تُعدّ العطلة الصيفية للطلبة فرصةً لتنمية قدرات الطلاب ونموها، وهي مكملة لبناء شخصيتهم حتى النضوج، من خلال استغلال هذه الفترة في رفد الشخصية روحياً وجسدياً، لأن الطالب ما زال في حالة من النمو في شخصيته وجسده.
فنحن نرى كثيراً ممن حصل على شهادة جامعية يُعتد بها؛ ولكنه من ناحية كمال الشخصية، فإنه يتّسم بحب الذات والتقوقع غير مكترث لصراخ مجتمعه وآلام من حوله؛ ليس له علاقات اجتماعية، ولا تواصل بل منعزل لا يهمه من الدنيا إلا الذهاب إلى عمله وتخصصه، ليس لديه مهارات اجتماعية مع أبناء جنسه، حتى يصل به الحال بأن لا يستطيع أن يحل أي مشكلة يتعرض لها، ويبات قلقاً عند أدنى طارئ عرضي على حياته، وإذا ما فشل في أي جانب من جوانب الحياة ينتكس ويصعب عليه النهوض؛ كل ذلك، بسبب عدم الاستفادة من تطوير مهاراته الشخصية، وتعلّم مواجهة مصاعب الحياة خلال مدّة وجوده في المدرسة، او خلال العطلة المدرسية التي نحن بصدد الحديث عنها؛ إنما الاقتصار على الدراسة فقط.
-
أهمية العطلة الصيفية وفوائدها
للعطلة أهمية كبيرة في صقل شخصية الأبناء ونموها في مراحلها التطورية من خلال العطلة الصيفية التي تعد جزءاً أساسياً لمرحلة ما بعد الدراسة، التي اعتاد الطلاب في مدّة دراستهم على برنامج دراسي سنوي من كل عام يتمثل في وقت نومهم واستيقاظهم وواجباتهم اليومية والامتحانات ومن ثم النتائج التي تحدد مصيرهم؛ النجاح أو الرسوب، وبعدها يدخلون في عطلة توفر لهم فراغًا عما كان عليهم من واجبات، هذا الفراغ يمثل راحة نفسية وجسدية لهم لكي يستعيدوا نشاطهم في عامهم المقبل.
كل الدراسات النفسية تؤكد على أهمية الإجازة للراحة النفسية، وأن لها فوائد كثيرة فالعقل البشري لا يستطيع العمل بدون راحة وبدون ترفيه، ولذلك نرى أن من يتعرض إلى ضغط نفسي فإنه سيؤثر فيه في العام المقبل من حيث الاستيعاب والتركيز والتفاعل، لأن الاهتمام بالجانب النفسي في هذه العطلة، واستثمار وقتها لا يقل أهمية عن الاهتمام بإتقان الدراسة والتنظيم الوقتي والجدّ والمثابرة أيام الدراسة، وإن اختلف نمط السلوك فيه، وجوانب استغلال ذلك الوقت، بيد أننا نجد الطبيعة العامة للتلاميذ والطلاب في عطلتهم تميل إلى الكسل والنوم المتأخر جداً، والإفراط في الأكل، وتضييع الوقت على مواقع الانترنت، وهذا ما لا نريده لهم، لأنه يحول وقت الفراغ إلى ملل، أو استخدام خاطئ يؤثر في سلوكهم وشخصيتهم، بل ومستواهم الدراسي في عامهم المقبل، وإذا نجح دراسياً، فإنه سيفشل اجتماعياً، لذا علينا أن نعرف كيف نساعد أبناءنا في استثمار هذا الوقت بما يخدم صحتهم النفسية، والبقاء في النشاط والحيوية، وبما يعزز من بناء شخصيتهم.
-
كيفية استثمار العطلة
1- التواصل الاجتماعي والترفيهي:
من خلال إشراكه في العلاقات الاجتماعية، و صلة الرحم، وإعطائه الفرصة للعب مع أقرانه، ومشاركتهم هواياته، أو عن طريق السفرات العائلية؛ البعيدة منها والقريبة، والتنزه ليشعر بروح الجماعة، خاصة وإن فرصته أكبر لذلك بعد التفرغ من الدراسة، وإشراكهم في أعمال تطوعية خيرية بمساعدة الآخرين حسب المقدار المتوفر له مادياً أو معنوياً، خاصة اذا كان الأب ممن له الخطوة السباقة في تلبية تلك الاحتياجات للعوائل الأخرى، فعليه اصطحابه معه لتلك الأعمال التطوعية لتنمية روح العطاء عنده، وايضاً؛ تنمية المشاعر الإنسانية واحترام الآخرين.
