قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
من أهداف القرآن الكريم ذلك الكتاب السماوي النازل لتنظيم حياة البشرية، هو صنع مجتمع متكامل يوفر لأفراده العيش الكريم وذلك من خلال ما جاء به من إرشادات وتوجيهات واخلاقيات لبناء ذلك المجتمع، ومن تلك الاخلاقيات العظيمة التي يوجهنا لها القرآن الكريم هي العفة تلك التي تمثل حصناً للمجتمع وسوراً له، وبفقدها يكون عرضة للإنهيار، فحتى يتحصن المجتمع ولا ينهار، نجد القرآن الكريم وفي آيات كثيرة يوجه المؤمنين ويدعوهم للعفة ومن تلك التوجيهات القرآنية هي هذه الآية التي ابتدأنا بها الحديث، وهي توجه المؤمنين ليغضوا ابصارهم.
حيث أن من أساسيات العفة هو غض البصر عما حرم الله ومنه النظر إلى المرأة الأجنبية، وكذلك بالنسبة للمرأة فهي أيضاً مطالبة بالعفة من خلال غض البصر وعدم التبرج وإظهار زينتها وكشف نفسها للرجال والاختلاط بهم والخلوة معهم حيث يقول تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
⭐ من أساسيات العفة هو غض البصر عما حرم الله ومنه النظر إلى المرأة الأجنبية، وكذلك بالنسبة للمرأة فهي أيضاً مطالبة بالعفة من خلال غض البصر وعدم التبرج وإظهار زينتها وكشف نفسها للرجال والاختلاط بهم والخلوة معهم
ان من أركان المجتمع الأساسية الأسرة الصالحة وهي التي تبدأ بداية صحيحة وسليمة ويكون فيها احترام لحقوق كل من الرجل والمرأة ووفاء بعضهم لبعض {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}، {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} وذلك لايكون إلا بالعفة، فإذا فُقِدتْ العفة في بداية تكوين الأسرة وكانت بداية العلاقة بين المرأة والرجل التي أدت إلى الزواج غير سليمة ولا فيها عفة وإنما ابتدأت بالنظر المحرم وتطورت إلى العلاقة غير الشرعية المحرمة المسماة “بالحب أو العشق” والتي يعبر عنها القرآن الكريم: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}
فإذا ابتدأ الزواج بعلاقة (اتخاذ الأخدان) لايمكن أن يشكل ذلك الزواج أسرة صالحة وبالتالي لايمكن إيجاد مجتمع متكامل، وكثير من الأسر التي تشكلت بمثل هكذا علاقة تفتقد في بدايتها للعفة، انتهى الحال بها إلى تفت الأسرة والافتراق، وبالتالي انهيار المجتمع. فمن لم يكن لديه العفة سواء كان رجلاً أو امرأة من الصعب أن يفي لشريكه في الحياة الزوجية، إذ إن العفة هي حصن الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع.
ومما يؤسف له أننا نرى اليوم الكثير من الشباب من الرجال والنساء بدأوا يفقدون العفة وذلك بحجة الانفتاح والتطور، وكما يقول الشاعر:
إن كان ترك الدين يدعى تقدماً
فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي
فإذا دخلت للجامعات رأيت الفتيات صرحن الحجاب عن انفسهن وهن بكامل زينتهن، يجلسن مع الشباب ويتمازحن معهم ويفاكهنهم!
فأين هن من قول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}.
أما الشباب فحدث ولا حرج من النظر المحرم والعلاقات غير الشرعية والاختلاط مع النساء والاختلاء بهن بحجة الصداقة والزمالة، فأين هم من عفة ذلك الشاب محمد الطيار؟
⭐ ان من أركان المجتمع الأساسية الأسرة الصالحة وهي التي تبدأ بداية صحيحة وسليمة ويكون فيها احترام لحقوق كل من الرجل والمرأة
فما جاء في كتاب من لا يحضره الفقيه عن محمّد الطَّيّار قال :دَخَلتُ المَدينَة وطَلَبتُ بَيتاً أتَكاراهُ – أي استأجره- فَدَخَلتُ دارا فيها بَيتانِ – غرفتان- بَينَهُما بابٌ وفيهِ امرَاَةٌ ، فَقالَت: تَكارى هذَا البَيتَ؟
قُلتُ: بَينَهُما بابٌ وأنَا شابٌّ .
قالَت: أنَا اُغلِقُ البابَ بَيني وبَينَكَ .
فَحَوَّلتُ مَتاعي فيهِ، وقُلتُ لَها: أغلِقِي البابَ .
فَقالَت: تَدخُلُ عَلَيَّ مِنهُ الرَّوحُ -أي الهواء- دَعهُ ، فَقُلتُ: لا ، أنَا شابٌّ وأنتِ شابَّةٌ أغلِقيهِ .
قالَت: اُقعُد أنتَ في بَيتِكَ فَلَستُ آتيكَ ولا أقرَبُكَ، وأبَت أن تُغلِقَهُ، فَأَتَيتُ أبا عَبدِاللّه عليه السلام فَسَأَلتُهُ عَن ذلِكَ .
فَقالَ : تَحَوَّل مِنهُ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ وَالمَرأَةَ إذا خُلِّيا في بَيتٍ كانَ ثالِثُهُمَا الشَّيطانَ. فالمطلوب من الشباب – رجالا ونساء- ان يلتزموا العفة في حياتهم وفي علاقاتهم وفي كل شيء، لأن ذلك هو مما جاء به القرآن الكريم وهو أمر إلهي واجب لابد من الامتثال له وعدم عصيان أمر الله لأن العصيان يستوجب غضب الله تعالى، أما طاعته وخصوصاً في العفة يستوجب رضوان الله والفلاح: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، والفلاح هو النجاح في الدنيا بإقامة مجتمع فاضل تحفظ فيه كرامة الإنسان ويصان فيه شرفه وعرضه، والفوز بالآخرة بغفران الله ودخول الجنة قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *..* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.