سؤال ليس بالجديد، بيد أن مستحدثات الواقع، و افرازاته السلبية؛ من ظواهر وعادات تطفح على سلوك المراهقين والشباب، تستدعي البحث في دور المؤسسات التعليمية بإنجاح العملية التربوية، بالتعاون مع مؤسسات أخرى مثل؛ الأسرة، والعشيرة، والحوزة العلمية، الى جانب عوامل أخرى ذات دخل مباشر مثل وسائل الاعلام؛ التقليدية منها (القنوات الفضائية)، والحديثة (وسائل التواصل الاجتماعي)، كون المؤسسات التعليمية، بدءاً من الصف الأول الابتدائي، وحتى آخر مرحلة في الجامعة، تعد المكان الوحيد –تقريباً- تجتمع فيه هذه الشريحة الطرية وبراعم المجتمع التي تقدمها الأسرة صباح كل يوم على أمل أن يحصل ابنهم على العلم والمعرفة وايضاً التربية الصالحة، ثم ليكون في الغد المسؤول النزيه، والطبيب او المهندس أو المحامي المخلص، وبشكل عام؛ الانسان المفيد لمجتمعه وبلده.
-
المعالجة الشاملة
وقد دارت بحوث، وكتبت مقالات عدّة حول اسباب تراجع الدور التربوي في المؤسسات التعليمية في بلادنا بشكل عام، ومنها العراق، مع استذكار المنجزات الباهرة لما مضى من الزمن الجميل، وما خرجته المدارس والجامعات من علماء وأدباء وشخصيات راقية خدمت مجتمعها وبلادها في العقود الماضية، وخرج الباحثون بأسباب عديدة، نذكر منها ثلاثة فقط، وهي ذات طابع موضوعي، ليمكن معالجتها بشكل صحيح.
السبب الاول؛ ويعود الى احتكام البعض من المعنيين بالشأن التعليمي الى فلسفة قديمة تبلورت في القرن الماضي تمنح الانسان حرية التصرف والسلوك، وانه المسؤول الوحيد عن تصرفاته، ولا حاجة لجهة تنصحه او ترشده او تهديه، ثم جاء المفكرون والفلاسفة ليبنوا على هذه الفلسفة الليبرالية نمطاً خاصاً بتشريع القوانين التي تحمي “حقوق” هذا الفرد.
وبالامكان ملاحظة هذه الظاهرة في السنوات التي أعقبت تصدير الديمقراطية الاميركية الى العراق لتكون بديلاً لنظام حكم صدام وحزب البعث، ومنه طبعاً؛ النظام التعليمي، كما شمل التحول جميع مؤسسات الدولة. ثم إن التحول فيما يخصّ الطالب، شمل ايضاً الكادر التدريسي في المستويات كافة، فهو ايضاً، حرٌ في سلوكه وتصرفاته، ولا يحتاج لمن يدعوه لأن يكون مربياً –مثلاً- إذ هو لا يجد فائدة او حاجة لهذا الأمر.
السبب الثاني؛ ويتعلق بالمؤثرات الخارجية، حيث نجد العجز الواضح لدى شريحة كبيرة ممن يحملون الهمّ التربوي بجدّ وإخلاص، في مواكبة مراحل البناء الفكري والثقافي للطالب، نظراً للسرعة المذهلة لانتشار المعلومات بشكل جارف، وهي تحمل كل ما يثير الغرائز والمشاعر الانسانية؛ الايجابية منها، والسلبية، ففي السابق كان المعلم او المدرس، وحتى استاذ الجامعة يستلم الطالب وهو عبارة عن صفحة بيضاء –على الأغلب- نقيّة وخالية من انماط السلوك الغريب الذي نلاحظه اليوم، علماً أن هذا المأزق يعاني منه الأبوين داخل البيت ايضاً، مما يستدعي التآزر والتعاون بين البيت والمدرسة لسد هذه الثغرة.