2- تطوير الجانب الفكري:
والذي يعتمد بشكل كبير على القراءة والمطالعة، وإشراكهم بدورات ثقافية ودينية؛ كدورات حفظ القرآن الكريم، لما في حفظه من تقوية للذاكرة، وذلك؛ بحفظ كل القرآن الكريم، أو بعض سوره، وهي الفترة الذهبية لذاكرة الطالب في هذا العمر للحفظ، وكذلك النشاطات الثقافية والمعلوماتية التي ينتفع منها، وتشجيعه على القراءة برفده بمجاميع من القصص والحكايات والكتيبات المعلوماتية، ولو بتدخل ومساعدة الوالدين بقراءتهم إياها إن كانوا في المراحل الابتدائية الأولى، و تعويده على قراءة الكتب مع إعطائه هدايا على إكمال كل كتاب، حتى وإن لم يعرف هدف ذلك الكتاب ومعناه بالشكل المطلوب، إلا أن غريزة حب المطالعة ستكون مرافقة لديه، وتكون سبباً لحبه للقراءة مستقبلاً في مجالات عديدة بالشكل الذي يوسع دائرة الثقافة لديه.
3- تنمية المواهب وصقلها:
من خلال استغلال الوقت بتعلم مهارة جديدة للطالب مهما كانت تلك المهارة، وتشجيعه على تنمية مواهبه وصقلها، وتوفير ما يحتاجه من مستلزمات، فلو كان محباً للرسم علينا توفير تلك الأدوات له وتشجيعه على كل لوحة يرسمها، وكذا بالنسبة للمواهب الأخرى؛ كالخط وغيرها من الهوايات النافعة؛ الذهنية منها والبدنية، كالدخول في المراكز الرياضية ومزاولة النشاطات فيها؛ كتعلم السباحة، ولعب كرة القدم أو تعلم الفنون القتالية الدفاعية للذكور.
ودعم الطالبات بأن يتعلمن ما يفيدهن في أمور البيت؛ من فن الطبخ والخياطة والتطريز والفنون المفيدة لهنّ.
4- منحهم الثقة بقدراتهم:
إن الجزء الأساسي في نمو الشخصية؛ الشعور بالمسؤولية من خلال الاعتماد على الطالب والتي تكون بمستوى قدراته وطاقاته، فطلاب الابتدائية ينبغي تدريبهم بما يتناسب مع طاقتهم في الاعتماد عليهم في أمور بسيطة في البيت، كترتيب فراشهم وألعابهم وتنظيف أسنانهم وغيرها مما يسهل عليه القيام بها، لا أن تكون أكبر من طاقاتهم فتؤثر سلباً عليهم، كما يحصل في انتظار بعض العوائل لهذه العطلة لدفع أبنائها الصغار في الأسواق للعمل والاعتماد عليهم في مصروف العائلة البيتي، وهذا ربما يكون مبرراً فقط لبعض العوائل من باب الحاجة الماسة، وفقدان المعيل، واضطرارهم لهذا الأمر، علماً أنه يندرج ضمن مسؤولية الدولة في توفير الرعاية الاجتماعية لهذه العوائل، لأن ذلك له تأثيرات سلبية كبيرة على هذا الطفل، حتى لا تنمو شخصيته على القهر والحرمان، فضلاً عن الآثار النفسية عليه، أما غير هذه الشريحة فهي غير معذورة في هذا الجانب.
وكذلك الاعتماد على طلبة الجامعات في عطلتهم في أن تكون هناك وظائف وقتية لهم يشغلون فراغهم وليتعرفوا على طبيعة العمل أو اكتساب مهنة فضلاً عن توفير دخل لهم وإعانة عوائلهم ولو براتب يقل مقداراً عما هو متعارف عليه لإشغالهم عن وقت الفراغ الذي يذهب سدى، كإسهامهم في استصلاح الأراضي الزراعية بإشراف كادر مختص بزراعة الأراضي البائرة، أو العمل في بعض المصانع او المنشآت الانتاجية، مما ينعكس إيجاباً على شخصيتهم بالسير بالاتجاه السوي، وليشعروا بأنهم افراد مهمون في المجتمع والدولة وهم في مرحلة الشباب، وإن طاقاتهم لها دور في تطوير وطنهم وكذلك فائدة الدولة من طاقاتهم بما ينفع من تطور زراعي أو صناعي.
وبذلك سيستثمر الطلاب هذه العطلة بما هو مفيد فكرياً و روحيا لتنمية شخصيتهم واكتساب المهارات، ويستفيدون منها مستقبلاً فضلاً عن بث روح التعايش الجماعي لديه، بدلاً من الشعور بالملل وإضاعة الوقت في الجلوس لفترات طويلة على المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والانشغال بأماكن اللهو والتردد على المقاهي بما يقتل الوقت الثمين لديهم.
ومن هنا نود أن تلتفت العوائل لهذا الأمر، كما يكون لمؤسساتنا الحكومية الشعور بالمسؤولية تجاه الطلاب في العطلة الصيفية عن طريق إطلاق مبادرات تهتم بجانبهم الثقافي، بتوفير دورات ثقافية وعلمية، وبتوفير مراكز رياضية متعددة المجالات تتناسب مع أعداد الطلبة، فضلاً عن سد العوز المادي للعوائل الفقيرة لكي تكون فرصة لأبنائها في مشاركتهم في تلك الفعاليات الثقافية والترفيهية، وإنشاء المزيد من الأماكن الترفيهية من متنزهات وألعاب، الى جانب توفير فرص عمل تدريبية وتأهيلية خلال هذه العطلة خاصة لطلبة الجامعات مما يسهم في تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وايضاً خدمةً للوطن وأهله.