مكارم الأخلاق

مواصفات الشيعي الحقيقي (12) تقديس الوقت واستثمار نعمة الفراغ*

قال ـ تعالى ـ: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

في مجموعة من الآيات يُقسم الله ـ تعالى ـ بالليل، والنهار، والفجر، والضحى، هذه الآيات تلفت الإنسان الى مسألة الزمن، لانه الظرف الطبيعي لعمل الانسان، فلابد ان يكون للزمن أهمية واعتبار، فحينما يقسم الله بالفجر أو العصر..، هذا يعني ان الفترات الزمنية هي التي تحدد منهج الإنسان ورؤيته، فإذا كان الانسان ينظر الزمن نظرة اعتبار، فهو يختلف عن غيره ممن لا يولي أهمية للزمن.

الانسان الذي يعطي الزمن أهمية يفكّر كيف يستثمر الوقت، ويفكّر كيف يحقق تطلعاته وآماله من خلال الزمن، ويبرمج حياته وفق تقلبات الزمن وظروفه المختلفة، أما الإنسان المهمِل للزمن والذي  لا يوليه أية أهمية، فهو يفكر كيف يقتل الوقت، ولا يهتم في استثماره، فتراه هذا الشخص يعيش الملل، والسأم، وحالة من السلبية بسبب الفراغ الذي يعيشه.

⭐ الانسان الذي يعطي الزمن أهمية يفكّر كيف يستثمر الوقت، ويفكّر كيف يحقق تطلعاته وآماله من خلال الزمن، ويبرمج حياته وفق تقلبات الزمن وظروفه المختلفة

الفراغ نعمة يمكن الانسان من خلاله السعي الى تحقيق أكبر قدر ممكن الاعمال، وانجاز طموحات اكبر، فكلما كان الوقت أكثر سعة عند الانسان كلما تمكن من تحقيق تطلعات اكثر وأكبر، فالتاجر ـ مثلا ـ حيما يكون لديه وقت للبيع أربع ساعات مثلا، ليس كمثل تاجر آخر لديه من الوقت عشر ساعات للبيع.

الانسان حينما يريد القراءة والمطالعة ويمتلك مثلاً عشر ساعات، فمثل هذا ستكون قراءته أكثر ممن لديه وقت للقراءة ساعة واحدة فقط، فالأول تتعمق ثقافته، أكثر ويصحح معارفه.

المشكلة ليست في عدم توفر الوقت عند البعض، بل المشكلة انه يعيش حالة من الفراغ، فتمضي الايام ببطء عنده، فمشكلته تنبع من رؤيته للزمن وعدم الفهم الحقيقي لأهمية الزمن.

الله ـ تعالى ـ حين يُقسم بزمن معينة إلا وله أهمية من اجل اعطاء الزمن اعتبار، ويلفت بذلك الى أهميته، وانه الانسان رهين الزمن، والعمل رهين بالوقت، وعلى الانسان ان يبحث عن الفراغ لا أن يهرب منه، فلابد من اشغال كل لحظة من لحظات حياتنا، ونبحث عن فراغ آخر لانجاز مهام أخرى.

إذا حدّد الانسان اهدافه يستطيع ان يملأ وقته، اما الذي يعيش دون هدف، فهو الذي يعيش الفراغ الحقيقي، وفي هذه الحالة المسلم وغيره على حد سواء، فلا فرق بين هذا وذاك، فالذي يشغل وقته لا يضيع، فوقته مليء بالاهداف، وعليه انجازها، بل هو يبحث عن متسع أكبر من الوقت حتى يحقق انجازات كبيرة وكثيرة، والفرد المؤمن لديه أهداف مشروعة يحقق من خلالها رضى الله ـ تعالى ـ.

⭐ الفراغ نعمة يمكن الانسان من خلاله السعي الى تحقيق أكبر قدر ممكن الاعمال، وانجاز طموحات اكبر

وضع الأهداف لابد أن يكون واضحا وأن يجعل الالولوية للأهداف الاساسية، فهناك هدف أعلى ـ مثلا ـ رضى، وهناك اهداف اساسية تؤدي الى تحقيق الهدف الأعلى، فجانب من تلك الاهداف في الدنيا؛ ان يسعى الانسان الى توفير لقمة للعيش وهذا هدف مشروع، ولذا على الانسان ان يكدح، ويتعب للحصول على العيش الكريم هذا جانب الأهداف، وجانب آخر من الأهداف مرتبط بالقضايا الروحية، التي يجب على المؤمن الاهتمام بها، وجلعها أولوية كونها تسهم بشكل كبير في صناعة الشخصية الإيمانية. وحتى يعرف الانسان الأمور التي يحتاجها فإن عليه أخذ الرؤية الكاملة ذلك من خلال قراءة آيات القرآن الكريم، وروايات النبي الأكرم، وأهل بيته، صلوات الله عليهم، فمن خلال ذلك نعرف ما هي صفات المؤمنين المتقين، فمثلا قراءة القرآن الكريم بتأمل وتدبر، وجعل برنامجا للمطالعة لرفع المستوى الثقافي والعلمي: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}،حينما يعرف الانسان أهمية الزمن يضع لنفسه برنامجا، واستمرار البرنامج يأتي من تقديس الوقت، وتحدد الاهداف العليا من جانب آخر.


  • مقتبس من محاضرة لآية الله الشيخ النمر (رضوان الله عليه).

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا