطها الحركي في صغرها هو كفيل بحلمها عند الكبر وابتعادها عن الغضب، وتكون صبورة أكثر.
خامساً: الاعتماد عليها بمهارات تتناسب مع شخصيتها كتعلم فن الطبخ والخياطة والتطريز حيث نجد أن البنت تميل الى الأعمال اليدوية في صغرها والتي علينا أن ننميها بداخلها وكذلك اهتمامها في لبس الدمى والذي ينضج شيئاً فشيئاً بالاعتماد عليها بما يتناسب مع عمرها وطاقتها وهويتها الشخصية.
سادساً: صداقتها: وتبدأ هذه العلاقة منذ نعومة أظفار البنت ومد جسور من التواصل بينهما حتى تكون خير مستمعة لأسرارها الأمر الذي يجعل البنت لا تحتاج إلى أذن صاغية غير مأمونة العواقب، خاصة وأن الفتاة عندما تصل إلى سن معينة تحتاج إلى معرفة كل شيء عن أمور الحياة.
وكذلك اصطحاب الأم لابنتها في الاجتماعات النسوية كأداء واجب اجتماعي من تهنئة أو زيارة مريضة كذلك اصطحابها إذا ذهبت إلى مجالس العزاء.
سابعاً: القدوة
الوالدان وخاصة الأم أو ما ينوب عنها في حال فقدانها أفضل من يصور القدوة أمام عيني البنت لذا يجب على الوالدين وبخاصة الأم أن يحرصا على الظهور بشكل لائق أمامها.
ومن هنا نعلم بأن المرأة التي تتربى في أسرة ذات بعد تربوي مدروس تكون ذات مشاعر رقيقة بعاطفة جياشة كفيلة برفع الهم عن زوجها وود يستبشر به فرحاً أبناؤها وتكون ذات شخصية صلبة صبورة تتحمل مسؤولية تربية الأبناء وشظف العيش.
وهي التربية المبنية على الحزم مع اللين فلا ينبغي تقويم سلوكها بالضرب والإهانة لأنها كتلة من المشاعر والأحاسيس بل تتم تربيتها عن طريق اللطف بها وحبها واحترامها مع تعليمها السلوك الحسن، ويخطئ من يظن أن التعامل بقسوة مع البنت لا يتنافى مع أنوثتها بل إنها ستفقد تلك المشاعر الرقيقة شيئاً فشيئاً، ولذلك لا بد من التزام الوسطية في تربيتها دون التدليل المفرط أو الحماية الزائدة.