أما السبب الثالث؛ ويتعلق بالوضع الاجتماعي الخاص بنا، حيث يعيش البعض أزمات حادة داخل الأسرة لاسباب عدّة منها؛ قلّة ذات اليد، او حتى كثرة الطلبات بشكل غير معقول، ثم الاخفاقات التربوية في محيط الأسرة بسبب تدنّي مستوى الوعي والثقافة، وهي النقطة التي يثيرها الكادر التعليمي دائماً لدى نشوب ازمات ومشاكل بينهم وبين الطلاب او التلاميذ الصغار، على أنهم يواجهون أنماط من السلوك العنيف وغير السوي الناتج من ثقافة البيت.
-
تظافر الجهود
ولابد من الاشارة بوضوح الى الصنف النسوي من الكادر التعليمي في جميع المراحل الدراسية، فان هذه الحالة تتجلّى فيهنّ اكثر من الرجال، وربما نعذر البعض منهنّ لتراكم الهموم البيتية، مع المشاكل والتحديات المهنية، واجتماع كل ذلك في طاقة محدودة وكيان حساس ومرهف، مثل كيان المرأة، بيد أن هذا لا يعذر المرأة في مقام الاستاذية بأن لا تحترم الطالبة كخطوة أولى، قبل التفكير في ممارسة مهمة التربية والتعليم، او ان تتنصّل من أن تكون لهم أمّاً ثانية –مثلاً-، لان هذا يمثل مفتاح العلاقة الحسنة في مختلف العلاقات البينية والاجتماعية، فاذا فقدنا الاحترام، فما الذي سيربطنا مع بعضنا لتبادل الافكار والآراء، بحيث يفهم بعضنا الآخر؟
لقد قالها أحد طلبة الجامعة بصوت عالٍ: “لن نطالبكم بالاحترام والتبجيل والتشجيع بعد اليوم، ولكن؛ لا تهينوننا…”!!
وفي سياق الحديث عن الحلول والبدائل، علينا الاشارة الى حقيقة هامة لرفع بعض اللبس في جدلية التربية بين البيت والمدرسة في العراق تحديداً، فالمعروف ان المؤسسة التعليمية لا تبرح تلقي اللوم بما يحمله الطالب من طباع وسلوك على البيت والأسرة، وما يتعلمه الابناء من الأبوين وافراد الأسرة، ونقول بصواب ما يذهب اليه الكادر التدريسي والمعنيين في المؤسسة التعليمية، بيد أن الصحيح ايضاً؛ ان العراق، ربما يتميز عن كثير من البلاد باتصافه بقدر كبير من المحافظة والالتزام والعصامية رغم التأثيرات الخارجية، وذلك بفضل عوامل عدّة، أبرزها الجهد الكبير الذي تبذله المؤسسة الدينية في التوعية والتثقيف والارشاد في المجتمع، الى جانب المناسبات الدينية الكبرى ذات الضخ المعنوي الهائل، وايضاً نشاط مؤسسات ثقافية تعمل في هذا الاتجاه.
كل هذا وغيره يجعل الطالب والطالبة في العراق يحملون قدراً لا بأس به من الالتزام بالآداب والاعراف الاجتماعية المنضوية في منظومة القيم الدينية والاخلاقية، مما يحمّل الكبار؛ سواءً الابوين، او الكادر التعليمي والتدريسي مسؤولية أخلاقية وحضارية بالاستفادة من هذه الفرص الاستثنائية والإسهام بإنجاح المهمة التربوية.
وحتى تكوان كوادرنا التعليمية في أعلى مستويات الأداء التربوي الى جانب التعليمي، يجدر بنا تشكيل ورش عمل و دورات وحلقات نقاش، بل وعقد ندوات ومؤتمرات يشارك فيها اخصائيون في علم الاجتماع وعلم النفس، الى جانب علماء دين وفقهاء لهم الدراية في مجال الأخلاق والعقيدة، للخروج بتوصيات وافكار تمكّن الاساتذة في المستويات كافة من التصرف الحكيم مع أي سلوك خاطئ قد يصدر من الطلاب مهما كان، ومن ثمّ تقديم البدائل الحسنة للمساعدة على معالجة هذا الخطأ، وتوجيه الطالب او الطالبة الى الطريق الصحيح.