ما زلنا في دعاء العهد، وبالذات في فقرة: «فَاَظْهِرِ الّلهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمّى بِاسْمِ رَسُولِكَ» التي ذكرت سابقاً، من أنها تشير إلى ثورة إصلاحية يقودها الإمام المهدي، عجل الله فرجه، والتي تنبع من الرسالة النبوية، وامتداداً لها.
حتى وصل بنا المقام إلى تتمة الفقرة السابقة: «حَتّى لا يَظْفَرَ بِشَيْء مِنَ الْباطِلِ اِلّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ»؛ من خلال توسلنا بالله – تعالى- ليظهر لنا وليه حتى يمزق الباطل ويحق الحق ويحققه، وما فيه من النكات.
النكتة الأولى في العبارة الاستعارية (اِلّا مَزَّقَهُ)، أي: تمزيق الباطل، قد تبدو واضحة من حيث استخدام هذا التعبير الذي يشير إلى حركة الإمام الإصلاحية؛ علماً أن (التمزيق) هو لقطعة قماش مثلا او لورقة! امر عادي، ولكن جاءت هذه الاستعارة لظاهرة الباطل؛ فماذا يكمن وراء ذلك؟
إن الباطل في بعض المجتمعات التي تصل إلى مستوى التحريف لواقع الإسلام؛ من قبيل مسألة (تحرير المرأة) مثلاً، أو ما نراه ونسمعه من أعداء مذهب الحق، وفي مثل هذه المظاهر جسدت الحضور الفعلي في أذهان الكثير من المسلمين، وهو أمر مجسد لمفهوم الباطل.
لذلك فإن إزاحة مشروع كهذا يحتاج إلى عملية خاصة تتناسب مع الخيوط التي نسجتها الأيادي المنحرفة، وما كتبها المنحرفون من مبادئ باطلة؛ من اجل ذلك جاءت المطالبة بتمزيق الباطل؛ علماً ان هذه الورقة أو ذلك النسيج هما سطور باطلة أو خيوط واهية، فإن عملية كشف زيفها هو تمزيقها، وهذا ما عبر عنه الإمام الصادق، عليه السلام: (حَتّى لا يَظْفَرَ بِشَيْء مِنَ الْباطِلِ اِلّا مَزَّقَهُ)، والتي ترتبط بالعبارة المتوسلة بالله – تعالى- بان يتيح للإمام، عجل الله فرجه، لتمزيق الباطل.
ولكن ماذا عن العبارة الأخرى المتممة لسابقتها وهي قوله، عليه السلام: (وَيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ)؟ وهو الجزء الأخير من فقرة الدعاء المتوسل بالله – تعالى- بأن يجعله، عجل الله فرجه، ممزقاً للباطل ومحقا للحق.
فإن هذه العبارة فيها ثلاث دلالات، تتحدث عن (الحق، والمحق، والمحقق)؛ أما الحق فهو ما يقابل الباطل، وأما (المحق، والمحقق)، فإن فيهما توسل الدعاء بأن يحق الامام، عجل الله فرجه الحق، ومعنى يحق، (يجعله واجباً يدركه الآخرون). ومعنى يحققه، أي: يجعل الحق متحققاً نافذ المفعول على الأرض؛ تبعاً لوعد الله – تعالى- بأن يورث الارض لعباده الصالحين.
وهنا نتساءل: ما هو المسوغ بأن يطلب الدعاء بأن يحق الامام – عجل الله فرجه – الحق ويحققه، ثم يمزق الباطل، فإن الحق يأخذ مكانه؛ فلماذا اذاً إحقاقه وتحققه؟
إن المجتمعات المنحرفة طيلة عهود التاريخ عندما تعاملت مع النظم الفكرية؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. الخ، من خلال الفئات المنحرفة المنعزلة عن مبادئ السماء، والانعزال عن السماء؛ تارة يتجسد في المبادئ العلمانية، وأخرى في الانحراف عن الثقلين، فهذا يحتاج إلى تخطيط جديد للمبادئ التي سيرسمها الإمام المهدي – عجل الله فرجه – في حركته الإصلاحية في ضوء ما أمرنا القرآن الكريم به وهو: طاعة الله ورسوله، وأولى الأمر من بعده، صلى الله عليهم أجمعين.
ولذلك جاءت العبارة (ويحق الحق) تعبيراً عن الجانب الاول، أي: جعله واجباً من الزاوية المعرفية، وجاءت كلمة (ويحققه): تعبيراً عن الجانب الآخر، أي: جعله متحققا نافذ المفعول، وهو ما يتحقق فعلا مع ظهور الامام المهدي، عليه السلام.
انتظرونا في مقطع جديد إن شاء الله – تعالى-.