تعد ظاهرة الانتحار من الظواهر السلبية التي تسود أكثر بلدان العالم، حتى أن الأرقام باتت مخيفة، والمشكلة تنادي لوضع الحلول لها بعد أن أخذت تتسع لتشمل الجنسين، ومن الأعمار المختلفة، وبدأت تنتشر في أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين (15 – 29) عاماً بحسب ما أشارت اليه منظمة الصحة العالمية في عام 2012، وأكدت بأن الانتحار كان السبب الثاني للوفاة خاصة للشباب.
وفي السنين الثلاث الأخيرة كثرت حالات الانتحار في المجتمع العراقي وخاصة من الشباب فقد سجلت منظمة حقوق الإنسان بالعراق ما يزيد على (132) حالة انتحار في الربع الأول من العام الحالي (2019) للميلاد، والذي لا يقتصر على جنس دون آخر أو عمر محدد أو على ثقافة متدنية أو معتد بها، لذا كان لا بد من تسليط الضوء على هذه الظاهرة في محاولة للوقوف على أسبابها وكيفية علاجها.
-
أسباب الانتحار
إن معرفة الأسباب من شأنها أن تسهل مهمة التدخل لإنقاذ حياة وتقليل هذه الأعداد الضخمة، وبالطبع المزيد من الدعم الأسري والاجتماعي وحتى المؤسساتي والحكومي سيساعد هؤلاء الأشخاص في إعادة التفكير بالانتحار والتراجع عنه في كثير من الأحيان، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هو: لماذا يتوجه الأشخاص للانتحار وينهون حياتهم في الوقت الذي نرى أن هناك أشخاصاً لو كان العمر يباع لاشتروه بأغلى ما لديهم مقابل أن يعيش بعضه، و ربما يتمنون حتى أن يتأخروا ساعات عن الموت؟
والجواب يكمن في معرفة أن هؤلاء قد ملّوا الحياة في هذه الدنيا نتيجة الصراع مع آلام نفسية كبيرة فيفكر بالانتحار، و يفعل ذلك تخلصاً من الألم الذي يعانيه، لذلك فالشخص المنتحر أو من يحاول الانتحار؛ سواء أ نجا، أم لا، هو لا يريد بطبيعة الحال أن ينهي حياته، ولكن يريد أن ينهي ألمه النفسي الذي يعاني منه، لأنه وصل لمرحلة يؤمن بأن لا خلاص من تلك الحالة التي أصبحت ثقلاً عليه؛ لذلك فالسبب الأكثر شيوعاً والمؤدي لهذه الظاهرة هو الاضطرابات النفسية كاليأس والقلق والاكتئاب وحالات الذهان أو الإدمان.
1- ضعف الوازع الديني
فلو كان الشخص الذي فكر أو حاول الانتحار، يمتلك مانعاً دينياً عن هذا العمل الذي يعدّ حسب الشريعة الإسلامية بأنه قتل للنفس، لما أقدم عليه، بل لأجهد نفسه في سلوك الطرائق التي تخلصه من مشكلته أو من مرضه النفسي بدلاً عن هذا التفكير الضيق.
كما أن وجود الوازع الديني عند الفرد يعني أن يعترف بأن لوجوده قيمة اجتماعية كبيرة، وليس إنهاء حياته بالأمر الهين، لذلك فإن وجود التربية الدينية التي تعرّفه بقيمته الحقيقية، وأهمية روحه وبدنه، وأن الانتحار من كبائر الذنوب، تجعله لا يقدم على هذا الأمر، خاصة وان الشرع المقدس يؤكد على حرمة الانتحار ويتوعد فاعله بدخوله النار في الآخرة، و إن كان فعله هذا صدر من ضغوط آخرين وظلم الظالمين، لأن الله تعالى أودع هذه النفس أمانة عندنا لكي نصل بها إلى الجنان لا إلى موطن عذابها.
2- الصدمات النفسية
قد يمر الفرد في حياته بتجربة مؤلمة جداً، كعدم تحقيق ما خطط له من اهداف تجعله محدداً من دون خيار او بديل؛ فعندما يفشل في الوصول إلى هدفه يشعر وكأن الدنيا قد أغلقت أبوابها بوجهه، وإنه لا يمكن أن يعيش بدون هدفه الذي خطط له، و أراد الوصول إليه، الأمر الذي يدفعه لأن ينهي حياته.
3- الاوضاع السياسية
الانتحار الاحتجاجي الذي تشهده البلاد المأزومة سياسياً، كما حصل في بعض الدول العربية؛ كطريقة للاحتجاج على سياسة الدولة الظالمة بحق شعوبها، وبحقه هو كمواطن، وحق أسرته، وتكون الضغوط الاقتصادية ومصاعب العيش، الدوافع الأكبر لدى البعض للاقدام على الانتحار.
-
اجراءات الوقاية
تعدّ الأسرة الّلبنة الأساسيّة في المجتمع، فهي المسؤولة عن بناء شخصية الفرد عن طريق اكتساب عاداته وتكوين ذاته وبناء أفكاره ومعتقداته، وشخصيته تقوى بالاعتماد عليه حسب مراحله العمرية، وبالشكل الذي لا يفوق طاقته واحترامه، وإعطائه أهمية بين الأسرة ليعرف كيف يتعامل مع المشاكل التي ستواجهه مستقبلاً، فلا يعتاد على أن تُحل مشاكله عن طريق أهله بل يتعلم كيف يواجه مشاكل الحياة ابتداء من أصغر شيء مما يحتاجه، كتعليمه الاعتماد على نفسه بمرحلة عمرية مبكرة في نظافته الشخصية، وتكليفه ببعض المهام تتناسب مع طاقته وعمره، ليصبح ذا قرار ومناعة لمواجهة الصدمات، وحالات الفشل، وأن يتعلم بأن الحياة لا يمكن ان تكون مضمونة دائماً، وإذا ما كان له هدف معين، عليه أن يوفر البدائل لهذا الهدف، فيسير بخطة (أ ، ب ، ج) حتى لا ينهار عندما يركز على هدف منشود واحد ويفشل فيه ويتحطم نفسياً، بحيث لا يتخيل أن يعيش بغير ما رسم لحياته. كما يحصل مع بعض الشباب الذين يقدمون على الانتحار لعدم حصولهم على المعدل المرموق الذي يؤهله لكلية مرموقة، بل ربما البعض لا يصل الى الجامعة اساساً.
أو نسمع عن انتحار شخص بسبب فشله بالارتباط بفتاة أحبها، وكأن الله لم يخلق غيرها، وكأن الحياة لا تستمر إلا بأن يكون خريجاً لتلك الجامعة والكلية التي رغب بها، كما أن المشاكل الأسريّة تؤثّر بالدّرجة الأولى على نفسيّة الطّفل أو الأبناء بشكل عام ممّا يؤدي إلى اكتسابهم شخصية مهزوزة أمام أدنى المشاكل والضّغوطات النّفسيّة.
كما يعدّ الوازع الدّينيّ والخوف من الله –تعالى- والحرص على مرضاته، سبباً قويّاً لردع الانسان عن الانتحار، فضلا عن باقي المحرمات؛ فالمؤمن لا يفقد الثّقة بالله، وبحكمته، وعدله ورحمته، فهو يعلم بأنّ بعد العسر يسرا، وبعد كلّ ضيق فرج، وهذا ما يجعله يواجه تلك المشاكل، والتصبّر على ما يفقد، ويعلم بأنه بعين الله ويلجأ إلى علاج الأزمات النفسية التي يمر بها عن طريق مختصين بهذا الأمر من أطباء مع الاستعانة بالله –تعالى-، كما أن المؤمن عندما يكون له هدف معين فيؤدي ما عليه في إنجازه ويترك الأمر بيد الله لأنه الأعرف بمصلحته كما قال الشاعر:
على العبد أن يسعى وليس عليه أن يكون موفقاً
فالتوفيق من الله؛ و ربما كانت هناك حكمة لا يعلمها إلا الله -تعالى- في فقدان الشخص لهدفه الذي تمناه، أو في مرضه، ويكون ذا أمل بزوال تلك الأزمات، وقد ورد عن أمير المؤمنين، عليه السلام، أنه قال: “المؤمن أوسع شيء صدراً”.
كما ينبغي القضاء على البطالة، إذ إنّ العمل على توفير فرص عمل ووظائف للعاطلين عنه يؤدّي إلى التّقليل من ظاهرة الانتحار، لأن العمل يملأ أوقات الفراغ، ولا يكون هناك أيّ مجال أمام الشّباب للتفكير بطريقة سلبيّة والإقدام على الانتحار، فبالعمل يشعر الإنسان بأنّه كائن منتج، ويشعر بالإنجاز، ويعرف أنّ وجوده في الحياة ذو قيمة. كما أن العمل يرفع المعاناة ومعها لا يمر الفرد بأزمات نفسية التي أحد أبوابها شظف العيش.
لذلك على الأسرة أن تعي حجم مسؤوليتها في صياغة شخصية الأفراد وبنائها بالشكل الصحيح الذي يجعله مستقبلاً يستطيع أن يواجه تلك المشاكل ويلجأ إلى حلها بدلاً عن التفكير بها واليأس من عدم الخروج منها، فضلاً عن بث روح الوعي عند الأبناء ومعها سيلجأ الشخص المعاني للأزمات النفسية لمراجعة طبيب نفسي مختص يشخص حالته ويعطيه طرائق التخلص من مشكلته وتخفيف الألم عنه بجلسات تعالجه سلوكياً وربما احتاج الأمر للدواء ولكن كل ذلك نتيجته أن يرجع الشخص إنساناً طموحاً يمارس حياته بشكل طبيعي.
كما ينبغي للفرد أن يقوي من إيمانه لكي لا يكون لقمة سائغة للشيطان و وساوسه، وأن يثق بالله ويتوكل عليه، وأن يتيقن بأنه كيان له أثر في هذه الحياة.
قال أمير المؤمنين، عليه السلام، في بيت شعري يستشهد به:
أ تحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر