تحقیقات

الشباب الرسالي في كربلاء المقدسة يستعد للمجلس الفاطمي.. أجواء روحانية تعطي الأمل وتُحيي الطموح

  • أجرى التحقيق: ابو طالب اليماني- محمد علي جواد

في قلب كربلاء المقدسة، وفي جامع الامام الحسين الكبير الذي يقع على الشارع الممتد مباشرة الى حرم الامام الحسين، عليه السلام، نشهد نشاطات وأعمال منذ حوالي اسبوعين من تحرير هذا التحقيق، لتحضير مستلزمات إقامة المجلس الفاطمي السنوي في ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء، عليها السلام.

ما جذبنا الى هذا المكان دون غيره من الاعمال المماثلة في هذه الايام الحزينة، تميزه بوجود ثلّة من الشباب المؤمن والمثابر والمتفاني ليل نهار، وهم موزعين على لجان متخصصة في مشروع ثقافي وحضاري يتجاوز نطاق استذكار المناسبة بالبكاء واللطم، الى نشر ثقافة وقضية سيدة نساء العالمين، ولماذا جرى عليها ما جرى، وما هي قضيتها بالاساس؟ مع فعاليات مختلفة تستهدف الشباب بالدرجة الاولى وسائر فئات المجتمع بنشر الوعي الديني والفكر الرسالي.

⭐ الشباب الذين التقيناهم في مكان العمل تتراوح مراحلهم التعليمية بين الاعدادية والجامعة، ومَن هو متخرج من الجامعة ومرتبط بعمل رسمي صباحاً ومساءً، ومن هو طالب في الحوزة العلمية

السواد متشحٌ في الأرجاء، وأعمال الديكور، والإنارة، والمفروشات، وإعداد المنصّة، وتظليل المدخل الرئيسي لقاعة المجلس بسعفات النخيل الصفراء لنقل الزائرين الى التاريخ، ثم الزاوية المخصصة لنصب “بيت الزهراء” المشحون بالاضاءة الحمراء، والى فعاليات النشر والاعلان في جناح آخر من المجلس، الى جانب الإنارة، واخيراً وليس آخراً؛ الخطيب ذو الموضوعات العصرية والهادفة، والرادود الحماسي؛ كل هؤلاء يجتمعون على هدف واحد هو توفير أجواء روحانية خالصة تتيح للشباب أولاً؛ فرصة الحضور في هذه الاجواء التاريخية، والذكريات الشجيّة ما يساعده على التفكير الايجابي في الحياة، ولعامة الناس ثانياً؛ التعرف اكثر على ثقافة أهل البيت، عليهم السلام، وما جرى من ظلامات على الصديقة الزهراء.

فكان لابد من معرفة تفاصيل هذه الجهود لنصل الى كيفية صناعة هذه الاجواء من خلال هذا التحقيق.

  • المشاركة في المجالس الفاطمية و امتحانات البكلوريا!

الشباب الذين التقيناهم في مكان العمل تتراوح مراحلهم التعليمية بين الاعدادية والجامعة، ومَن هو متخرج من الجامعة ومرتبط بعمل رسمي صباحاً ومساءً، ومن هو طالب في الحوزة العلمية، مع ذلك فإن الامتحانات لجماعة السادس الاعدادي “البكلوريا”، والتزامات العمل الصارمة، لم تمنع هؤلاء الشباب من الحضور والمشاركة في أعمال الاعداد للمجلس الفاطمي بين متسلّق على سلّم عالٍ لنصب الإنارة في سقف المجلس، وبين منهمك في إعداد النصب الرمزي لبيت الزهراء بسعفاته الصفراء وإضاءته الحمراء، وإكساء الجدران بالطين، وبين مُعد لجناح الاعلام والنشر، وهو ما أكده لنا السيد ولي صالح، خريج المعهد الطبي لصناعة الاسنان، وهو يعمل موظفاً في المركز التخصصي لطب الاسنان في كربلاء، يقول: بمجرد انتهاء الدوام ظهراً أتوجه الى هذا الجامع (جامع الامام الحسين الكبير) لمشاركة اخواني في عمل الاستعدادات للمجلس الفاطمي، ليس هذا فقط، بل اني أعمل مساءً في مختبر بنفس الاختصاص، وأحاول الحصول على اجازة من صاحب المختبر لئلا اتخلف عن جماعتي في هذا المشروع العظيم.

نفس التوجه كان لدى الاخ رضا الكربلائي الطالب في السادس الاعدادي، سألناه عما اذا كان مطمئناً من عدم تقاطع هذا العمل مع امتحانات البكلوريا الحساسة لكل شاب يطمح دخول الجامعة، فقال: اشارك في هذه الفعاليات منذ سنوات، ومنذ كنت في الرابع والخامس اعدادي، كنت اشارك و أواضب على إتمام واجباتي المدرسية، وذات مرة فاتحت اصدقائي في المدرسة بأن يشاركوا في هذه الفعاليات فاعتذروا بسبب الدراسة، ولكن بعد فترة وجدت درجاتي في الامتحان أفضل منهم، وهذا أعدّه من بركات مجالس الفاطمية ومن أجوائها الروحانية.

  • ما الذي يجذب الشباب الى هكذا مجالس؟

سؤال يفرضه علينا الواقع الاجتماعي والثقافي القائم، ليس في كربلاء المقدسة، بل في العراق، وفي عموم البلاد الاسلامية، حيث مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، والالعاب الالكترونية، الى جانب المقاهي، وصالات اللعب المنتشرة، بما تشكل بمجموعها تحدٍ كبير للوعي والثقافة للنشئ الجديد وجيل الشباب.

خلال تجولنا في ارجاء المكان لم نلاحظ سوى شباب باعداد الاصابع، ولكن! عندما تحدث الينا هؤلاء الشباب الرسالي تبين أن ورائهم عشرات، ومئات الشباب المتفاعل في اوساط المجتمع مع هذا المجالس ومع ثقافة أهل البيت، عليهم السلام، بفضل الاجواء الروحانية في هذا المجلس الفاطمي، وهو ما أكده كلُّ من تحدث إلينا في هذا المكان، بأن الشاب الذي يحضر لأول مرة يجد أن ما يسمعه ويراه يعبر عما في وجدانه وضميره، وما يتطلع إليه في الحياة من اسباب النجاح والموفقية، لاسيما فيما يتعلق بالسلوك الشخصي، فالظاهر على شباب اليوم التحلل من الالتزامات الدينية والاخلاقية، بينما الحقيقة غير هذه تماماً بدليل وجود الشباب في هذه المجالس وما يتركه عليهم من آثار سريعة في سلوكهم وطريقة حديثهم وحتى تفكيرهم وآرائهم إزاء قضايا كثيرة، وهذا ما أفصح عنه الاخ رضا الكربلائي بينما كنّا نغادر المكان ليضيف هذه الفكرة الينا بأنه شاهد على تغيّر سلوك الكثير من الشباب نحو الالتزام بالأخلاق والآداب والرُشد والفضيلة بفضل حضورهم هذا المجلس، بينما أكد السيد ولي بأن لولا هذه المجالس لكان وضعنا الأخلاقي والثقافي أسوأ بكثير مما نحن عليه اليوم بسبب تحديات الانترنت.

⭐ أكد الشيخ الشمري على أننا لا نقدم للمشاركين البكاء واللطم فقط، وإن كان الرثاء وإحياء شعائر أهل البيت ومصابهم أمر مطلوب ومثاب عليه –يقول الشيخ-: بيد أن المهم ايضاً؛ اغتنام فرصة هذه الذكريات لإيصال ثقافة وسيرة اهل البيت الى ابناء المجتمع في العراق وفي كل مكان بالعالم

الى جانب الاجواء الروحانية، أشار سماحة الشيخ أرشد الشمري، المشرف على أعمال التحضير والاستعداد لإقامة المجلس الفاطمي، الى عامل محفّز آخر لجذب الشباب الى هذه المجالس وهو: الخطاب الواعي والمسؤول من خطباء المنبر، لاسيما اذا كان الخطيب سماحة السيد مرتضى المدرسي ـ نجل المرجع المدرسي- أو سماحة آية الله السيد هادي المدرسي، بموضوعاتهم العصرية والمتجددة، وأسلوبهم الشيّق، وما يقدمونه من معلومات مفيدة للشباب وللمرأة وسائر شرائح المجتمع.

عندما يدخل الشاب هذا المجلس الفاطمي يشعر انه ليس غريباً، بقدر ما يشعر أنه بين أهله وأصدقائه ـ يضيف الشيخ الشمري-، فان الفرصة متاحة أمامه للتعرف على اصدقاء كُثر، ومن ثم تكون الابواب مفتوحة امامه للانضمام الى مشاريع العمل الرسالي بفروعه الثقافية والتربوية المختلفة.

ونقطة اخرى اضافها الشيخ الشمري تعد مهمة ومحورية في علاقة هذه المجالس بالشباب، وهي: تشكيل حلقات الحديث والاسئلة المتبادلة بين الشباب وعلماء الدين من الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة لتوفير الفرصة للشباب لأن يعبروا عن آرائهم وافكارهم، ثم البحث في الحلول والبدائل لمشاكل مختلفة.

  • نصب بيت الزهراء.. تطور فنّي مستمر

أكثر ما يلفت نظر المشارك في عزاء الصديقة الزهراء؛ نصب رمزي على شكل بيت يكون على يمينك وانت تدخل قاعة المجلس.

في السنوات السابقة كان النصب عبارة عن حجرة صغيرة من سعف النخيل الجاف، وجدران مكسوة بالطين، مع بعض الديكورات والأواني والاضاءات الموحية لطبيعة حياة الصديقة الطاهرة، أما اليوم فانت تدخل بيت كامل فيه غرف وممرات تاخذك من الباب وحتى نهاية الدار من الجهة الثانية حيث الجدران المكسوة بالطين والاضاءة الحمراء والديكورات المؤثرة الموحية للتواضع، وايضاً للشجاعة، وعلو النفس، الى جانب مظلوميتها، عليها السلام.

كما أن استخدام سعف النخيل الجاف جاء في ديكور الممر الواصل بين الباب الرئيسية للجامع الى صالة المجلس، بحيث تظلل المشاركين على طول الممر.

⭐ عندما يدخل الشاب هذا المجلس الفاطمي يشعر انه ليس غريباً، بقدر ما يشعر أنه بين أهله وأصدقائه

وأكد الشيخ الشمري على أننا لا نقدم للمشاركين البكاء واللطم فقط، وإن كان الرثاء وإحياء شعائر أهل البيت ومصابهم أمر مطلوب ومثاب عليه –يقول الشيخ-: بيد أن المهم ايضاً؛ اغتنام فرصة هذه الذكريات لإيصال ثقافة وسيرة اهل البيت الى ابناء المجتمع في العراق وفي كل مكان بالعالم، ذلك من خلال جناح النشر والاعلام بما يقدمه من مؤلفات وبوسترات ومقاطع فيديو تعرف بنشاطات هيئة الشباب الرسالي وفعاليات التجمعات الرسالية الاخرى مثل؛ كشافة ابناء القرآن، وتجمع خُطى الشبابي، وسائر الفعاليات التي تُعنى بطلبة المدارس والجامعات بدورات وندوات وورش ثقافية.

سألنا الشيخ الشمري عن امكانية تنويع عناوين الكتب والمؤلفات المعروضة لتشمل موضوعات تربوية وعلمية وثقافية مع تعددية للمؤلفين من اكاديميين ومفكرين اسلاميين، أجاب بالايجاب إنما المشكلة مادية –يقول-: فالكتب من هذا النوع باهضة الثمن، ثم اننا نوفر فرصة للمطالعة تحت عنوان: “اقرأ.. اقرأ عشرة دقائق وامتلك كتاباً” سعياً منّا لأن يتمكن كل شاب من الحصول على كتاب يذهب به الى بيته.

عن المسرح والرسم تحدثنا مع الشيخ الشمري فأجاب بالايجاب ايضاً؛ وقال: لقد جربنا المسرح في السنوات الماضية وكانت التجربة ناجحة، حيث التفاعل الكبير مع الجمهور، كما وعد بأن يتم الاعداد لاضافة قسم خاص برسوم الاطفال ـ بنين وبنات- في الجناح الثقافي لاتاحة الفرصة لإظهار المواقف والابداعات الكامنة تحت أنامل الصغار، وما يختلج في صدورهم من مشاعر واحاسيس إزاء أهل البيت، عليهم السلام.

  • أين المرأة من المجلس الفاطمي؟

خلال تجولنا في أروقة الجامع الفسيح، والإطلاع على آخر اللمسات على القاعة المخصصة للمجلس، لاحظنا جناحاً ملحقاً بالقاعة الرئيسية كان واضحاً انها مخصصة للنساء، بيد أننا نبحث عن شيء آخر غير الحضور، وهو التأثير والتفاعل، فالقضية ترتبط بالمرأة قبل الرجل، والمناسبة تتعلق ببنت رسول الله، وهي المرأة الشابة ذات الثمانية عشر عاماً، والتي حملت على عاتقها مسؤولية إحياء سنّة أبيها خاتم الانبياء والمرسلين، وإحياء معالم دينه ورسالته السماوية، بمعنى أن الرسالة موجهة بالدرجة الاولى الى المرأة ـ من باب أولى- لما يتضمنه منهج الزهراء من قضايا اساسية مثل الحجاب والأسرة والتربية وغيرها.

كان الجواب من الشيخ الشمري بأن هذه المسألة تحتاج الى وقت وصبر وأدوات لنتمكن من تقريب المرأة من هذه المجالس.

الاخ رضا الكربلائي شكا من عدم حضور النساء في هذه المجالس، ربما لبعد المسافة بين الاحياء السكنية رغم وجود المركبات المخصصة للذهاب والإياب، لذا يقتصر الحضور النسوي ـ يقول رضا-:  بحضور افراد عوائلنا ليكونوا حافزاً للأخريات بأن يشاركن في هذا البرنامج الفاطمي والمشروع الثقافي والتربوي العظيم.

الشيخ الشمري أضاف من جانبه بأن اللجنة المشرفة ستفتح منصاب التواصل الاجتماعي الخاصة بالشباب الرسالي لنقل وقائع المجلس الفاطمي مباشرة ليصل الى أكبر عدد ممكن من النساء والفتيات في كل مكان.

  • رسالة المجلس الفاطمي

وجه كلٌ من السيد ولي والاخ رضا الكربلائي رسالة الى المجتمع الكربلائي والعراقي بشكل عام، بل الى كل مسلم بأن يدعم هذا المجلس بكل ما يتمكن؛ من الحضور والمشاركة، او الدعم المالي والمعنوي، كما وجها رسالة الى نظرائهم من الشباب بأن لا يفوتوا على أنفسهم فرصة الاستفادة من ثقافة أهل البيت، فإن حضورهم وتفاعلهم لن يكلفهم أموالاً وساعات طويلة من عمرهم الثمين، ولا يجعلهم نادمين، بقدر ما يعزز فيهم روح الأمل بالتغيير والتطور والتغلب على كل المشاكل والازمات.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا